الحياة أو الموت.. الأمازون تصوّت في انتخابات البرازيل
الانتخابات الرئاسية البرازيلية اليوم ستحدد تموضع البرازيل سياسياً في المرحلة المقبلة، في صراع محتدم بين اليمين واليسار، وستضع غابات الأمازون أمام مسارين؛ يهدد أحدها العالم كله، ويعد الآخر باستدراك ما أمكن من الخسائر.
في 5 أيلول/سبتمبر المنصرم، وفيما كانت البرازيل تحتفي بـ"يوم الأمازون"، أعلن المعهد الوطني لأبحاث الفضاء أنه رصد أكثر من 12 ألف حريق في منطقة الأمازون في الفترة الممتدة من 1 إلى 4 أيلول/سبتمبر.
يومها، خرجت منظمة مرصد المناخ (Observatoire du Climat) غير الحكومية ببيان أعلنت فيها أنّ غابة الأمازون "تتعرض لهجمات مجرمين يتسببون، بتشجيع من الحكومة، بأكبر موجة تدمير للغابات منذ ما يقارب عقدين من الزمن"، وتوجهت إلى الرئيس اليميني جايير بولسونارو بالقول: "هذا اليوم في الأمازون سيكون الأخير تحت حكم بولسونارو أو الأخير على الإطلاق".
أتى هذا الاتهام قبل أقل من شهر على الانتخابات البرازيلية الرئاسية، ولم يكن الهجوم الأول الذي يواجهه بولسنارو على خلفية سياساته البيئية في البلاد، مثلما لم تكن الحرائق التي شهدتها البرازيل الأولى في كثافتها وامتدادها والخسائر التي تسببت بها على الصعيد الإيكولوجي والتنوع البيئي في المنطقة.
بالعودة إلى شهر أيلول/سبتمبر نفسه، وخلال 4 أيام فحسب، كانت الحرائق التي شهدتها غابة الأمازون، أكبر غابة مطيرة في العالم، تعادل أكثر من ثلثي حرائق أيلول/سبتمر 2021 بمجمله، ما يعني أكثر بنسبة 70% من العدد المسجل في هذا الشهر بأكمله عام 2021، ليكون عدد الحرائق خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر قد بلغ 18347 حريقاً.
واليوم، قضت الحرائق التي ما زالت مشتعلة 20% من المساحات الخضراء، مع اندلاع حريق كبير في غابات لابري جنوب الأمازون. وعلى الرغم من محاولات السيطرة عليه، ظهرت أجزاء متفحمة من الغابة الاستوائية، فيما كانت النيران تندلع في أجزاء أخرى، ووثقت أبحاث الفضاء الوطنية 36850 إنذار حريق.
وفي آب/أغسطس من العام الجاري، زاد عدد حرائق الغابات في منطقة الأمازون بنسبة 18%، مقارنةً بالعام الماضي، مع ما لا يقل عن 33116 حريقاً، وهو الأعلى منذ عام 2010.
وعرفت البرازيل أيضاً خلال أيار/مايو 2022 أكبر عددٍ من الحرائق في غابات الأمازون خلال شهر منذ 2004. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية اندلاع 2287 حريقاً في حوض الأمازون البرازيلي خلال الشهر نفسه، بزيادة 96% مقارنة بشهر أيار/مايو 2021، بحسب الهيئة الوطنية البرازيلية، وهو ثاني أعلى رقم يسجّل خلال شهر منذ 2004، حين أحصي 3,131 حريقاً.
وفي منطقة سيرادو الاستوائية المتنوعة بيولوجياً إلى الجنوب من الأمازون، تم تسجيل 3,578 حريقاً، وفقاً لوكالة الفضاء، بزيادة 35% عن أيار/مايو 2021، ليكون هذا الرقم في شهر أيار/ مايو هو الأعلى منذ بدء توثيق الحرائق في حزيران/يونيو 1998.
تعليقاً على هذه الأرقام، وجه موريشو فويفوديتش، المدير التنفيذي للصندوق العالمي للحياة البرية في البرازيل، الاتهامات إلى بولسونارو قائلاً: "هذه الأرقام ليست بيانات بالصدفة، بل هي جزء من اتجاه تصاعدي مستمر في التدمير البيئي في السنوات الثلاث الماضية نتيجة لسياسة حكومية مقصودة".
بالتوازي، كانت غابات الأمازون في البرازيل تشهد تدميراً ممنهجاً؛ ففي العام الحالي أيضاً، أظهرت بيانات حكومية أنّ إزالة الأشجار في غابات الأمازون المطيرة وصلت إلى مستوى قياسي في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بعد تدمير منطقة تزيد مساحتها على 5 أضعاف مساحة مدينة نيويورك.
وبحسب وكالة أبحاث الفضاء الوطنية، أزيل 3988 كيلومتراً مربعاً في المنطقة منذ كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيو 2022، ما يظهر زيادة بنسبة 10.6% عن الأشهر نفسها من العام الماضي، ويسجل أعلى مستوى منذ أن بدأت الوكالة بجمع السلسلة الحالية من بيانات إزالة الغابات في منتصف العام 2015.
وارتفع الدمار 5.5% في حزيران/يونيو وحده إلى 1120 كيلومتراً مربعاً، وهو أيضاً رقم قياسي لذلك الشهر من العام. وفي الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، سجلت ولاية أمازوناس الواقعة في قلب الغابات المطيرة دماراً أكبر من أي ولاية أخرى للمرة الأولى. وفي العام الماضي، كشف تقرير سنوي أصدرته الحكومة البرازيلية أنّ إزالة غابات الأمازون المطيرة قفزت 22% خلال عام، في أعلى مستوى منذ 2006.
2019: أعنف موجة حرائق في الأمازون
عالمياً، شهدت العديد من الدول في السنوات الأخيرة فيضانات وحرائق وموجات جفاف بصورة كثيفة، بفعل التغيرات المناخية. وفي غابات الأمازون نفسها، في المناطق الكولومبية، ارتفعت نسبة حرائق الغابات في بداية العام الحالي، مع تسجيل شهر كانون الثاني/يناير 2022 الشهر الأكثر حراً في الأمازون خلال العقد الماضي. وأظهر تقرير أصدرته وزارة البيئة الكولومبية أنّ شهر كانون الثاني/يناير سجل "أعلى قيمة للنقاط الساخنة في السنوات العشر الماضية" في منطقة الأمازون الكولومبية.
وعادةً ما يمتد موسم الحرائق في الأمازون من حزيران/يونيو إلى تشرين الأول/أكتوبر، ولكن السنوات الثلاث الماضية، فترة حكم بولسونارو، كانت الأرقام تسجل مستويات قياسية. منذ وصول بولسونارو إلى كرسي الرئاسة في كانون الثاني/يناير 2019، زاد متوسط إزالة الغابات في منطقة الأمازون في البرازيل بنسبة 75% مقارنةً بالعقد السابق.
عام 2019، السنة الأولى من حكمه، شهدت البرازيل أعنف موجة من حرائق الغابات، وأعلنت السلطات أن الأمازون شهدت أكثر من 72 ألف حريق، بارتفاع بنسبة 83% مقارنة بالفترة نفسها عام 2018، وارتفعت حرائق الغابات بنسبة 200% في آب/أغسطس خلال سنة، وسُجل 30 ألفاً و900 حريق. وفي ولاية أمازوناس البرازيلية، أعلنت حالة الطوارئ، بعدما امتدت سحب الدخان على مساحة تتجاوز 3 ملايين كيلومتر مربع فوق القارة اللاتينية.
وفي إثرها، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه، قائلاً: "في خضم أزمة المناخ العالمي، لا يمكننا تحمّل المزيد من الأضرار لمصدر رئيسي للأوكسجين والتنوع البيولوجي. يجب حماية الأمازون"، في وقت كان بولسنارو يلوّح بخروج البرازيل من اتفاقية باريس المناخية، على خطى نظيره الأميركي آنذاك دونالد ترامب (انسحب منها عام 2017).
واتخذت الأزمة أبعاداً سياسية، مع انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره البرازيلي ودعوته قمة مجموعة الدول السبع إلى مناقشة حرائق الأمازون خلال اجتماعهم، ليرد عليه بولسنارو: "يؤسفني أن الرئيس ماكرون يسعى لتفعيل قضية داخلية في البرازيل ودول الأمازون الأخرى لتحقيق مكاسب سياسية شخصية".
وبعد تعرضه لإداناته دولية، صرح بولسونارو: "نحن حكومة تتبع سياسة عدم التسامح المطلق حيال الجريمة. وفي مجال البيئة، هذا لا يختلف. سنتصرف بحزم للسيطرة على الحرائق"، وعبأ الجيش للمساعدة في مكافحة الحرائق، مطالباً بعدم فرض عقوبات على البرازيل، بعد تحذيرات فرنسية وإيرلندية بإمكان وقف اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة "ميركوسور" جراء سياساته البيئية، وفي وقت حذر قادة الاتحاد الأوروبي من أن الحرائق تشكل خطراً على كوكب الأرض بأكمله، ويجب أن تكون على جدول أعمال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع.
في الداخل، كانت التظاهرات تعم عدداً من المدن البرازيلية، منتقدةً سياسات الرئيس، فيما كانت الحرائق تتواصل، وتهدّد الملايين من السكان الأصليّين، ما دفع زعيم السكان الأصليين في البرازيل راوني إلى اتهام بولسونارو بالسعي لتدمير غابات الأمازون المطرية.
وقالت ليلى سالازار لوبيز، المديرة التنفيذية لمنظمة "Amazon Watch" (منظمة غير ربحية مقرها ولاية كاليفورنيا الأميركية)، إن "هذه الحرائق هي مؤشر على اعتداء بولسونارو على الأمازون، ما دفع أكبر غابة مطيرة في العالم نحو نقطة تحول بيئي حرجة"، معتبرة أن "الحرائق ناتجة من الفعل الخبيث والمتعمد للنظام البرازيلي، ولا يعود الأمر إلى الحوادث الطبيعية".
وحذرت لوبيز من دور الاتفاقيات التجارية في استمرار تدمير منطقة الأمازون، مشيرةً إلى أن "الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم تعمل على تشجيع سياسات بولسونارو وسياسات حكومته السامة عندما تبرم اتفاقات تجارية مع حكومته، أو تستثمر في شركات تجارية وزراعية تعمل في منطقة الأمازون".
ورأت أن اتفاقية التجارة الحرة بين البرازيل والولايات المتحدة الأميركية تحمل نيات سيئة بالنسبة إلى مستقبل الأمازون والمناخ، مضيفة: "منذ تنصيبه، قام بولسونارو بإضعاف أو إفلاس الوكالات الحكومية التي تشرف على حماية الأمازون والشعوب الأصلية، وتم تسليم تلك المسؤوليات لوزارة الزراعة التي تؤيد توسيع الأنشطة الزراعية والتعدينية في الغابات".
بولسونارو المتهم الأول
وفي العام 2020، أفادت معطيات جُمعت بالأقمار الاصطناعية أن عدد حرائق غابات الأمازون ارتفع بنسبة 28% في تموز/يوليو مقارنة مع تموز/يوليو 2019، وكانت الأشهر الستة الأولى من 2020 الفترة التي سجل فيها أكبر انحسار لغابة الأمازون البرازيلية منذ بدء تسجيل الإحصاءات. وأفادت بيانات المعهد الوطني للبيئة في البرازيل أن 3069 كيلومتراً مربعاً من الغابة أحرق.
وقال المعهد الفضائي الوطني في البرازيل إن 6803 حرائق سجلت في منطقة الأمازون في تموز/يوليو 2020، في مقابل 5318 في الشهر نفسه من العام الماضي.
ووفقاً لبيانات وكالة أبحاث الفضاء الوطنية في البرازيل، فإن تدمير أكبر غابات مطيرة في العالم زاد بنسبة 9.5% في 2020 عن العام السابق إلى 11088 كيلومتراً مربعاً (2.7 مليون فدان)، وهي منطقة تعادل 7 أضعاف حجم لندن.
وأكدت منظمة "غرينبيس" غير الحكومية المدافعة عن البيئة أن الأقمار الاصطناعية رصدت يوم 30 تموز/يوليو وحده 1007 حرائق في الأمازون، في أسوأ يوم يسجل في هذا الشهر منذ عام 2005.
هذه المعطيات دفعت الجمعيات المدافعة عن البيئة إلى توجيه الانتقادات إلى بولسونارو، ليردّ مدعياً أن الاتهامات الدولية الموجهة إليه في حرائق غابات الأمازون هي مؤامرة دولية، ويقول: "أنا حازم مع هؤلاء، لكنني لست قادراً على قتل السرطان الذي تمثله معظم المنظمات غير الحكومية".
رداً عليه، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": "بولسونارو لا يظهر ازدراءه التام بأعمال المنظمات غير الحكومية فقط... بل أدت سياساته المضرة بالبيئة إلى تسريع تدمير الغابة، بما في ذلك من عواقب وخيمة على الذين يدافعون عنها وعلى صحة آلاف الأشخاص الذين يتنفسون هواءً ساماً بسبب الحرائق".
ورغم أن وزير مكتب أمن المؤسسات، الجنرال أوغوستو هيلينو، رأي أن الممكن "تحسين" إجراءات الحكومة لحماية الأمازون، لكنه انتقد بدوره المنظمات غير الحكومية، زاعماً أن هناك "مصالح تتجاوز حماية الأمازون وراء كل ذلك"، وأن المعلومات التي تنشرها الحملات البيئية "ملفقة وتدل على سوء نية".
بولسونارو "عدو الأمازون"
عام 2021، خسرت البرازيل 16 ألفاً و557 كيلومتراً مربعاً (1.65 مليون هكتار) من مساحات الغابات الأصلية، أي مساحة أكبر من إيرلندا الشمالية. وأفاد تقرير شبكة "مابيوماس" التي تضم منظّمات غير حكومية وجامعات وشركات للتكنولوجيا بأنّ نحو 60% من الأراضي التي أزيلت غاباتها حينذاك تقع في منطقة الأمازون، مبيناً أنّ "الغابات أزيلت بوتيرة 111.6 هكتار في الساعة أو 1.9 هكتار في الدقيقة، أي ما يوازي (قطع) نحو 18 شجرة في الثانية".
وكانت الغاية الأساسية من إزالة الغابات هي إقامة المزارع، وذلك بمعدّل 97%، وفق التقرير الذي أشار إلى أنّ التعدين غير المشروع يعد عاملاً مهماً أيضاً. وأضاف التقرير: "في السنوات الثلاث الماضية، أي خلال عهد الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو، بلغت المساحات المشجّرة التي قطعت في البلاد نحو 42 ألف كيلومتر مربع، أي تقريباً مساحة ولاية ريو دي جانيرو".
وفي القمة المناخية التي عقدها جو بايدن عام 2021، أطلق بولسونارو وعوداً بمضاعفة الإنفاق على البيئة وتقليص التجريف، وأعلن أن بلده سوف يقلص الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050، ولكن المبلغ المخصص لحماية البيئة في الموازنة البرازيلية التي أعلنت بعد يوم واحد من القمة المناخية كان 380 مليون دولار فقط، وهو أقل بمقدار الثلث عن المبلغ الذي خصص في موازنة العام الماضي، البالغ 570 مليون دولار.
من جديد، في إثر خطوته هذه، تداعت الجمعيات البيئية للتشكيك في مساعيه، ودعت إلى عدم تقديم الدعم المالي له إلى أن يرى العالم إجراءات فعلية تتخذها حكومته لحماية الأمازون من سياسات التجريف والإحراق والاستيلاء على الأراضي بصورة متواصلة.
وأعلن 35 من المشاهير البرازيليين والأميركيين معارضتهم أي صفقة تعقدها الإدارة الأميركية مع حكومة بولسونارو، لأنها، في رأيهم، ستكون "اعترافاً بشرعية الإجراءات التي تتخذها حكومته في تجريف غابات الأمازون". وبالتزامن مع هذه الدعوة، بعثت 200 جمعية برازيلية رسالة إلى بايدن، أعلنت فيها أن بولسونارو لا يمتلك شرعية لتمثيل البرازيل، واصفةً إياه بأنه "عدو الأمازون".
وتحت عنوان "ملايين جو بايدن لن تردع حكومة بولسونارو عن تدمير غابات الأمازون"، كتب وزيران سابقان للبيئة في الحكومة البرازيلية، هما مارينا سيلفا وروبينز ريكوبيرو، مقالاً في "الغارديان"، طالبا فيه الولايات المتحدة بالامتناع عن تقديم أي دعم مالي لحكومة الرئيس بولسونارو، لأن مثل هذا الدعم "سيعزز من سلطاتها ويمكِّنُها من مواصلة سياساتها التدميرية للبيئة".
وقال الوزيران إن "عملية التجريف وتقليص مساحات الغابات نتجت من فشل الحكومة في حماية غابات الأمازون، وليس بسبب نقص المال، وإن ما تحتاجه الحكومة ليس المال، بل التزام الحقيقة"، ولفتا إلى أن الحكومة "تنفي وقوع الحرائق في غابات الامازون في وقت يتعالى لهيب النيران، فيما تمتلئ وسائل الإعلام البرازيلية بالفضائح التي تكشف سعي الحكومة الحثيث لإضعاف المؤسسات الداعمة للبيئة، وتعطيل القوانين، وتجاهل الاتفاقيات الدولية".
واختتما مقالهما بالقول إن "تقديم مليار دولار سنوياً بمنزلة هدية للمزارعين ومحتلي الأراضي الذين يحتلون أراضي الغابات التابعة للدولة وأراضي السكان الأصليين بصورة غير قانونية، ويبعث رسالة خاطئة في هذا العام الحاسم بالنسبة إلى البيئة".
وبذلك، شهد مطلع 2021 حملات مناهضة لبولسونارو، ليختتم بدعوى قضائية رفعتها منظمة "أولرايز" النمساوية غير الحكومية في تشرين الأول/أكتوبر لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد بولسونارو بتهمة ارتكابه جريمة ضد الإنسانية، بسبب دوره في تسريع وتيرة القضاء على مساحات كبيرة من غابات الأمازون خلال عهده.
واتهمت المنظمة الرئيس البرازيلي بشن حملة واسعة تسببت بقتل مدافعين عن البيئة وبتعريض سكان العالم للخطر من جراء الانبعاثات الناجمة عن قطع أشجار الغابات.
ويقول الفريق الذي أعد الشكوى إن إدارة بولسونارو سعت "بشكل ممنهج للتخلص من القوانين والوكالات والأفراد الذين يسهمون في حماية الأمازون وتحييدهم والنيل من مصداقيتهم".
وحمّلت الشكوى بولسونارو مسؤولية خسارة قرابة 4000 كيلومتر مربع من الغابات المطرية كل عام، وقالت إنه أشرف على إزالة غابات بمعدلات شهرية تسارعت بنسبة 88% منذ توليه الرئاسة في الأول من كانون الثاني/يناير 2019.
وقال يوهانس فيسيمان، أحد مؤسسي المنظمة، إن "الجرائم ضد البيئة هي جرائم ضد الإنسانية، وخصوصاً أن غابات الأمازون تعدّ رئة العالم"، مؤكداً أن "تدمير غابة الأمازون كان تحت أعين الرئيس البرازيلي وبعلمه، والمحكمة الجنائية الدولية لها كل الصلاحيات للتحقيق في هذه الجريمة".
ونبّه بيان المنظمة إلى أن تدمير البيئة في غابات الأمازون سيتسبب، بحسب تقديرات العلماء، في وفاة أكثر من 180 ألف شخص خلال السنوات الثمانين القادمة، إما بسبب التلوث وإما الاختناق، نتيجة ارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو.
وجاء في البيان نفسه أن غابات الأمازون تتعرض في البرازيل لإزالة رهيبة بمقدار 4 آلاف كيلومتر كل عام، ومما زاد الأمور تعقيداً قيام الحكومة البرازيلية بتقليص عدد حراس الغابات بنسبة 27% وإصدارها قوانين لتخفيف العقوبات عن المتسببين في قطع الأشجار واستغلالها المفرط. وتتسبب إزالة الأشجار والغطاء النباتي في البرازيل بانبعاث غازات دفيئة يفوق عددها عدد ما تفرزه دول مثل إيطاليا وإسبانيا معاً.
سياسة بولسونارو البيئية: الاتهامات تتوالى
إزاء هذه الأحداث، وطيلة فترة حكم الرئيس اليميني جايير بولسونارو، المشكك علناً في تبدل المناخ، كانت الاتهامات توجه إليه في الدرجة الأولى بإهمال حماية الأمازون لمصلحة أنشطة التعدين والزراعة، وتشجيع انحسار الغابة بدعواته إلى فتح الغابة الاستوائية للنشاط الزراعي والصناعة.
وترى جمعيات بيئية أن الحرائق مفتعلة ومتمعدة، بهدف استثمار الأراضي لاحقاً في الزراعة وتربية الماشية وإفساح المجال أمام خطط التطوير، وذلك انطلاقاً من تحالف بولسونارو الوثيق مع قطاع الأعمال الزراعية النافذ في البرازيل.
وخلال عهده، خفضت الحكومة طواقم وكالة البيئة البرازيلية وبرامجها، وقلصت الموازنة المخصصة للوكالات التي تراقب وتفعل القوانين الرادعة للتجريف بنسبة 40%، وأقصت رئيس المعهد الوطني لأبحاث الفضاء، الذي جمع بيانات برهنت على تزايد عمليات تجريف الغابات، وأقصت رئيس الشرطة الاتحادية الذي قاد عملية التحقيق في عمليات قلع الأشجار، وهي الأوسع في تاريخ البرازيل.
ورغم الحرائق التي كانت البرازيل تشهدها عام 2019، خفضت وزارة البيئة البرازيلية أموال حماية هذه الغابات المطيرة بمقدار 1.5 مليون دولار، وفق تصريح المديرة التنفيذية لمنظمة "Amazon Watch" ليلى سالازار لوبيز.
وبعدما سجل يوم 30 تموز/يوليو 2020 وحده 1007 حرائق في الأمازون، قال الناطق باسم فرع "غرينبيس" في البرازيل رومولو باتيستا، في بيان، إن "أكثر من ألف حريق في يوم واحد هو رقم قياسي لم يسجل منذ 15 عاماً، ويدل على أن استراتيجية الحكومة بالقيام بعمليات إعلامية لتشتيت الانتباه غير مجدية على الأرض".
وأكد باتيستا أن المكافحة الفعلية للحرائق المتعمدة التي تهدف إلى إعداد الأرض بطريقة غير قانونية (يقوم مربو ماشية ومزارعون وعمال مناجم ومضاربون "بإعداد" مناطق حرجية لإحراقها بعد ذلك)، تتطلب إجراءات أخرى غير تلك التي اتخذتها السلطات البرازيلية، مضيفاً: "في النصوص، هذه الحرائق محظورة، لكن هذا الحظر لا يجدي ما لم تكن هناك استجابة على الأرض تتمثل بمزيد من الدوريات".
ورغم حشد الرئيس بولسونارو الجيش آنذاك لمكافحة الحرائق، أكد المدافعون عن البيئة أنه لا يعالج الأسباب الحقيقية للحرائق وانحسار الغابة، وأن الغابة تتعرض لعمليات إزالة من أجل التوسع العمراني واستغلال حطبها في المجالات الصناعية المختلفة.
2022: انتخابات الرئاسة تحدد مصير الأمازون
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية البرازيلية، كانت قضية الأمازون تتصدر حديث الصحافة والإعلام مع تأكل الغابات واستمرار اندلاع الحرائق فيها. واليوم، بين جايير بولسونارو والرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يتصدر استطلاعات الرأي ويُتوقع فوزه من الدورة الأولى، يترقب العالم ما سيؤول إليه مصير الأمازون، وبالتالي مصير العالم كله.
في حال عاد اليساري لولا دا سيلفا إلى السلطة، يتوقع البرازيليون، والعالم أيضاً، إصلاحاً بيئياً وقرارات حاسمة بشأن الأمازون وإجراءات عملية للحفاظ على "رئتي العالم"، بعدما شهدت فترة حكمه السابقة (2003 - 2019) خطوات ومساعيَ للحد من إزالة الغابات في منطقة الأمازون، وتراجع معدل تجريف الغابات في منطقة الأمازون إلى أكثر من 70%، رغم الانتقادات التي وجهت إليه أيضاً، على خلفية سياسته في بناء السدود.
وقد صرح في الآونة الأخيرة بأن على البرازيل الحصول على الدور القيادي في معالجة مشكلات المناخ. وفي حملته الانتخابية، أعلن أن أولوياته في السلطة ستكون السياسات الاجتماعية وحماية منطقة الأمازون، وتعهد مكافحة الجرائم البيئية، مثل قطع الأشجار غير القانوني وتحقيق أهداف البرازيل المتعلقة بخفض الانبعاثات على النحو المتفق عليه في اتفاق باريس للمناخ.
وقال في تصريحات صحافية: "سننهي التعدين غير القانوني للذهب، ونكافح بجدية تجريف الغابات. لا حاجة إلى قطع المزيد من الأشجار لزراعة محاصيل الصويا أو الذرة أو تربية الماشية. وإذا كان العالم مستعداً للمساعدة، فإن الحفاظ على شجرة في الأمازون يمكن أن يكون أكثر قيمة من أي استثمار آخر".
ولكن في حال فوزه، سيكون أمامه عمل حثيث لمواجهة الجمعيات المنتفعة من سياسات منافسه؛ ففي مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" في 16 أيلول/سبتمبر المنصرم، لفتت الكاتبة كاثرين أوزبورن إلى أنّ "معظم عمليات تجريف الغابات في منطقة الأمازون في البلاد غير قانونية، ويقوم بها مزيج من الجهات الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك الشركات الزراعية وصغار قاطعي الأشجار والمزارعين. ونتيجة لذلك، فإن أي جهد فعال لحماية الغابات يعتمد على تقديم بدائل اقتصادية وتعزيز آليات تنفيذ القانون لوقف قطع وحرق الأشجار بشكل غير قانوني".
وتتمتع القوات المناهضة لحماية الغابات حالياً بنفوذ كبير في السياسة البرازيلية، بحسب قولها، إذ يشكل اليمينيون والمشرعون الموالون للأعمال التجارية الزراعية كتلاً كبيرة في الكونغرس الوطني البرازيلي.
في المقابل، يلقى لولا دا سيلفا دعماً كبيراً، محلياً وعالمياً، من المنظمات والجمعيات البيئية. وأعلنت وزيرة البيئة السابقة مارينا سيلفا أنها تؤيد ترشيحه بعدما التزم بأكثر من 20 سياسة اقترحتها، تشمل إدخال تسعير الكربون، وإصدار حوافز مالية جديدة للزراعة المستدامة، وإنشاء ما يسمى بالهيئة الوطنية لتغير المناخ لضمان التزام جميع السياسات العامة بأهداف اتفاقية باريس البرازيلية، بحسب الصحيفة.
أما بولسونارو، ففي حال فوزه بالرئاسة لولاية ثانية، ستكون غابات الأمازون في خطر داهم، ربما لا يمكن في إثره استدراك أي أزمة بيئية قد تهدد العالم.
اقرأ أيضاً: مرشحان ونهجان.. الانتخابات البرازيلية تعيد ضبط السياسة الخارجية للبلاد