كواليس قمّة "الناتو".. تغريدة زيلينسكي تُغضب الأميركيين
كلام الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، المُهين بحق المجتمعين في فيلنيوس، أثار غضب البيت الأبيض، إلى درجة أنّ المسؤولين الأميركيين المشاركين في العملية نظروا في "دعوة" كييف إلى الانضمام إلى "الناتو".
لم تجرِ قمّة "الناتو"، التي عُقدت بين 11 و14 تموز/يوليو الجاري، في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وفق المخطط المرسوم لها.
فوسط الخلافات والتباعد في المقاربات والتقديرات المتناقضة بين الأعضاء، تجاه قضية انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، نزلت ، كالصاعقة على المجتمعين التغريدةُ النارية للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، والتي صبّ فيها جام غضبه على المشاركين، من خلال وصف فشلهم في منح أوكرانيا دعوة رسمية، أو جدولاً زمنياً محدَّداً، بأنّه "سخيف وغير مسبوق".
هذه التغريدة سمّمت أجواء الاجتماع، وأجّجت التوترات بين الأعضاء وألهبت غضبهم، وخصوصاً واشنطن، الأمر الذي كاد يُفجّر القمّة من الداخل، فضلاً عن أنّها كشفت زيف الوحدة المصطنعة للقادة وهشاشتها.
كيف كانت ردة فعل أعضاء "الناتو" على تغريدة زيلينسكي؟
في الحقيقة، أذهل توبيخ الرئيس الأوكراني العلني للتحالف أولئك الذين تجمّعوا في مكان القمة. إذ يوضح الحادث مدى الإحباط داخل الناتو من تكتيكات الضغط التي يمارسها زيلينسكي، إلى الحدّ الذي تساءل فيه بعض أقوى مؤيديه عما إذا كان يخدم مصالح أوكرانيا في ثورته.
ليس هذا فحسب، أحبط زيلينسكي المدافعين عن أوكرانيا في التحالف، والذين اعتقدوا أنّهم ضمنوا فوزاً لكييف من خلال دفع الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى مترددة إلى الموافقة على "توجيه دعوة إلى أوكرانيا من أجل الانضمام إلى التحالف عندما يوافق الحلفاء ويتم استيفاء الشروط"، على حدّ تعبير الإعلان النهائي، الذي جرى التوصّل إليه بشق الأنفُس.
كما أنّ هجوم زيلينسكي، فاجأ بعض المسؤولين الغربيين وحلف الأطلسي، لأنّ نظراءهم الأوكرانيين كانوا يعرفون، منذ فترة طويلة، أنّ الدعوة الفورية لن تأتي في ظلّ حالة الحرب التي تمرّ فيها البلاد.
ماذا عن الموقف الأميركي؟
في الحقيقة، أثار الكلام المهين لزيلينسكي بحق المجتمعين في فيلنيوس غضب البيت الأبيض، إلى درجة أنّ المسؤولين الأميركيين المشاركين في العملية، نظروا في تقليص (أيّ الفرص بحسب سياق النص) "دعوة كييف إلى الانضمام"، وفقاً لـ6 أشخاص مُطّلعين على الأمر.
فداخل غرفة القادة، كان هناك عدد أكبر من المستشارين، الذين كانوا يجولون بين الغرف ذهاباً وإياباً، أكثر مما هو معتاد في هذه الأنواع من القمم، بحسب مسؤولين غربيين. وفي لحظة ما، دخل مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، الغرفة، وسحب الرئيس الأميركي جو بايدن بعيداً عن الطاولة، بحيث وصف أحد المسؤولين الواقعة بالقول إنه "يبدو أنّه يتحدث إلى الرئيس بشأن شيء ما. إذ ظهر سوليفان كأنه يُحاول المجادلة، وبدا مصمّماً على أمرٍ مُعيّن، وخصوصاً أنّ تبادل الحديث استمرّ نحو 30 دقيقة".
في موازاة ذلك، وبينما كان السفراء والوزراء المشاركون، وغيرهم من كبار صُنّاع السياسات، يُجرون محادثات غير رسمية بشأن كيفية استجابة التحالف لمطالب أوكرانيا، برز موقفٌ لافت للمسؤولين الأميركيين، عبّروا فيه عن إمكان إعادة النظر، أو شطب المقطع الذي اعترض عليه زيلينسكي بشدّة، قائلين: "سنكون في وضعٍ يسمح لنا بتوجيه دعوة إلى أوكرانيا من أجل الانضمام إلى الحلف عندما يُوافق الحلفاء ويتمّ استيفاء الشروط"، والكلام يعود إلى مسؤولين أوروبيين معنيين شاركوا في المفاوضات.
الأكثر أهمية هنا، هو ما نقله 3 من كبار صنّاع السياسة في دوائر "الناتو" (اثنان منهم من المشاركين المباشرين في المحادثات)، كاشفين أنّ "تصورهم القوي هو أنّ الولايات المتحدة كانت تستعد لتخفيف لغة الوثيقة لجعلها أقّل ترحيباً بالانضمام الأوكراني السريع إلى التحالف".
وفي السياق ذاته، أكّد أحد كبار صنّاع السياسة، وهو دبلوماسي في "الناتو" شارك في الاجتماعات، أنّ "البعض أراد سحب الإشارة إلى"الدعوة"، أو إيجاد مكان آخر لوضع تلك الكلمة.
وأوضح دبلوماسي كبير آخر في "الناتو"، شارك في المفاوضات المحمومة، إنّه "على الرغم من أن العديد من الأشخاص" أيّدوا إزالة الصياغة التي أزعجت زيلينسكي، غير أنّ الوفد الأميركي "لم يرغب، على وجه التحديد، في أخذ هذا الوعد كدعوة، في الإعلان النهائي للقمة، وهكذا كان.
أكثر من ذلك، ودائماً على ذمّة ذلك الدبلوماسي، كان هناك إجماع على أنّ إعادة صياغة الوثيقة ستؤخر إصدارها. لذا في الختام، توصل أولئك الأكثر قلقاً بشأن ردّ الفعل الأوكراني، إلى استنتاج مفاده أنّه سيكون من الأفضل التمسّك بالنص كما تمّت صياغته، فهذا، وفق نظرهم، يُرسل رسالةً واضحة وقويّة للغاية إلى كل من أوكرانيا وروسيا.
كيف جاء موقف فرنسا ودول البلطيق؟
داخل الأروقة الدبلوماسية، دفع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مدعوماً من دول أوروبا الوسطى ودول البلطيق، إلى المحافظة على اللغة المتفق عليها في الأصل.
ورأى هؤلاء القادة أنّ البيان أقوى عرض ممكن لأوكرانيا، بالنظر إلى إحجام الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما عن المضي قُدُماً، خوفاً من أنّ يُؤدي ذلك إلى دفع التحالف إلى مواجهةٍ مُباشرة مع روسيا.
وفي النهاية، رضخت الولايات المتحدة مُكرَهةً تجنباً لحدوث انشقاقاتٍ داخل "الناتو"، واتفقت وحلفاءَها على أنّهم سيحافظون على لغةِ الإعلان كما تمّ تقديمه في آخرِ المطاف. وعلى الرغم من أنّ البيان يفتقر إلى جدولٍ زمني لانضمام أوكرانيا إلى الكتلة، فإنّه كان نتاج جهود شاقة لتحرك إدارة بايدن والقادة الأوروبيين الآخرين لمنح عروض أكثر تحديداً لكييف، في ظل الصراع المُستمر مع روسيا.
وتعويضاً من الخيبة الأوكرانية، أعلن قادة "الناتو" (كجائزة ترضية) حُزَماً واسعة النطاق من المساعدات العسكرية لكييف. وتعليقاً على ذلك، قال دبلوماسي أوروبي: "تراجعنا، وكانت النتيجة أفضل ما يُمكن".
في المحصّلة، مع أنّ زيلينسكي خفّف، في وقتٍ لاحق، نبرته، معرباً عن امتنانه لـ"الناتو"، غير أنّ الجهود المتوترة للمحافظة على صورة الإجماع تركت بعض أقوى المساندين لكييف مرهَقين وغاضبين، بحيث لخّص أحد كبار صنّاع السياسة في "الناتو"، وهو مطّلع على المحادثات، ما جرى، في القول: "لم يكن الأمر ممتعاً، أبداً".
المصادر:
1 ـــ Zelensky slams NATO’s declaration on Ukraine membership - The Washington Post
2 ــ Nato summit: Biden says 'we will not waver' in support for Ukraine - BBC News
3 ـــ US and UK call for more gratitude from Kyiv after Zelenskiy’s Nato complaint | Ukraine | The Guardian
4 ـــ 2008 Bucharest summit hangs over the NATO meeting in Vilnius - The Washington Post
5 ــ Zelensky gets a NATO boost and rockstar's welcome in Vilnius | CNN
6 ـــ Zelensky Leaves NATO Summit With Mixed Results - The New York Times (nytimes.com)