دستور تونس الجديد.. كيف أطلق صلاحيات رئيس الجمهورية؟
دستور جديد، هو الرابع في تاريخ تونس الحديث، يثير جدلاً واسعاً، كونه أعاد النظام الرئاسي، الذي حكم وفقه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وأنهاه دستور عام 2014.
أعاد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بلاده إلى دائرة النظام الرئاسي، عبر مشروع دستور يُطلق صلاحيات رئيس الجمهورية إلى آفاق واسعة، ويحدّ صلاحيات البرلمان ودوره الفعلي.
وكان البرلمان التونسي، وفق دستور عام 2014، صاحب أكبر قَدْر من السلطة السياسية في دستور عام 2014، الذي أُقرّ على خلفية ثورة 14 كانون الثاني/يناير وتطوراتها، إذ كان يضطلع بالدور الرئيس في تعيين الحكومة وإقرار التشريعات.
أمّا في الدستور الجديد، الذي أقرّه سعيّد، الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري، فستكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس، وليس أمام البرلمان، ولا يشمل دور البرلمان الجديد مراقبة عمل الرئيس التونسي أو الحكومة.
وبذلك، تكون تونس عرفت 4 دساتير في تاريخها الحديث والمعاصر، أولها دستور عام 1861، الذي أعلنه محمد الصادق باي، وسقط إلى غير رجعة على يد انتفاضة ربيع العربان، التي قادها علي بن غذاهم عام 1864.
والثاني هو الدستور الذي وضعه المجلس القومي التأسيسي عام 1959، أي بعد ما يناهز القرن، ونال شرعية الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار الفرنسي ودولة الاستقلال. ثم انتظر التونسيون 55 عاماً لإعلان دستور الثورة التونسية عام 2014، وختاماً دستور سعيّد الجديد.
صلاحيات تعيد النظام الرئاسي إلى الواجهة
جاء مشروع الدستور الجديد في 142 مادة، تتضمن توطئة و10 أبواب، منها الباب الأول، الذي يتعلق بالأحكام العامة، والباب الثاني الذي يتعلق بالحقوق والحريات، وأغلبية بنوده تُنذر بتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي، يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات أكبر.
وتنصّ مسوّدة الدستور على أنّ صلاحيات البرلمان الجديد لا تشمل مراقبة قرارات الرئيس التي قام بها في إطار أدائه مهماته أو أعمال الحكومة، على أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس وليس أمام البرلمان، كما ينص على صلاحية رئيس الجمهورية في تعيين رئيس الحكومة وسائر أعضائها وإنهاء مهمّاتهم.
وتتضمن صلاحيات الرئيس إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة، عبر اقتراح من رئيس الحكومة، وتسمية الرئيس للقضاة عبر ترشيح من مجلس القضاء الأعلى.
ويشير مشروع الدستور الجديد إلى تمتّع الرئيس بالحصانة طوال رئاسته، وعدم جواز مساءلته عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهمّاته. وفي مقابل توسيع سلطات الرئيس، تقلّص مسوّدة الدستور الجديد، إلى حد بعيد، صلاحياتِ البرلمان.
وبحسب مسوّدة الدستور المقترح، فإنّ سعيّد سيواصل الحكم عبر مراسيم إلى حين تشكيل برلمان جديد، من خلال انتخابات، من المتوقَّع أن تُجرى في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وسيسمح الدستور الجديد للرئيس بطرح مشاريع قوانين، وبأن يكون مسؤولاً، من دون غيره، عن اقتراح المعاهدات ووضع ميزانيات الدولة. وسينشئ الدستور أيضاً هيئة جديدة تسمى "المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، ستكون بمنزلة غرفة ثانية للبرلمان.
كيف كانت صلاحيات الرئيس التونسي في دستور عام 2014؟
حدّ دستور عام 2014 دورَ الرئيس، وقسّم الصلاحيات بين رئيس الجمهورية والبرلمان، إذ كان يتولى القيام بالتعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا في رئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، بالإضافة إلى التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية، والمتعلقة بالأمن القومي، بعد استشارة رئيس الحكومة.
ويتولى رئيس الجمهورية تعيين محافظ البنك المركزي عبر اقتراح من رئيس الحكومة، بعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب. كذلك، يخوّله الدستور حل البرلمان وطرح مشاريع قوانين على الاستفتاء.
ويسمح الفصل الـ79 من دستور البلاد لرئيس الجمهورية "في حالة (حدوث) خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، أن يتخذ التدابير التي تحتملها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية". وتُعلَن التدابير كافةً في بيان يوجّه إلى الشعب.
وضبط الدستور اختصاصات رئيس الجمهورية، إذ إنّه يمثّل الدولة، ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، وفقاً للفصل الـ77 من الدستور.
ووفقاً للفصل الـ87، يتمتع رئيس الجمهورية بالحصانة طوال توليه الرئاسة، وتُعَلَّق في حقه كلُّ آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مُهمّاته. ولا يُسأَل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه مهمّاته.
وضبط الدستور الحالات التي يعلن فيها شغور منصب الرئيس، فضلاً عن إعفائه، إذ يحق لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة، عبر لائحة معلّلة، إلى إعفاء رئيس الجمهورية بسبب خرقه الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين. وفي هذه الصورة، تقع الإحالة على المحكمة الدستورية من أجل البتّ في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها.
الجدير بالذكر أنّ الرئيس سعيّد علّق العمل بدستور عام 2014، بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد، يوم 25 تموز/يوليو 2021، وجمّد البرلمان ثم حلّه، بالإضافة إلى حلّه هيئات دستورية والمجلس الأعلى للقضاء، وتعويضه بمجلس موقّت، وعزله العشرات من القضاة.
انقسام بشأن الاستفتاء
انقسم التونسيون بشأن الاستفتاء على الدستور الجديد، والذي سيتم في 25 تموز/يوليو الحالي، إذ برز قطب من المشاركين والمساندين للاستفتاء، ممن سيقودون حملتهم لترغيب الناخبين في التصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور، على غرار الحركات السياسية الجديدة المساندة لسعيّد، وحراك 25 تموز/يوليو، وبعض الشخصيات والأحزاب الموالية للمسار.
أمّا القطب الثاني، فيضم المشاركين في الحملة، لكنهم سيتوجَّهون إلى معارضة مشروع الدستور، وتحفيز الناخبين على التصويت بـ"لا"، على غرار ما أعلنه حزب "آفاق تونس".
ويبرز القطب الأكبر المقاطع للاستفتاء، والذي رفض ما عدّه "منح الانقلاب شرعية المسار"، ويضمّ الذين يناهضونه من أساسه، على غرار مكونات "جبهة الخلاص الوطني"، التي تضم، بصورة خاصة، حزب "النهضة"، وحزب "قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، وحراك "مواطنين ضد الانقلاب"، وحركة "أمل"، وحراك "تونس الإرادة"، و"اللقاء الوطني للإنقاذ"، وحراك "توانسة من أجل الديمقراطية"، و"اللقاء من أجل تونس"، و"اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية"، وتنسيقية عن نواب مجلس الشعب المنحلّ.
كذلك، أعلنت مجموعة الأحزاب اليسارية الاجتماعية، الأكثر تمثيلاً، مقاطعتها للاستفتاء، وهي تضم 5 أحزاب سياسية، تتكون من "التيار الديمقراطي" و"حزب التكتل" و"الحزب الجمهوري" و"حزب العمال" و"حزب القطب".
ويُعَدّ الحزب الدستوري الحر من أبرز المقاطعين للاستفتاء، إذ أعلن، في لائحته العامة، أنّه لن يعترف بمساره غير القانوني، و"الذي يرمي إلى السطو على إرادة التونسيين"، بحسب بيان له.