"إسرائيل" في مواجهة الملف الإيراني: إقرار بالفشل وسجال داخلي
بعد حادثة الاعتداء في مفاعل نطنز الإيراني وإعلان طهران بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، تصاعدت الانتقادات في الداخل الإسرائيلي لنتنياهو ولسياسته التي لم تحقق أي نتائج بل إنها تقود إلى تصعيد لن تكون تل أبيب رابحة فيه.
التطوّرات الأمنية والسياسية المتصلة بالمواجهة الإسرائيلية - الإيرانيّة، لا زالت تُلقي بظلالها على المشهد الإسرائيلي العام، بمختلف مستوياته في ظل سجال داخلي حول الأداء الإسرائيلي في المواجهة مع إيران. ففي موازاة تنامي الحديث عن فشل سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في المجال النووي الإيراني، نشأ سجالٌ أيضاً حول جدوى الاعتداء الإسرائيلي الأخير في مفاعل نطنز، في ضوء اتجاه يرى أن الاعتداء قد أتى بنتائج عكسية. وتحوّلت التقديرات الإسرائيلية المتفائلة إلى متشائمة وسوداوية بعد أيام قليلة من الاعتداء.
في الخلفية، لم تتوقّف سهام الانتقاد والتشكيك الموجهة إلى نتنياهو، بأنه يقود "إسرائيل" إلى تصعيدٍ مقابل إيران لأسباب واعتبارات سياسية شخصية، وسُجل هذا في سياق استمرار الحملة الشديدة التي يقودها رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت ضده، ودخول معلقين جدد على خط إطلاق سهام الانتقاد تجاه نتنياهو.
سياسة فاشلة
يطفو على سطح السجال الإسرائيلي حول مجمل التطوّرات الأمنية والسياسيّة الأخيرة تيارٌ وازنٌ يرى أن سياسة نتنياهو تجاه الملف النووي الإيراني كانت فاشلة، ولم تؤدِ الغرض منها بل العكس، فقد قرّبت إيران من القنبلة النووية واختصرت الوقت عليها.
لغة الوقائع والأرقام تُظهر – بحسب أصحاب هذا التيار - أن "إيران اليوم قريبة من السلاح النووي أكثر مما كانت عليه في العام 2015 أو عندما انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في العام 2018". مما يعني أن الوقت الذي ستستغرقه للوصول إلى إنتاج قنبلة نووية قد تم اختصاره، مقارنة بالوقت الذي عملت فيه بموجب الاتفاق النووي في العام 2015.
وفي هذا السياق يقول معلّقون في الشؤون الأمنية إن "مشكلة إسرائيل السابقة هي أنها قرّرت في مرحلة معينة أن تحارب الاتفاق النووي، بدلاً من التأثير فيه". ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن وجود اتفاق، ولو مع ثغرات كثيرة، أفضل من المواجهة الحالية، وما تسببه من خلافات مع الأميركيين.
يتفق رئيس الحكومة الأسبق ايهود أولمرت مع هذه المقاربة، ويُعرب عن اعتقاده بأن الاتفاق النووي السابق لم يكن اتفاقاً مثالياً، إلا أنه كان اتفاقاً جيداً على المدى البعيد، وأفضل من الوضع الذي كان سائداً قبله، وإلغاء الاتفاق من قبل الولايات المتحدة سبّب أضراراً وزيادة أنشطة إيران".
مفاعيل عكسية
التقديرات المتفائلة جداً، والمبالغ بها جداً، التي سادت الأوساط الإسرائيلية، أو سربتها هذه الأوساط، بعد التفجير الذي طال منشأة نطنز، حول حجم الأضرار الفادحة التي لحقت بالمنشأة، وتأثير هذه الأضرار على عرقلة البرنامج النووي الإيراني لتسعة أشهر تقريباً، سرعان ما تلاشت لتحل مكانها تقديرات سوداوية في ضوء الإعلان الإيراني عن البدء في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، والذي يبدو أيضاً أنه ثمة إقرار في "إسرائيل" بحصوله وبقدرة إيران على القيام به، بعد موجة تشكيك سابقة بذلك، وهذا ما ظهر في ما نُشر من تقديرات لمصادر في "إسرائيل" بأن إيران ستواصل في الفترة القريبة بذل كل جهد والقيام بإجراءات مختلفة من أجل تعزيز قولها بإن الضربة في موقع نطنز تسببت بضررٍ أصغر مما قدّر خبراء في العالم.
وبحسب تقارير إعلامية، في "إسرائيل" يقدّرون أنه باحتمالية مرتفعة، أيضاً من دون العملية المنسوبة للموساد في نطنز، كان يمكن للإيرانيين اتخاذ خطوة كهذه (تخصيب 60 في المئة)، كجزءٍ من تحدّ وفعل ضغط على الغرب للعودة إلى إطار الاتفاق من نقط بدء أفضل بالنسبة لإيران. لكن ليس من المستبعد، بحسب التقارير نفسها "أن يكون الانفجار في نطنز حثّ اتخاذ القرارات في إيران ودفعها لتبكير هذه الخطوة. أيًا يكن، في "إسرائيل" يعتقدون أن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60% يثبت للعالم مدى خطورة إيران".
معلقون عسكريون أشاروا إلى أنه إلى جانب التقديرات التي تُسمع من جانب مصادر استخبارية إسرائيلية، فورًا بعد العملية في نطنز، عن أن إيران سيستغرقها أقل من 9 أشهر لترميم قدرتها على تخصيب اليورانيوم، تُسمع أيضًا أصوات أخرى في المؤسسة الأمنية تقول إنه لا زال من السابق لأوانه تقدير مستوى الضرر الذي وقع، وإنه سيتطلب وقتاً طويلاً جداً من أجل تقدير مستوى الضرر وكم سيستغرق الإيرانيين من وقت لترميم الموقع.
نفس المصادر سبق وأشارت، بعد التقارير الأولى عن الضربة في نطنز، إلى أن الإيرانيين لديهم قدرات ومواقع أخرى يمكنها مواصلة تخصيب اليورانيوم، وأنه إلى جانب الإنجاز التنفيذي، يجب الحذر من المبالغة في مستوى الضرر الذي وقع، ومن التداعيات على استمرار التقدّم الإيراني في البرنامج النووي.
في السياق ذاته، قال خبراء في الشأن الإيراني، إنه من الواضح من الآن أن من كان لديه أمل بأن التخريب في منشأة نطنز في الأسبوع الماضي سيؤدي إلى ترك إيران لمحادثات فيينا، ونسف احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي، خاب أمله. وأضاف هؤلاء أنه كان هناك في "إسرائيل من قدّروا أن ضرب قدرة تخصيب اليورانيوم سينزع من إيران ورقة مساومة مركزية في المفاوضات، وسيُقنع دول الغرب بأن الوقت يعمل لصالحها. إلا أنه سرعان ما تبين أنه ليس فقط أن إيران لم تخسر إحدى وسائل ضغطها المركزية، بل إن التخريب وقرار إيران بالبدء بالتخصيب إلى 60 في المئة زادا فقط من شعور الضغط في الغرب".
اعتبارات شخصية تقود نتنياهو
لم تتوقف سهام الانتقاد والتشكيك الموجهة إلى نتنياهو، على خلفية الاتهامات الموجهة إليه بأنه يقود "إسرائيل" إلى تصعيد مقابل إيران لأسباب واعتبارات سياسية شخصية، لا علاقة لها بمصلحة "إسرائيل" الاستراتيجية ولا بأهداف تهم الأمن القومي الإسرائيلي، وسُجل هذا في السياق استمرار الحملة الشديدة التي يقودها رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت ضد نتنياهو، ودخول معلقين جدد على خط إطلاق سهام الانتقاد تجاه نتنياهو.
أولمرت، وفي سياق مقابلة تلفزيونية، قال إنه لا يتفق مع "دعوات التخويف كما أنني لست شريكاً في صرخات الخوف التي صنعوها هنا اصطناعياً حول الاتفاق النووي السابق.. أنا أعتقد أن المسألة الايرانية هي مشكلة، لكن ليس المشكلة الأهم لإسرائيل ويوجد طريقة لمعالجتها وهذه الطريقة غير مرتبطة بالخوف الذي ينتجه رئيس الحكومة بشكل ليس له أي علاقة واقعية في الظرف الآني لهذا التهديد".
وفي انتقاد مباشر لنتنياهو، وبعد أن اتهمه بالوقوف وراء موجة التسريبات التي عمّت وسائل الإعلام الإسرائيلية حول العمليات ضد أهداف إيرانية، قال أولمرت: "المعلومات التي خرجت من هنا هي من مصادرنا. رئيس حكومة إسرائيل، يعظم المسألة الإيرانية بطريقة هستيرية وخلق شعور بحالة وضع طارئ، ولو كان الأمر متعلق به لشحذ هذا التهديد أكثر، حتى ولو وصل إلى احتكاك عنيف بيننا وبين إيران، لأن هذا يساعده في خلق شعور بوجود وضع طارئ. نتنياهو هو بالمجمل جبان، وهو شخص غير مسؤول بحسب رأيي. يوجد سياسة معينة ومقصودة لخلق جو احتكاك محتمل من خلال التهديد والاستفزاز، في النهاية ستؤدي إلى رد إيراني من الممكن أن لا يكون لطيفاً ونحن يجب أن نخفض البروفيل".
معلقون آخرون توقفوا عند ظاهرة التسريبات التي عدّوها طارئة وغريبة على المؤسسة الأمنية، وتساءلوا عن خلفياتها والغرض منها، فأشاروا إلى أنه من بين التفسيرات لتلك التسريبات هو ما يتعلق بالقضايا السياسية. ذلك أن "إسرائيل" في "ذروة حملة انتخابية بين الانتخابات يستخدم فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبعض مقربيه أجهزة الاستخبارات والعمليات الفائقة الحساسية للتجسيد إلى أي مدى هو وليس أي شخص آخر سينجح في إيقاف الاندفاع الإيراني نحو النووي".