الهدنة تنتهي والعدوان يتواصل على غزة.. أي دور يتجدد للوسطاء والأميركيين؟
مع انتهاء الهدنة الإنسانية في غزة صباح اليوم، من دون الإعلان عن تمديدها، واستئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، أي دور يتجدد للوسطاء، تحديداً قطر ومصر؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه واشنطن في المرحلة الحالية؟
ما إن انتهت الهدنة الإنسانية الموقتة في غزة صباح اليوم، من دون الإعلان عن تمديدها، حتى سارع الاحتلال الإسرائيلي ليستكمل عدوانه العنيف ومجازره بحق أهل غزة. غارات إسرائيلية كثيفة شنّتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع خلال الساعات الماضية، أسفرت عن وقوع العديد من الشهداء والجرحى، فيما واصلت المقاومة تصدّيها لدبابات الاحتلال على أكثر من محور.
وبالتزامن مع تجدد العدوان الإسرائيلي على القطاع، أشارت مصادر صحافية إلى أنّ الوسيطين القطري والمصري يواصلان المفاوضات حول هدنة جديدة في غزة، وذلك بعد ليلة من المحادثات المكثفة لم تنجح في تمديد الهدنة التي كانت سارية. كذلك، أفاد الإعلام الإسرائيلي بوجود اتصالات تجري في خضم القتال في محاولة للعودة إلى مخطط الهدنة، وتحرير أسرى إضافيين بنفس الصيغة.
وكانت الهدنة السابقة قد دخلت حيّز التنفيذ في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبدأت لمدّة 4 أيام جرى تمديدها مرتين، الأولى ليومين ثم يوم واحد، ولم يتم تمديدها مرةً ثالثة. وخلال الأيام السبعة الماضية، جرت 7 دفعات من تبادل الأسرى بين المقاومة في غزة، والاحتلال الإسرائيلي، ضمن شروط الهدنة التي تقضي بإطلاق سراح 3 أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال في مقابل كل أسير إسرائيلي لدى المقاومة في غزة.
الدور القطري والمصري في الهدنة
على الرغم من عدم وجود محادثات مباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي و"حماس" منذ بداية الحرب على غزة، إلا أنّ العديد من الدول تتوسط لمحاولة تمديد الهدنة في القطاع، أبرزها قطر ومصر.
وأوضحت الأستاذة في العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى نقولا، في حديثٍ للميادين نت، أنّ قطر لطالما عملت على أن تجد لنفسها دوراً وظيفياً كمسرح للتوافقات الإقليمية والتسويات، والتوفيق بين الأطراف المتحاربة، وهو ما فعلته في ملف أفغانستان وما تحاول أن تفعله في موضوع إيران، واليوم تحاول أن تفعله في موضوع غزة.
وأشارت نقولا إلى أنّ قطر تمتاز بعلاقة جيدة مع حركة حماس، وتمتلك القدرة على أن تمارس نفوذاً على حماس لا تستطيع أي دولة خليجية أخرى أن تمارسه، لذلك يوليها الأميركيون دوراً كبيراً في هذا الإطار.
أما في ما يخص مصر، رأت نقولا أنّ القاهرة تحاول أن تلعب دوراً في مستقبل غزة، عبر ما طرحه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من حل يتمثل في أن تكون هناك دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وأن يكون هناك دول عربية وأجنبية ضامنة لهذه الدولة، لذا فهي تحاول أن تؤدي دوراً لكي يكون لها نفوذ في غزة و في فلسطين مستقبلاً، في حال تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة وكبرى في المنطقة.
من جهته، أشار الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة قناة السويس، جمال زهران، إلى أنّ مصر وقطر تملكان مقترحات من الطرفين، حماس و"إسرائيل"، وهما تعملان على تحقيق تخفيض تدريجي لمطالب الجانبين.
وأكد زهران للميادين نت أنّ الوسطاء سيستمرون في العمل وفقاً لمطالب الولايات المتحدة، مؤكداً أنه "تحت وقع النيران سيتم صياغة مشروع توافقي بين الطرفين".
ما بين واشنطن وتل أبيب.. هل الأجواء المشحونة فبركة إعلامية؟
هذا ويأتي استئناف الاحتلال لعدوانه على غزة بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لـ"إسرائيل"، أمس الخميس. عقب الزيارة، تداول الإعلام الإسرائيلي أنّ بلينكن رفض قبول الطرح الإسرائيلي بشأن استمرار الحرب على غزة، كما كان الوضع قبل الهدنة الأخيرة. كذلك، ذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ الوزير الأميركي أخبر المستوى السياسي في "إسرائيل" خلال "لقاء مشحون": "لديكم أسابيع، وليس أشهراً".
وليس الإعلام الإسرائيلي وحده الذي تحدث عن توتر الأجواء بين واشنطن و"تل أبيب"، إذ ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنّ بلينكن "وجّه رسالة حادة إلى إسرائيل"، كما وصفت محادثات بلينكن مع المسؤولين الإسرائيليين بأنها "كانت الأصعب حتى الآن".
وفي هذا الصدد، أوضحت نقولا أنّ بلينكن أتى إلى إسرائيل لكي يعطي مجالاً للهدنة بشكلٍ أكبر، أما الكلام عن الأجواء المشحونة فهو كلام إعلامي وليس حقيقي".
وبحسب ما أكدت للميادين نت، فإنّ الدعم الاميركي لــ"إسرائيل" ولحربها على غزة "ثابت"، لافتةً إلى أنه إذا كان الأميركيون سيديرون المعركة اليوم عن قرب أكثر فهو لأنّ "إسرائيل" فشلت في أن تحقق شيئاً خلال 50 يوماً من عمليتها العسكرية.
ووفق نقولا، هناك إيمان لدى الأميركيين بأنّ الأساليب التي يستخدمها الإسرائيليون في غزة لا تؤدي إلى تحقيق أي أهداف عسكرية، ولا يمكن تسييلها في أهداف سياسية، بل على العكس، فالخسائر التي لحقت بصورة "إسرائيل" وبصورة إدارة الرئيس جو بايدن في الخارج تطغى على أي مكاسب قد يكون حققها الإسرائيليون.
وشدّدت أيضاً على أنّ الإسرائيليين لم يحققوا أي من هذه الأهداف في هذه العملية، بدليل أنهم بقيوا على أطراف غزة، وحماس استمرت في تسليم الأسرى الإسرائيليين من مناطق كانت "إسرائيل" قد أعلنت في وقتٍ سابق أنها سيطرت عليها.
هذا وأكدت على عدم وجود انقسام للرأي في المواقف بين الإسرائيليين والأميركيين، مشيرةً إلى أنه إذا كان هناك أصوات تخرج من هنا وهناك في الإدارة الأميركية أو عبر مسؤولين أميركيين يدعون لوقف إطلاق النار أو على الأقل إلى هدنة إنسانية طويلة، بالإضافة إلى أصوات تدين ما تقوم به "إسرائيل" من قتل واسع للمدنيين، فهذا مجرد توزيع أدوار داخل الحزب الديمقراطي الأميركي.
وبحسب ما تابعت، يخشى الحزب الديمقراطي اليوم أن يكون مصير بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 نفس مصير هيلاري كلينتون، حين امتنع العديد من أنصار الحزب من التصويت لها بسبب بغضهم لها، وهذا الامتناع عن التصويت أدى إلى فوز دونالد ترامب في الانتخابات عام 2016.
وأوضحت نقولا أنّ بايدن والعديد من أطراف الحزب الديمقراطي يخشون أن تتكرر تلك التجربة، بسبب وجود العديد من الأجنحة داخل الحزب تدين العداون الإسرائيلي في غزة، وتعتبر أنّ "إسرائيل" تمارس جرائم حرب ويجب محاسبتها.
بدوره، أكد زهران أنّ الولايات المتحدة ليس من مصلحتها استمرار الحرب على غزة، لذلك فهي تضغط عبر قطر ومصر من أجل الضغط على المقاومة من أجل الاستمرار في الهدنة.
ولفت إلى أنّ الإدارة الأميركية كان سقف أهدافها عالياً عبر السعي للقضاء على حماس، إلا أنها أُجبرت على خفض هذا السقف عندما أدركت أنّ حساباتها غير دقيقة، وأنّ المقاومة لديها مخزون استراتيجي يساعدها على الاستمرار.
وأشار زهران إلى أنّ الولايات المتحدة تدفع ثمناً كبيراً شعبياً وسياسياً، كما أنّ الرأي العام غير مساند للاحتلال، مضيفاً أنّ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، "كان يهدف إلى إنهاء المقاومة، ولكن واشنطن أدركت أنّ هذا لن يحدث".
كذلك، اعتبر أنّ تجديد الحرب على غزة هو قرار نتنياهو شخصياً، لأنه لا يملك الأغلبية في حكومته، لذا فهو يخشى انهيارها لأنّ شركاءه هددوا بحلّ الحكومة في حال وقف الحرب على غزة.