"ميعار" المهجرة رمز لإصرار الفلسطيني على العودة
لم يتوقف أهالي "ميعار" عن تقديم الشهداء منذ نكبتهم وتهجير قريتهم، فالشهداء، بنظرهم، يعيدون للأمم دورة الحياة، ويطهرون مسيرتها من كل الطحالب، والمثالب، والشوائب العالقة.
لم نحلم بأشياء عصية.. نحن باقون وللحلم بقية.. إنه لسان حال أبناء "ميعار" الفلسطينية، القرية المدمرة، والمهجرة منذ نكبة فلسطين 1948، وهم باتوا كثراً منتشرين في أرجاء فلسطين حيث توزعوا عقب التهجير إلى مختلف أنحاء فلسطين، ولم يترك لهم الاحتلال أي بيت، أو كوخ يمكث واحدهم فيه.
والميعاري نموذج للفلسطيني في تمزقه بين واقعه كمهجر، وبين حقه المترائي أمامه، على مقربة منه، وفي متناول يده، لكنه لا يزال غير قادر على استرداده، وهو ابن البلد، بحياته، ومماته، وافراحه وأتراحه منذ القدم.
في الداخل الفلسطيني، لم يعد كثيرون من الفلسطينيين قادرين على تحمل استفزاز تداعيات التهجير التي واجههوها في نكبة 1948. استجمعوا شيئا من قواهم يحاولون تحقيق بعض عودة لقراهم المهجرة، في مناسبات مختلفة، يكرسون لها الغالي والرخيص، ويستغرقون في تحضيرها شهورا طوال، وهم منغمسون في وعد العودة بسعادة وأمل.
من القرى التي كرّس أهلها طقس عودة، هي "ميعار"، الواقعة على بعد 18 كيلومتر جنوب شرق مدينة عكا، وتعلو مترا عن سطح البحر، بحسب المؤرخ الفلسطيني حسين لوباني، الذي يفيد أنه "تحيط بها أراضي قرى شعب، وكابول، وكوكب، وسخنين، وتمرة، والدامون”.
ويذكر لوباني أن "الصهاينة دمروا القرية عام 1948، واقاموا على اراضيها عدة مستعمرات منها: سيغف عام 1953، وياعد عام 1975، وحنوف عام 1980، ويوفاليم عام 1972”.
توزع أهل "ميعار" بين الداخل، والشتات، ولم يسمح لأحد البقاء في أرضه، ونظرا للتدمير الكامل الذي طاول البلدة، لم يعد ما يمكن المكوث أو الإقامة فيه. كل شيء تدمر، فتآكل البلدة الردم، وهشير النبات المتيبس، وشجيرات صبار، وقبور هي شهادة قطعية على حق الأهل فيها.
بعد التدمير وتهجير 1948، توزع أهل ميعار في عدة قرى في فلسطين، وعمد الأهالي إلى تشكيل "لجنة ميعار الزعتر والصبار" بهدف إحياء البلدة في الذاكرة، وتأكيدا على حقهم بالعودة إليها، وقد انطلقت اللجنة منذ 15 سنه، في مناسبة إحياء يوم النكبه على أرض البلدة المهجرة من منطلق الشعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وأخذت على عاتقها "إصلاح مقبره البلدة التي دمرها المستوطنون، ورعاية كل ما يتعلق بميعار وأهلها”.
مناسبات عديدة أقامها الأهالي بتنظيم من لجنة القرية، خصوصا منها مآدب رمضان، وأعياد ميلاد، وإحياء مناسبات وطنية، ويستذكرون الكثير مما خلفوه وراءهم كالأعراس، وافراح البهجة. لكن الحركة تباطأت، وهي باتت متوقفة الآن بسبب الكورونا، والاجراءات المفترض اتباعها من الأهالي حفاظا على صحتهم.
والفلسطيني، لا يكل، ولا يمل من الشهادة، والتعايش معها، وبها. تسأله: ألم تتعبوا او تملوا وانتم تزورون مدافن الشهداء منذ اثنين وسبعين عاماً دون توقف! يرد: "على العكس، فنحن نستمد من عطاء الشهداء مدداً، ومن سيرتهم عزماً، ومن إستشهادهم عبرة، وندرك أننا أمام استشادهم لم نقدم إلاّ القليل. إن الشهداء يعيدون للأمم دورة الحياة، ويطهرون مسيرتها من كل الطحالب، والمثالب، والشوائب العالقة، فأمة لا تتذكر شهداءها محكوم عليها بالذبول والأفول".
رئيس "لجنة ميعار الزعتر والصبار" غازي شحادة تحدث ل"الميادين نت" كيف جمدّت الكورونا كل العمل والوطني وغير الوطني، لافتا إلى أن "هنالك حظر على التجمعات لاكثر من ٢٠ شخص. كان يجب ان يكون يوم العوده القطري، الذي يقام كل سنة في احدى القرى المهجره، في ميعار هذا العام، وبسبب الكورونا فقد جمد الموضوع من قبل الشرطة ووزارة الصحة، كذلك فقد مرت اشهر من الاغلاق حيث كان ممنوعاً الخروج".
"عملنا الآن مقتصر على زيارات فردية وعائلية للقرية، يقول شحادة، مردفا أنه "حتى تجمهر صغير ممنوع حتى الان، ويوم الارض، ويوم العودة اقتصرت على رفع الاعلام على البيوت، واطلاق الاغاني الوطنية من مكبرات الصوت".
وقال أنه "قبل الكورونا كنا نقيم المهرجانات على أنقاض القرية، وخاصة في رمضان، فنحتفل برفع الاذان، وافطار جماعي لكل أهل القرية المهجرين في الداخل الفلسطيني، كذلك ذكرى يوم النكبه نقيمها هناك، وكنا نصطحب مجموعات من الصغار بشكل دائم، ونسرد لهم سيرة النكبة".
كانت القرية مدمرة فعمل الأهالي دائماً للحفاظ على ما تبقى، ويفيد شحادة: "نعيد ترميم المقبرة، ونزرعها بالاشجار، والجهة الاسرائيلية التي تدعي ملكيتها لاراضي الغائبين، مع اننا موجودون، تقلع الاشجار، فنعيد غرسها، وهذا ما يحدث دائما".
وختم شحادة أن "هنالك الكثير من المجموعات الاجنبية المهتمة بالقضية الفلسطينية تصل الينا نرافقها الى القرية المهجرة، ونشرح لهم القضية، ونرافقهم في جولات على اراضي البلدة".