مسار كروم العنب إلى "بيت دقو" و" عين سلمان"
متابعة لما تكشفه المسارات المتعددة التي يقوم بها الفلسطينيون في فلسطين التاريخية، وتوثيق المكتشفات، نرصد مساراً لمجموعة "إمشي.. تعرف على بلدك" حمل عنوان "مسار كروم العنب" تعبيراً عن دخول المسارات موسمها الصيفي.
"بلدتنا بيت دقو نسميها بلد المحراث والبندقية، لأننا تربينا على حراثة الأرض وحمل السلاح في وجه الاستعمار". كان هذا كلام السيد جمال داود، رئيس المجلس المحلي لـ"بيت دقو"، الذي التقيناه في نهاية المسار الأسبوعي إلى هذه البلدة، والتي تبعد عن القدس 13 كيلومتراً.
وقرية "بيت دقو" تقع إلى شمال غرب مدينة القدس، وتسميتها بهذا الاسم هو تحريف لكلمة بيت الدقَاق، ذلك أن مؤسس القرية كان الشيخ عمر، وهو من المتصوفة الذين استخدموا في بيوتهم عدّة الصوفية ومنها الدق على الطبول، وكان يعرف بوجاهته في المنطقة. وهي تشتهر بزراعة كروم العنب، والزيتون، والخضروات لتوفر مياه الينابيع فيها كـ"عين سلمان"، و"عين جفنا".
نشأت القرية على يد الشيخ صالح بن ولي الله أحمد الرفاعي من أتباع الدعوة العلوية، وكان قدومه من قرية (أم ولد) من أعمال حوران بسوريا. عاش الشيخ في قرية "بيت عور" زمناً، ثم عاد إلى "بيت دقو"، وقطن فيها بعد أن ولد له الشيخ عمر.
تبلغ مساحة القرية 8500 دونم، وعدد سكانها 2000 نسمة، وتنتزع مستوطنة "جفعات زئيف" جزءاً من أراضيها، كما يلتهم جدار الفصل العنصري جزءاً آخراً لأغراض حفظ الأمن، حسب ادعاء الاحتلال الصهيوني.
المسار
تجمع 55 مشاركاً من فريق "امشي.. وتعرف على بلدك" رغم تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وكان الدليل في المسار الإعلامي عبد الله الريان، والذي أعطى لمحة عن قرية "بيت دقو" وعن المسار، منطلقاً من المنارة باتجاه بلدة "رافات"، ومنها إلى بلدة "بير نبالا"، ومن ثم بلدة "الجيب"، ومروراً إلى بلدة "بدو"، ومنها إلى بلدة "بيت إجزا"، إلى أن وصلنا "بيت دقو" حوالى الساعة السادسة والربع، مع شروق الشمس بعد مسير زهاء نصف ساعة".
تحرك المشاركون في طريق ترابية نزولاً ثم صعوداً، وكانت أشجار الزيتون، وكروم العنب على جنبات الطريق، تزهو بأشعة الشمس الصباحية، وعناقيد العنب "الحصرم" تتدلى وسط أغصانها مبشرة بموسم جيد. خلال مسيرنا لفت نظرنا أن كل الأراضي مستصلحة، ومزروعة، ومحاطة بسلاسل حجرية دليل اهتمام منقطع النظير، لم تتم ملاحظته في المسارات السابقة، مما يدل على أن المجلس المحلي، وأصحاب الأراضي يهتمون بأراضيهم كمصدر رزق لهم.
كانت قرى "القبيبة"، و"بدو"، و"بيت عنان" ترى بوضوح من الجهة المقابلة متربعة فوق تلال القدس الشمالية الغربية، متحدية الاحتلال، ومستوطنيه، وصامدة في وجهه صمود صخر الجبال.
بدأنا نزولاً في طريق اسفلتية للوصول إلى مركز البلدة، وكانت الزهور، والمتسلقات النباتية، تتدلى، وزهرة الياسمين على الأسوار، ورائحتها العطرة تنتشر في المكان، كذلك الخضار، والأشجار المعمرة لشجر الكينا، والسرو، والصفصاف، وأشجار "الجاكاراندا" ذات الزهر البنفسجي، وغيرها تحيط المنازل، والنظافة تسود في كل مكان.
تابع المشاركون النزول حتى وصلوا شارعاً معبداً بالطوب الاسمنتي الملون، والمعروف (بالانترلوك) حتى وصلوا الساحة أمام جامع القرية، والمجلس المحلي للبلدة، ووقفوا أمام لوحة محفورة على حجر رخام تحمل أسماء شهداء القرية منذ عام 1968، وحتى عام 2004.
وصورة يافطة كبرى تحمل صورة الشهيد الدكتور رمضان شلح -رئيس حركة الجهاد الإسلامي- والذي خسرته المقاومة الفلسطينية قبل فترة.
تابع المسار النزول حتى وصل طريقاً تم تعبيدها حديثاً، وصعد المشاركون فيها حتى وصلوا طريقاً ترابية، وبدأوا النزول إلى نبع مياه يدعى "جفنا" تقع بالقرب منه "خربة جفنا"، وهي خربة رومانية محفورة في الصخر، ولم يتمكنوا من الوصول إليها بسبب كثرة حفر النواميس (القبور).
غادر المشاركون النبع إلى وادي الفوار، والذي تفور مياه الأمطار فيه في الموسم المطري، وتعلوه كروم العنب، وأشجار الخوخ في مصاطب مختلفة الارتفاع، في منظر خلاب نظراً للاهتمام به، واستصلاحه في مشهد متواصل رائع لا يتغير.
ثم صعد المشاركون الجبل، حيث منشأة بنيانية قديمة جداً قال سكان المنطقة إنها تعود لألفي سنة خلت، وقد لحقها الكثير من الخراب من سارقي الآثار، ويسمى المبنى (عقد بيت سلمان)، وهو أثر روماني، وكان يستخدم خاناً للقوافل التجارية التي كانت تمر في المنطقة، والموقع بحاجة لترميم، وإعادة استغلال بشكل صحيح.
وخصوصاً وأن "عين سلمان" تقع قربه، وهو نبع غزير تصب مياهه في بركة يبلغ طولها حوالي 6 أمتار، وعرضها وعمقها ثلاثة أمتار، وتمتاز بأن مياهها عذبة، وتستغل في ري المزروعات، وقد قام المجلس المحلي بعمل تحسينات لها، وعلمنا أنه سيقوم بالعمل على ترميم الخان، ويسعى لتأمين المبالغ المالية التي يحتاجها الترميم.
خلال المسير نلتقي رئيس المجلس جمال داود "أبو محمد"، الذي أعطانا شرحاً مفصلاً عن المكان، وعن معاناة الأهالي من ممارسات قطعان المستوطنين، وكيف تتم سرقة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، كما حدثنا عن مهرجان العنب الذي سيقيمه المجلس هذا العام دعما للمزارعين الصامدين في أراضيهم، داعيا فريقنا لحضور المهرجان، والمشاركة فيه.
غادرنا "عين سلمان"، وتوجهنا في طريق ترابية صعوداً نحو "بيت دقو"، وكانت المشاهد أمامنا تزداد عظمة من حيث الاهتمام، والاستصلاح، والترتيب، تدل على حب الفلسطيني لأرضه، وتعلقه بها، ولا يعكر صفوها الا المستوطنات المحيطة، ونحن نطرح على أنفسنا، ونناقش كيفية الحفاظ على الأرض، ومنع سرقتها من قبل المستوطنين في ظل صمت عالمي مطبق.