يعتبرون الضيف "حبيب الله" ... تعالوا نتعرف على آداب المجاملة في إيران

تتفاوت آداب المجاملة في إيران بحسب الطبقات الاجتماعية والمهن والمناطق والمدن. لكن هناك مثل إيراني يدل على مدى الاهتمام بالضيف، يقول (ميهمان حبيب خداست) ومعناه "الضيف حبيب الله". يتعامل مع ضيفهم على أنه "حبيب الله" وهو من ألقاب رسول الله، وذلك من ضمن قاموس واسع من العبارات والامثال والأشعار التي تعبر عن المجاملة في كل مناسبة وموضع وحالة.

تتفاوت آداب المجاملة في إيران بحسب الطبقات الاجتماعية والمهن والمناطق والمدن

من المألوف لأي سائح أن يصادف الكثير من عبارات الترحيب التي تتوزع في الكثير من شوارع البلد المضيف. كلمات وعبارات تختلف من لغة إلى أخرى، لكنها في المحصلة تتشابه في المعنى.

صحيح أن كلمة "ويلكام" الإنجليزية باتت متداولة عالمياً، نتيجة ما يعلمه الناس من قوة العولمة، إلا أن بعض الشعوب لا تزال تحتفظ بتراثها وتقاليدها في الترحيب ... ومنها الشعب الإيراني.

أي زائر لإيران سيقابل بشتى سبل الترحيب التي تعكس مدى اهتمام الإيرانيين بثقافة الضاربة في التاريخ. فالمجاملة والترحيب يبدآن من لحظة قدوم الضیف وتناوله الطعام، ثم التسوق وركوب سيارة الأجرة، وصولاً إلى حلوله داخل فندق أو أحد المنازل.

في إيران سوف تُفاجأ بكثرة العبارات الترحيبية وتنوعها حيث تختلف باختلاف كل مدينة ومنطقة. أمّا "تعارف" فهي المفردة الفارسية التي يطلقها الإيرانيون على المجاملة، وتعني التعامل بجمال الأخلاق وحسن المعشرة.

قد لا يكون هناك اختلافاً شاسعاً بين فحوى العبارات التي تدل على المجاملة في إيران. ويمكن إيضاح هذا الإختلاف اللغوي لمفهوم المجاملة في إيران من خلال ما جاء في كتاب (قراءة أدونيس في طهران) للكاتب رضا عامري. يقول عامري في كتابه، عندما زار الشاعر والمفكر العربي إيران في عام 2005، وواجه مدی حفاوة الإيرانيين به، "قلت له (أدونيس) إن الإيرانيین لهم ثقافة وأدب (تعارف) زاخر... فقال أدونيس هل تقصد المجاملة؟ قلت له نعم إنها المجاملة كما تُعبّرون عنها في العالم العربي".!

تتفاوت آداب المجاملة في إيران بحسب الطبقات الاجتماعية والمهن والمناطق والمدن. لكن هناك مثل إيراني يدل على مدى الاهتمام بالضيف، يقول (ميهمان حبيب خداست) ومعناه "الضيف حبيب الله". يتعامل مع ضيفهم على أنه "حبيب الله" وهو من ألقاب رسول الله، وذلك من ضمن قاموس واسع من العبارات والأمثال والأشعار التي تعبّر عن المجاملة في كل مناسبة وموضع وحالة. على سبيل المثال هناك عبارة قد تسمعها كثيراً في إيران عندما تريد أن تدفع ثمن أي بضاعة في السوق أو أجرة لسائق التاكسي وهي "قابل نداره" أو (دعها لك لا يهم الثمن)، وعادة ما يكون الجواب هو "صاحبش لازم داره" أي (يحتاجها صاحب البضاعة أو السلعة).

هناك نماذج كثيرة لا تعد ولا تحصى من المجاملات خلال الحياة اليومية للإيرانيين، والتي تعتبر من القيم السامية لكل إيراني. إذ أنها تدل على مكانة الأفراد في المجتمع وتُصنف تحت عنوان "آداب معاشرت" أو آداب التواصل. كتب عنها الكثير ودخلت الأدب الفارسي القديم والمعاصر. حتى أن البعض راح يتحدث عن حق المعاشرة، أي حق أي شخص بحُسن التصرف معه.

وفي هذا السياق، نذكر ببيت شهير للشاعر الإيراني حافظ الشيرازي: "قد عبث بحقوق التكلّم والألفة معي وتركني، أنظر إلى وفاء الأصدقاء والجليس".

هناك من يرى أن تجذّر ثقافة المجاملة في إيران مرده إلى بنية المجتمع العمودية والطابع الأبوي والفوقي، مما يدفع المحكومين والطبقة العامة لتتحدث بكثير من المجاملة لإرضاء الحاكم - الأب.

من الطبيعي وأنت في إيران أن تسمع أيضاً بعض مفردات قد تثير فيك الإستغراب، ومنها (خاك پاتم) أي "أنا تراب قدميك" التي يعبر بها شخص ما عن مدى توطد وقوة علاقته بك، كما قد تسمع كلمة (غلامتم) أي "أنا غلامك".

هذا النمط من المجاملة جعل بعض الإيرانيين يمتعضون منها ويرون أنها موروث تقليدي لا يلائم حياة الإنسان الحديث، ويعيق قيام علاقة صادقة بين الناس.

كما تزخر الثقافة الإيرانية بأشكال أخرى من المجاملات التي يعبر عنها بلغة الجسد فحسب كالإبتسامة ووضع اليد على الصدر أو الإنحناء قليلاً، أو نهوض المضيف من جلوسه عند مجيء الضيف. وكذلك عند خروج الضيوف من بيت المضيف، حيث يفسح الأصغر للأكبر سناً ومكانة بالخروج أولاً ثم يتبعه الآخرون. أما إذا كان الجميع متساوون في المكانة والسن، فإنه يُفضَّل أن يخرج أو يدخل من يقف على الجهة اليمنى. هذا التقليد في المجاملة واجه الكثير من الانتقادات أشهرها ما جاء على لسان عالم الاجتماع الإيراني علي شريعتي، الذي قال "نحن الإيرانيون فقدنا نصف أعمارنا خلف الأبواب وفي المجاملات الزائفة".

إيران بلد التنوع العرقي والقومي والمذهبي، حيث لكل منطقة ومدينة ثقافة ترحيبية خاصة بها تصل أيضاً إلى أنواع الطهي والطعام الذي يقدم للضيوف. ففي جنوب غرب البلاد، على سبيل المثال، حيث يسكن عرب إيران يمكن للزائر أن يعثر على الكثير من عبارات الترحيب والمجاملة باللغة العربية، ويعد من أكثر المناطق الإيرانية التي تحتفي بالضيوف.

وغالباً ما يعبّر أي مواطن إيراني عن محبته لعرب إيران عندما يلتقي بواحد منهم، حيث لا يخلو أي بيت من بيوت العرب هناك من المَضيف وهو عبارة عن دار لإستقبال الضيوف، حيث يُرحب بك بنكهة القهوة العربية والكلام والطعام العربي. وعندما يسأل الإيراني أي عربي إيراني "أنت من الجنوب؟ أنت عربي؟"، ويدرك الجواب بالموافقة يعقب "(عرب هاي مهمان نواز) العرب الأكرام".

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]