عن "النجمة الزائدة" في العلم الأميركي.. كيف يقارب خلاف نتنياهو مع واشنطن؟
أزمة التعديلات القضائية في "إسرائيل" تفجّر الخلاف بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.. فهل سيكون لها أيّ تأثير في العلاقات بين الجانبين؟
بعد نحو 4 أشهر من "سيطرة" رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وتكتله على مفاصل الكيان، تتسع دائرة الخلاف الأميركي - الإسرائيلي، وصولاً إلى التعديلات القضائية الأخيرة، التي فجّرته إلى العلن، وذلك بعد خروج تظاهرات ضدها. ونتيجتها، أعرب الرئيس الأميركي، جو بادين، عن قلقه وتخوفه من هذه الخطة ونتائجها، ليردّ نتنياهو زاعماً أنّ "إسرائيل ذات سيادة، ولا تتخذ القرارات بناءً على الضغوط الخارجية". وما بين الرد والرد عليه، وتأكيد وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير أنّ "إسرائيل ليست نجمة أخرى في علم أميركا"، دخل كيان الاحتلال في ضجّة سياسية أكثر تعقيداً من قضية التعديلات.
الخلاف بين نتنياهو وبايدن.. ليس جديداً
قد تكون التعديلات القضائية الأخيرة هي الفتيل الذي أشعل الخلاف بين بايدن ونتنياهو إلى العلن، لكنها ليست الوحيدة. وإذ ما نظرنا، بصورة سريعة، إلى أصل الخلاف، فإنّه يندرج في إطار "الخلافات الشخصية" بين الرجلين، وليس خلافات على مستوى المؤسسات والحكومات.
يعود منبع الأزمة منذ أن كان بايدن نائباً للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وتحديداً إلى عام 2015، عندما حرّض نتنياهو، من وراء ظهر البيت الأبيض، أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركيين، في جلسة مشتركة، ضدّ توقيع الإدارة الأميركية للاتفاق النووي مع إيران، وهو ما عُدّ لاحقاً إهانةً للرئيس الأميركي.
ومع إعلان الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، حملته الرئاسية للانتخابات الأميركية قبل 3 أعوام، لم يُخف نتنياهو دعمه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، موضحاً تفضيله للرئيس الذي قدم إليه كل ما طلبه، بما في ذلك نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلّة، وتوقيعه قراراً يعترف بضم "إسرائيل" للجولان السوري المحتل عام 1967، والانسحاب من الاتفاق النووي، وتصنيف حرس الثورة الإيراني "منظمة إرهابية" عام 2019، وعدم إيلاء اهتمام كبير للفلسطينيين، بينما كان ينحاز إلى جانب "إسرائيل" في ضمها الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
وجاءت تهنئة نتنياهو بفوز المرشح الديموقراطي، جو بايدن، في وقت متأخر نسبياً، على الرغم من السباق الدولي للاحتفاء بالرئيس الـ46 للولايات المتحدة، وإبداء الرغبة في التعاون معه، زاعماً أنّه ينتظر إصدار النتائج الرسمية.
كما أنّ تهنئته كانت منقوصة، فلقد تجاهل أن يقول "الرئيس المنتخب"، بل ذكر الاسم (بايدن) فقط، وفق ما قالت حينها المحللة السياسية في "القناة الـ12" الإسرائيلية، دانا فايس، مشيرة، في الوقت عينه، إلى أنّ هذا ليس صدفة، إذ إنّ "نتنياهو معروف في العالم بأنه الصديق الأقرب إلى ترامب، الذي منحه هدايا طوال الأعوام الـ4" من ولايته الرئاسية.
من أقرب صديق لترامب إلى شخص غير مرغوب فيه في البيت الأبيض، هكذا أصبح نتنياهو، وفق ما تصفه وسائل إعلام إسرائيلية، مستشهدةً بعدم دعوته، حتى الآن، إلى زيارة واشنطن.
وإذا كان التعديل القضائي وإقالة وزير الأمن، يوآف غالانت، هما ما أظهر الخلاف القائم بين الرئيس الديمقراطي ونتنياهو، إلّا أنّ بوادر الأزمة ظهرت حتى قبل أن يؤدي نتنياهو اليمين، إذ أعربت إدارة بايدن عن قلقها من المناصب الوزارية، التي كان من المقرر أن يمنحها نتنياهو لـ"شركاء معينين من اليمين المتطرف في الائتلاف".
لكن، في ذلك الوقت،"أرادت إدارة بايدن تجنب المواجهة، حتى تتمكن من العمل مباشرةً مع نتنياهو في مواجهة إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع"، وفقاً لمسؤولين أميركيين، تحدّثوا إلى موقع "أكسيوس" الأميركي.
وعلى الرغم من تجنُّب الطرفين إبرازَ خلافاتهما الشخصية إلى العلن، فإن بايدن وأعضاء كباراً في إدارته أبدوا، في الأشهر الثلاثة الماضية، قلقهم من الخطط الإسرائيلية بشأن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة. لكنّ أكثر ما أثار قلق البيت الأبيض هو خطة نتنياهو إدخالَ تعديلات قضائية تمنح الحكومة سيطرة أكبر على التعيينات في المحكمة العليا.
وثمة رسالة سرّية بين بايدن ونتنياهو كُشفت مؤخراً، سلّطت الضوء على حجم الخلاف بين الرجلين، وعلى الضغوط الأميركية التي مورست عليه، وأجبرته على تأجيل التعديلات القضائية. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ رسالة بايدن السرّية صيغت بصورة أكثر حدّة من الرسالة العلنية، التي تمّ إرسالها إلى وسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً: "أكسيوس": العلاقات الأميركية الإسرائيلية تمرّ في أزمة متكاملة
الرسالة، التي وصفها الإعلام الغربي بالقاسية، يبدو أن نتنياهو فهمها جيداً، فبدأ النزول بالتدريج عن الشجرة، مع إعلانه تأجيل التعديلات القضائية، وإصداره توجيهاً لوزراء الحكومة وأعضاء كنيست من الليكود، دعاهم فيه إلى عدم التعبير عن رأيهم عبر وسائل الإعلام بشأن مسألة العلاقة بالولايات المتحدة، وتأكيده، في "قمة بايدن للديمقراطية"، عمق العلاقة الاستراتيجية بين "تل أبيب" وواشنطن، جازماً بأنّ التحالف بينهما لا يتزعزع.
خلاف في الصورة.. ودعم لامحدود في المضمون
"السند الاستراتيجي الأميركي هو الذخر الأمني الأكبر والأهم لدى إسرائيل اليوم. ومن دون شبكة العلاقات الأمنية الخاصة هذه، ستكون إسرائيل أكثر ضعفاً وهامشية في الشرق الأوسط". معلّق الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان.
مع كثرة التساؤلات بشأن تأثير الخلاف القائم في العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، وصف الإعلام الإسرائيلي واشنطن بمثابة "المظلّة وخط الأوكسيجين" لــ "تل أبيب"، قاطعاً بذلك الطريق على كل التوهّمات والتحليلات، التي انطلقت من أسس غير واقعية. فكما أنّ "إسرائيل" في حاجة إلى الولايات المتحدة، فإنّ الأخيرة تحتاج إليها أيضاً.
وإذا أردنا الحديث عن المستوى العسكري، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي يُعَدّ أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية. وقدّمت الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، بالتعاون مع مجلسي الكونغرس، مساعدات عسكرية ضخمة ونوعية إلى "إسرائيل"، منذ احتلالها فلسطين حتى عام 2020، ما قيمته 146 مليار دولار، مخصصة للمساعدات العسكرية فقط، قُدّم معظمها في صورة مِنَح لشراء أسلحة. وتفيد تقديرات أخرى بأنها وصلت إلى 270 مليار دولار، بما في ذلك مذكرة تفاهم تمّ إبرامها في عام 2016، تقضي بمنح الاحتلال 38 مليار دولار خلال عشرة أعوام.
وبموجب مذكّرة التفاهم هذه، توفر الولايات المتحدة 3.3 مليارات دولار سنوياً من التمويل العسكري للكيان، بالإضافة إلى 500 مليون دولار إضافي من التمويل الدفاعي الصاروخي، الذي يدعم برامج الدفاع الصاروخية المشتركة، بما في ذلك "مقلاع ديفيد" و"القبة الحديدية"، وغيرهما.
ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإنّ "إسرائيل في حاجة إلى الولايات المتحدة أمنياً، بسبب تفوقها النوعي بالسلاح، والاستخبارات، وتطوير منظومات سايبر ومنظومات الدفاع، والطائرات الحربية والذخائر. إذ إنّه، من دون الولايات المتحدة، لا توجد قبة حديدية ولا حيتس ولا أف 35" .
وفي هذا السياق، يقول معلّق الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إنّ "سلاح الجو الإسرائيلي متعلق، بصورة تامة، بالمساعدات الأميركية، إذ إنه من دون الأميركيين لن تكون هناك طائرات قتالية، ولن يكون هناك قطع غيار لها، فإسرائيل لا تعرف كيف تقاتل في حروب طويلة من دون قطار جوي أميركي".
هذا على الصعيد العسكري. أمّا اقتصادياً، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال تُعَدّ قوية، وترتكز على تجارة ثنائية سنوية، تصل إلى نحو 50 مليار دولار، من السلع والخدمات. ويقوم عدد كبير من المعاهدات والاتفاقيات بترسيخ العلاقات الاقتصادية الثنائية، بحيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل" منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة، في عام 1985.
ومن عمق هذه العلاقة يُفهم جيداً ما قاله، أمس الخميس، المستشار الاقتصادي السابق في واشنطن، عيران نيتسان، وأكد فيه أنّه "من دون الولايات المتحدة لا يوجد اقتصاد أو تكنولوجيا في إسرائيل" .
وفي الجانب السياسي، تُعَدّ واشنطن خط الدفاع الأول عن كيان الاحتلال في الأمم المتحدة، عبر منع أي إدانة له، واستخدام حق النقض، الفيتو، الذي تمتلكه واشنطن في مجلس الأمن، من أجل منع أي مساءلة أو محاسبة ضد "إسرائيل".
وبناءً عليه، فإنّ تصاعد الخلاف بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية لا يعني أن هناك تحولاً في التحالف الاستراتيجي، لأن مقوّمات هذا التحالف قائمة لم تتغير، وهي تمتد منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، من خلال تقديم الدعم اللامحدود، مادياً وعسكرياً وسياسياً.
وعلى رغم العاصفة السياسية، التي نشبت بين نتنياهو وإدارة أوباما، عقب الاتفاق النووي مع إيران، كما ذكرنا سابقاً، فإنّه لم تمضِ أشهر فقط بعدها حتى قامت إدارة أوباما بتقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية إلى "إسرائيل"، بلغت نحو 38 مليار دولار، تمتد على نحو عشرة أعوام. وشملت هذه المساعدات تطوير الأنظمة الصاروخية والجوية الإسرائيلية.
لذا، فإنّه مهما اشتدت حدّة الخلاف بينهما، فإنها تبقى خلافات شكلية، لن يكون لها أيّ تأثير في أسس العلاقة المتينة القائمة بينهما، وخصوصاً فيما يتعلق بمواجهة إيران ومحور المقاومة، وإضعاف المنطقة وتفكيكها، تأميناً للمصالح المشتركة القائمة على حماية أمن الكيان، والسيطرة على ثروات المنطقة. فـ"إسرائيل" تُعَدّ أداة لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ومن هنا، فإنّ بروز أي حرب داخلية داخل الكيان، أو حدوث أي انقسام وتفتّت داخليين، وخصوصاً في المؤسسة العسكرية، لن يكون في مصلحة واشنطن، المنهمكة أصلاً في الحربين: العسكرية ضد روسيا في أوكرانيا ، والاقتصادية ضد الصين.
في المحصّلة، فإنّ "إسرائيل" "نجمة زائدة" في علم أميركا، وإنّ حاول بن غفير جاهداً إنكار ذلك، إذ إنّها لا يمكنها الاستمرار من دون الدعم والرعاية والحماية والمساندة الأميركية. وهذا ما ذكرناه سابقاً، بلسان الإعلام الإسرائيلي. كما أنّها ربيبة الاستعمار الأميركي، ومولود واشنطن غير الشرعي، وقاعدتها العسكرية في المنطقة، والتي لا يمكن لها الاستغناء عنها في سبيل تحقيق مصالحها الاستراتيجية.