تركيا بوسفور الانتخابات: ما أبرز التحدّيات التي يواجهها إردوغان؟
فيما تشعر المعارضة التركية بوجود فرص أفضل لتمثيلها في الانتخابات المقبلة، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يواجه أصعب تحدّ سياسي له، منذ توليه حكم البلاد.
يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أصعب تحدّ سياسي له، عندما تصوّت البلاد في الانتخابات هذا الشهر، إذ تشعر المعارضة أنّ أفضل فرصة لها حتى الآن قد حانت لإنهاء حكمه المستمر منذ عقدين وتغيير سياساته.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 أيار/مايو، مع احتمال إجراء جولة ثانية في 28 من الشهر نفسه.
ولن تحدد هذه الانتخابات من سيقود البلاد فقط، بل وطريقة حكمها، وإلى أين يتجه اقتصادها ومسار سياساتها الخارجية.
ودافع إردوغان،الرئيس الأطول بقاءً في السلطة في تركيا الحديثة، عن الاعتبارات الدينية وأسعار الفائدة المنخفضة مع تأكيد النفوذ التركي في المنطقة، وعدم توثيق علاقات البلد العضو في حلف شمال الأطلسي مع الغرب.
وتعقد الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من الزلازل القوية التي ضربت جنوب شرق البلاد، وأودت بحياة أكثر من 50 ألفاً.
والمنافس الرئيسي لأردوغان هو كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني، الذي يحظى بدعم تحالف من 6 أحزاب معارضة.
ماذا على المحك بالنسبة لتركيا؟
إردوغان، الرئيس الأقوى للبلاد، منذ أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة، قبل قرن من الزمان، والذي أبعد مع حزبه (العدالة والتنمية)، البلاد عن نهج أتاتورك العلماني.
وركَّز الرئيس التركي السلطة حول رئاسة تنفيذية، مقرها قصر يضم 1000 غرفة على مشارف أنقرة، وترسم السياسة فيما يخص الشؤون الاقتصادية والأمنية والمحلية والدولية للبلاد.
ويقول منتقدوه إنّ حكومته كممت أفواه المعارضة وقوّضت الحقوق وأخضعت النظام القضائي لنفوذها، وهو اتهام ينفيه المسؤولون المقربون من إردوغان ويرون أنّ ما قام به الأخير وفّر الحماية للمواطنين في مواجهة تهديدات أمنية من بينها محاولة انقلاب عام 2016.
ويقول خبراء الاقتصاد إنّ دعوات إردوغان لخفض أسعار الفائدة أدت إلى ارتفاع التضخم لأعلى مستوى في 24 عاماً عند 85% العام الماضي، كما أدّت لهبوط الليرة إلى عُشر قيمتها مقابل الدولار على مدار العقد الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر مؤشرات صرف الليرة التركية في أصوات الناخبين؟
منذ عام 2019، اتسمت السياسة الاقتصادية التركية بالتحولات المتكررة. في البداية، تبنى إردوغان برنامجاً يقوم على أسعار الفائدة المنخفضة والتوسع الائتماني، مخالفاً بذلك العقيدة النيوليبرالية، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الليرة، وارتفاع معدلات التضخم وزيادة عجز الحساب الجاري والديون الخارجية، نظراً لاعتماد تركيا الكبير على الواردات.
ماذا على المحك بالنسبة لبقية العالم؟
في ظل ولاية إردوغان، شنّت تركيا أربع عمليات توغل في سوريا وهجوماً على مسلحين أكراد داخل العراق، وأرسلت دعماً عسكرياً إلى ليبيا وأذربيجان.
وشهدت تركيا أيضاً سلسلة من المواجهات الدبلوماسية مع قوى في المنطقة، السعودية ومصر والإمارات إلى جانب "إسرائيل"، إضافة إلى مواجهة مع اليونان وقبرص بشأن الحدود البحرية بشرق البحر المتوسط، حتى غيرت مسارها قبل عامين وسعت إلى التقارب مع بعض خصومها.
وأدى شراء إردوغان لدفاعات جوية روسية إلى فرض عقوبات أميركية على أنقرة استهدفت صناعة الأسلحة، في حين أثار قربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشكيكاً من منتقدين بخصوص التزام تركيا إزاء حلف الأطلسي. كما أثارت اعتراضات أنقرة على طلبي السويد وفنلندا الانضمام للحلف توتراً.
ومع ذلك، توسطت تركيا في اتفاق سمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، مما يشير إلى دور ربما يلعبه إردوغان ضمن الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ولم يتضح إلى الآن ما إذا كان هناك خليفة محتمل له قادر على أن يحظى بنفس الصورة التي رسمها إردوغان لنفسه على الساحة الدولية، وهي نقطة من المرجح أن يركز عليها في الحملة الانتخابية.
ما وعود المعارضة؟
تحالف حزبا المعارضة الرئيسيان، حزب الشعب الجمهوري العلماني والحزب الصالح القومي المنتمي ليمين الوسط، مع أربعة أحزاب أصغر، خلّف برنامجاً من شأنه إلغاء الكثير من السياسات التي يتّسم بها حكم إردوغان.
فقد تعهدت هذه الأحزاب بإعادة الاستقلال للبنك المركزي وإلغاء سياسات إردوغان الاقتصادية غير التقليدية، كما أنّ المعارضة تعتزم تفكيك رئاسته التنفيذية والعودة للنظام البرلماني السابق، فضلاً عن إرسال اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ويعد ملف النازحيين السوريين من أبرز التحديات التي يواجهها إردوغان.
كما تهدف الأحزاب المعارضة إلى تحسين العلاقات مع الحلفاء الغربيين بما في ذلك الولايات المتحدة، وإعادة تركيا إلى برنامج طائرات إف-35 المقاتلة، الذي استبعدت منه بعد شراء دفاعات صاروخية روسية. ويعتقد محللون أنّ السياسات التي وعدت بها المعارضة قد تحفز الاستثمار الأجنبي.
اقرأ أيضاً: الدفاع التركية: نهيئ الظروف للقاء إردوغان والأسد
ودعم إردوغان الجهود التي باءت بالفشل للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بينما استضاف ما لا يقل عن 3.6 مليون لاجئ سوري يتزايد عدم الترحيب بهم وسط المتاعب الاقتصادية في تركيا.
وتحدّثت المعارضة عن خطط مماثلة لخطط إردوغان الرامية لإعادة بعض اللاجئين إلى سوريا، لكن لم يحدد أي منهما كيف يمكن تنفيذ ذلك.
من جهته، قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إنّه مع اقتراب تركيا من الانتخابات يصبح فوز المعارضة أمراً معقولاً على نحو متزايد، ويسأل: "هل سيبقى تحالف المعارضة موحداً بعد توليه الرئاسة؟".
ما مدى احتدام السباق؟
تظهر أحدث استطلاعات للرأي أنّ كليجدار أوغلو يتقدم على إردوغان الذي تضررت شعبيته بسبب أزمة غلاء المعيشة الناجمة عن التضخم المتفشي، ويقول محللون إنّ الجبهة الموحدة التي قدمتها المعارضة "عززت فرصها".
اقرأ أيضاً: إردوغان يحشد جماهيرياً: هزمنا الوصاية.. وسنضع المليارات في خدمة الشعب
لكن إردوغان ما زال ينافس بقوة في السباق الرئاسي الذي قد يشهد جولة ثانية بينه وبين كليجدار أوغلو.
وأشارت استطلاعات الرأي الأولية منذ الزلازل إلى تمكن إردوغان من الاحتفاظ بتأييده الشعبي إلى حدّ بعيد على الرغم من الاتهامات ببطء استجابة الحكومة للكارثة والتساهل في فرض لوائح البناء التي ربما كانت ستنقذ الأرواح.
وستظل كيفية حشد المعارضة لتأييد الأكراد، الذين يمثلون 15% من الناخبين، نقطة أساسية.
وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد ليس جزءاً من تحالف المعارضة الرئيسي، لكنه يعارض إردوغان بشدة بعد حملة قمع استهدفت أعضاءه في السنوات الماضية.