بعد اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل".. فقهاء موريتانيا يقولون كلمتهم
تحريم التطبيع في الحقيقة ليس سوى تحريم للظلم والاغتصاب والاحتلال، وهذا ما حصل في موريتانيا، حيث أصدر 200 من العلماء والأئمة الموريتانيين فتوى تحرم التطبيع مع "إسرائيل"، وتعتبر العلاقة مع "الكيان الغاصب لأرض فلسطين والمحتل لبيت المقدس وأكنافه حراماً".
هي حقيقة تاريخية، أن "إسرائيل" كيان محتل ومغتصب للأراضي الفلسطينية، ولكن هذه الحقيقة لم تمنع بعض الأنظمة العربية من المضي في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
التطبيع الذي وقعت على إثره بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والمغرب والسودان "اتفاقيات سلام" مع "إسرائيل"، ليس إلا خدمة للأخيرة و"طوق نجاة" لها، ودعم واستدامة لاحتلالها، و"مكافأة" على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، فإن خطوة 200 من رجال الدين والأئمة المورتانيين بتحريم التطبيع تنسحب على تحريم الظلم والاغتصاب والاحتلال. حيث اعتبروا العلاقة مع "الكيان الغاصب لأرض فلسطين والمحتل لبيت المقدس وأكنافه حراماً ولا تجوز بأي حال".
هذا الموقف جاء بعد أن رشح الإعلام الإسرائيلي موريتانيا مع دول أخرى، للدخول في موجة التطبيع الأخيرة، وهو ما لم يظهر له أي تأكيد في السياسة الخارجية الموريتانية طيلة الفترة التي مارس فيها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضغوطه لتوسيع قاعدة المطبعين.
موريتانيا ملتزمة بالحقوق الفلسطينية
في هذا الصدد، يقول الخبير في الشؤون الأفريقية سيدي محمد ولد جعفر للميادين نت، إن "منطقة المغرب العربي تشهد هذه الأيام سجالاً كبيراً حول موجة التطبيع، وموريتانيا داخلة في هذا السجال، وفي هذا السياق تأتي الفتوى الصادرة من طرف مجموعة من الفقهاء".
وبحسب ولد جعفر فإن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في موريتانيا مرفوض شعبياً، فيما "أسهل وسيلة لشيطنة الخصم وصفه بالمطبع حتى يصبح منبوذاً اجتماعياً".
وتابع أن "تجربة نظام ولد الطائع مع التطبيع والتي قوبلت برفض شعبي واسع، ما زالت عالقة في أذهان الموريتانيين، ويكفي ما صرح به السفير الصهيوني من أنه عجز عن اختراق المجتمع لتحسين صورة إسرائيل".
وحول الموقف الرسمي المعلن، قال إن "موريتانيا ملتزمة بالحق الفلسطيني وفق القرارات العربية المتعلقة بالموضوع، وما نشرته بعض الصحف الغربية عن أن موريتانيا قد تطبع ربما يكون تحليلاً مبنياً على قرب النظام الموريتاني من السعودية والإمارات".
ووفقاً لولد جعفر، "فإن الإمارات كما أقنعت النظام السابق بقطع علاقاته مع قطر، فمن غير المستبعد أن تقنعه على الأقل بالتطبيع مع الصهاينة"، مشيراً إلى أنه "من المستبعد أن يقدم النظام الحالي على هذه الخطوة في هذه الظروف بالذات، فهو عكس الأنظمة السابقة، لا يتعرض لضغوطات غربية من أي نوع، وعلى المستوى الداخلي قرر فتح صفحة غير مسبوقة من الانفتاح على المعارضة الداخلية".
إضافة إلى أن "حاملة لواء التطبيع دولة الامارات لم تقدم مساعدات مغرية لموريتانيا، وليست لها استثمارات ضخمة تمكنها من الضغط على النظام حتى يقلدها في التطبيع".
"ناهيك عن البعد النفسي للرئيس، لأنه ابن شيخ طريقة صوفية معروفة تاريخياً بعدائها للاستعمار الفرنسي، ولعبت دوراً كبيراً في قتل مهندس احتلال موريتانيا بداية القرن الماضي ازفيي كبولاني حيث تمكنت مجموعة من اتباعها من قتله في معركة عام 1905"، وفقاً لولد جعفر.
تحريم التطبيع سيمثل دعامة للنخب المعارضة له
ولفت ولد جعفر إلى أن التوجه العام لدى الموريتانيين هو الشجب والإدانة للدول المطبعة، "وهنا يتداخل السياسي بالشعبي، فعلى المستوى الشعبي فإن الرفض والإدانة هما الثابت، وهذا ما يجعل حتى أنصار الإمارات هنا لا يجاهرون بالدفاع عنها"، على حد قوله.
وفيما يخص فتوى العلماء الأخيرة، قال إن "تحريم التطبيع سيمثل دعامة للنخب المعارضة للتطبيع من أجل استغلالها في وجه المطبعين إن وجدوا أصلاً، أما الساحة السياسية والشعبية فالفتوى لا تقدم لها شيئاً جديداً لأن التوجه العام هو رفض كل شيء له علاقة بالاحتلال".
فيما "أصبح السياسيون حتى الموالون منهم للنظام يخشون إذا مضوا بالتطبيع أن يفقدوا مقاعدهم الانتخابية، لمعرفتهم أن الدفاع عن التطبيع انتحار سياسي"، بحسب تعبيره.
كذلك، لفت إلى أن هناك أحزاب ممثلين في البرلمان طالبوا بسن قانون يمنع التطبيع، أحدهم حزب "اتحاد قوى التقدم"، وهو حزب اليساريين الشيوعيين سابقاً، والثاني حزب "التحالف الشعبي التقدمي"، وهو مكون من القوميين الناصريين، وحركة "الحر" أي أبناء المعتقلين السابقين، وحزب "الصواب البعثي"، وحزب "العدالة والديمقراطية".
علماء الدين الموريتانيين أكدوا كذالك في بيانهم أن "حرمة العلاقة مع "إسرائيل" تعود لأسباب، منها أن التطبيع مع "إسرائيل" إقرار لهم على الاستمرار في احتلال بلاد المسلمين، وذلك بمثابة تخلٍّ عن فريضة الجهاد، وتعاون مع من قاتلنا وأخرجنا من ديارنا وظاهر على إخراجنا".
المجتمع متفق على تحريم التطبيع
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الصحفي الموريتاني السالك زيد، إن إصدار العلماء لفتوى تحرم التطبيع مع "إسرائيل" هي فتوى تعزز الموقفين الرسمي والشعبي في موريتانيا.
ورأى أن الشعب الموريتاني بكل أطيافه وخلفياته الفكرية، غير راض عن التطبيع الذي حصل وقد عبر كثير من قادة الرأي عن ذلك، واعتبروه انتكاسة عربية، تحت ضغط إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وبحسب زيد، فإن حديث وسائل الإعلام الدولية عن تطبيع محتمل لموريتانيا، نفته جهات رسمية، مشيراً إلى أن "الخطوات البرلمانية لسن قانون يمنع التطبيع، لم تتقدم بعد، لكن أعتقد بأن المجتمع متفق على تحريم التطبيع والحكومة كذلك".
وختم قائلاً "أعتقد أن الدول المطبعة يجب أن تتذكر مآسي الشعب الفلسطيني، وعدم احترام "إسرائيل" لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية والاتفاقيات. ويجب أن تعمل على تغيير هذه الوضعية ووضع حد لممارسات الاحتلال في فلسطين".
يذكر أن موريتانيا قطعت علاقاتها مع "إسرائيل" في 2009 إبان العدوان على غزة.