موسم النبي روبين: تراث إنساني طاله حقد الاحتلال
اشتهرت بلدة النبي روبين الواقعة جنوبي يافا بمهرجان قطاف الليمون السنوي، وفيه أقيمت الاحتفالات والفعاليات الفنية والثقافية والاقتصادية على مدى شهر. لكن الانتداب البريطاني أوقف المهرجان بضغط من المستوطنين، وكانت آخر فعالية له سنة 1946.
حتى الاحتفالات لم تنج من حقد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فكما حدث التهجير والتدمير لمئات البلدات والقرى، كذلك طاول تعاون الاحتلال الإسرائيلي والانتداب البريطاني على تدمير مختلف مظاهر الحياة تحضيراً ليوم النكبة، ومن هذه المظاهر موسم "النبي روبين".
البلدة وتاريخها
بلدة النبي روبين، بحسب المؤرخ حسين لوباني في معجمه "أسماء المدن والقرى الفلسطينية"، بلدة عربية تقع على بعد 14 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة يافا، و15 كيلومتراً إلى الشمال الغربي لمدينة الرملة. وهي من بين العديد من البلدات والقرى التي تحمل اسم نبي في أولها مثل النبي سيرين، النبي عرفات، النبي الياس..
ويرجح أن معبداً للكنعانيين وغيرهم من الوثنيين كان يقوم مقام النبي روبين الحالي، فبقي السكان يقدسون هذه البقعة حتى بعد أن غيروا ديانتهم.. وعليه فالمقام ليس له صلة بالنبي اليهودي روبين..
دمر الإسرائيليون البلدة عام 1948، وأقاموا على أراضيها الوقفية مستعمرتي "بالماهيم" عام 1949، و"غان سوريك" عام 1956، وكان فيها 1420 نسمة عام 1945، وتبلغ مساحتها 31 ألف دونم.
اسم النبي روبين تحمله أيضاً قرية أخرى، تقع على بعد 28 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي لمدينة عكا.
نجا مقام النبي روبين من التدمير، وأنشأ المحتلون عدداً من المستعمرات حول القرية المدمرة المجاورة لقرية تربيخا، منها "شومرا"، المقامة سنة 1949، وإيفن مناحم المقامة عام 1960، و"كفار روزنفلد" التي كان اسمها الأصلي "زرعيت"، المقامة عام 1967، وشتولا المقامة عام 1969.
وبلدة "النبي روبين" مشهورة بموسمها السنوي، وفي أمثال بنيها: "روبني أو طلقني" وهي عبارة درجت على لسان النساء لحث أزواجهن على المشاركة باحتفالات الموسم، كأكثر مناسبة ترفيه على النفس خصوصاً لدى النساء اللواتي يقضين أكثر أوقاتهن في المنزل وأعماله.
موسم النبي روبين: كرنفال فلسطين
تذكر مراجع متعددة أن آخر "كرنفال فلسطين" أي موسم "النبي روبين"، كان عام1946، وهو آخر احتفال لتراث فلسطيني استمر أكثر من ألف سنة.
ويرى الموثق الفلسطيني المحامي جهاد أبو ريا أن "الاحتلال قام بمنع الموسم ضمن عملية التطهير العرقي والثقافي التي تعرض لها الفلسطينيون في نكبة 1948".
يبدأ الموسم مع ظهور أول هلال في شهر آب/أغسطس من كل عام، وكان يتزامن ذلك مع انتهاء موسم قطف الحمضيات في منطقة يافا الشهيرة بالليمون المعروف باسمها الليمون "اليافاوي".
ويعتبر الموسم شبيهاً بالكثير من المواسم التي تجري في العالم في نهايات الموسم، ويفيد أبو ريا أن "هذا الحدث لم يقتصر على فئة محددة من الناس، بل كان يشارك به الجميع، الأغنياء والفقراء ومتوسطو الحال، ولم يكن حدثاً دينياً، فقد شاركت به مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني، وبذلك كان حدثاً وطنياً بامتياز".
مع وصول الوافدين تبدأ كل عائلة بنصب خيمتها وترتيب أغراضها، حتى تبدو المنطقة كأنها ورشة عمل كبيرة، كلٌّ يحاول أن يكون الأقرب إلى قبر ومقام النبي روبين، للحصول على بركة أكبر.
اعتاد الموسم أن يشهد فعاليات فنية، واستعراضات رياضية في المصارعة وألعاب القوى، ونشاطات ترويحية، و ألعاباً وأراجيح للأطفال والكبار، وشارك في فعالياته وجوه فنية، وأدبية، بينما اعتمده بعض الأشخاص مناسبة للزفاف، والطهور، وحلاقة شعر الأولاد لأول مرة، حيث كانت تقام مذابح النذور، والكفارة، بحسب أبو ريا، مضيفاً أن "بعض الباعة كان يقوم ببيع حلاوة صلبة نوعاً ما، بيضاء اللون وطيبة الطعم اسمها حلاوة النبي روبين".
مع مرور الزمن، تحول الموسم إلى مهرجان ضخم تعرض فيه المسرحيات، ويتلو الحكواتي حكاياته، وشهد آخر مهرجان عرض الأفلام لأول مرة،كما كانت هناك حلقات دينية صوفية، ومحاضرات، ودروس في الدين، وكانت مناسبة للتعارف، وإقامة الأعراس.
ويذكر أبو ريا أنه "في موسم النبي روبين الأخير شارك أكثر من خمسين ألف فلسطيني، حضروا إليه من مختلف مناطق ومدن ونواحي فلسطين، من غزة حتى رأس الناقورة، ومن عكا وحيفا حتى نابلس وأريحا"، ويبدو أن حركة الموسم كانت تتسبب بحيوية منقطعة النظير فيها المتعة والتسلية والترفيه بالتراثي والفني والثقافي، وفيها الاستفادة الاقتصادية بترويج جنى الليمون، ومشتقاته.
الانتقال إلى الموسم كان يتم بطرق مختلفة، مضفياً حيوية فريدة على الموسم، فبحسب أبو ريا "من الوافدين من كان يعتمد على الجِمال، وبعض آخر على السيارات".
ويضيف: "أما أهالي يافا، فكانوا يقصدونه بالمراكب الشراعية، مؤثرين الوصول إليه عبر البحر، أما أهالي مدينة الرملة المجاورة، فيشاركون بمسيرة تبدأ في الرملة، وتنتهي في النبي روبين، وكلهم مجهزون بحاجات شهر كامل من الإقامة بعيداً عن بيوتهم، وبذلك، كانت قرية روبين تتحول فجأة من قرية وادعة هادئة إلى مدينة صاخبة".
ويقع بالقرب من المقام مسجد النبي روبين والذي تم بناؤه في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، وقد قام الاحتلال بهدم مئذنته، ومنع الصلاة فيه.
ويعتقد أبو ريا أنه "خلال فترة الانتداب، ضغط الصهاينة على الانتداب البريطاني لإلغاء موسم النبي روبين خشية أن يشكل هذا التجمع الفلسطيني انتفاضة ضد الوجود الإسرائيلي في فلسطين، وقد استجاب الانتداب البريطاني وقام بإلغاء "المهرجان" بين السنوات 1936-1939".