"جريمة حرب" منذ 1967... كيف سرق الاحتلال الماء الفلسطيني؟
وصفت منظمة العفو الدولية سرقة سلطات الاحتلال للمياه بتعبير "احتلال الماء"، وقالت إن حق الإنسان في الماء هو حق لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة... فماذا نعرف عن سرقة مياه الفلسطينيين منذ عام 1967؟
هل يعقل؟ هل تقبل النواميس الإنسانية والكونية بما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟ مجازر بحق الأطفال، أسلحة فوسفورية وانشطارية وعنقودية محرّمة دولياً، هدم للمباني فوق رؤوس العائلات، قصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
وفي ظل هذا العدوان المستمر على قطاع غزة، طبّق وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس قرار قطع جميع أنابيب إمداد المياه من فلسطين المحتلة إلى قطاع غزة.
وقال في تغريدة: "أمرت بقطع إمدادات المياه من "إسرائيل" إلى غزة على الفور"، مشيراً إلى قطع الكهرباء والوقود والغذاء أيضاً.
اقرأ أيضاً: بالتوازي مع عدوانه العسكري.. الاحتلال يقطع الماء والكهرباء والغذاء عن غزة
وجاء هذا القرار، في إعلانٍ صرّح به وزير أمن الاحتلال، يوآف غالانت، والذي قال فيه إنهم" يفرضون حصاراً تاماً على قطاع غزة،" مضيفاً أنه "لن يكون هناك لا كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود،" مؤكداً أن "كل شيء مغلق، وأن كل الموارد قطعت."
وسائل إعلام إسرائيلية: بناء على أوامر وزير الطاقة يسرائيل كاتس الجيش الإسرائيلي يغلق صمامات لقطع جميع إمدادات المياه عن #غزة.#فلسطين #طوفان_الأقصى pic.twitter.com/nVgG3rBkty
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) October 9, 2023
وعلى الفور، أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مساء الاثنين، أن "حرمان الفلسطينيين من الغذاء والكهرباء يعد عقاباً جماعياً وهو جريمة حرب".
وقالت المنظمة، إن "هذا الأمر يعرّض حياة 2.2 مليون فلسطيني ممن يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي الساحق وغير القانوني للخطر".
وأضافت أن "القمع المنهجي الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الأعمال اللإنسانية المرتكبة ضد الفلسطينيين، كجزء من سياسة تهدف إلى الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد".
وصفت منظمة العفو الدولية سرقة سلطات الاحتلال للمياه بتعبير "احتلال الماء"، وقالت إن حق الإنسان في الماء هو حق لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة، هذا ما ورد في تقرير لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (التعليق العام رقم 15، الفقرة 1).
من جهته، شرح تقرير "الأونروا" عن صعوبة الظروف في بعض الملاجئ التي تعاني من اكتظاظ، ومحدودية توافر المياه الصالحة للشرب، مشيراً إلى أنّ المدارس جميعها ليست مخصصة كملاجئ للطوارئ، وبالتالي فهي غير مُعدّة لاستقبال النازحين داخلياً.
🇵🇸#Palestine | |Israel committing crime of genocide by cutting off water supplies to 2 million people in Gaza.
— angham sawalha (@anghamsawalha) October 11, 2023
الاحتلال يواصل قطع إمدادات المياه عن مليوني شخص في غزة pic.twitter.com/bI09kbQPWe
وفي عودة إلى الماضي، تقول منظمة حقوق الإنسان بعد احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة في عام 1967 بوقتٍ قصير، قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية ببسط سلطتها على مصادر المياه كافة، والبنية التحتية الخاصة بالمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحق في الماء معترف به لأنه مستمدّ من الحق في مستوى معيشة كاف، ولذا فإنه وارد ضمناً في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيره من الصكوك الأخرى.
1968 سيطرة على موارد المياه الفلسطينية
واليوم، بعد مرور 50 عاماً على الاحتلال، لا تزال "إسرائيل" تسيطر على إمكانية حصول الفلسطينيين على المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقيِّد تلك الإمكانية إلى الحد الذي لا يلبّي احتياجات الفلسطينيين، ولا يشكّل توزيعاً عادلاً للموارد المائية المشتركة.
ففي تشرين الثاني/ 1967، أصدرت السلطات الإسرائيلية الأمر العسكري رقم 158، الذي نصَّ على أنه لا يُسمح للفلسطينيين بإنشاء أيّ تمديدات مياه جديدة من دون الحصول أولاً على تصريح من الجيش الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الوقت ظل استخراج المياه من أي مصدر جديد، أو تطوير أيّ بنية تحتية جديدة للمياه يشترط الحصول على تصاريح مسبقة من "إسرائيل"، وهو أمر شبه مستحيل.
ولا يزال الفلسطينيون الذين يعيشون تحت سيطرة الاحتلال العسكري الإسرائيلي يعانون من العواقب المدمرة لهذا الأمر العسكري.
فهم لا يستطيعون حفر آبار مياه جديدة، أو تمديد مضخات مياه أو تعميق الآبار القائمة، إضافة إلى حرمانهم من إمكانية الوصول إلى نهر الأردن وينابيع المياه العذبة.
بل إن الاحتلال يسيطر على عملية جمع مياه الأمطار في معظم أراضي الضفة الغربية، كما أن الجيش الإسرائيلي غالباً ما يقوم بتدمير خزانات مياه الأمطار المملوكة للمجتمعات الفلسطينية.
ونتيجة لذلك، فإنه لا يُسمح لنحو 180 مجتمعاً فلسطينياً في المناطق الريفية في الضفة الغربية المحتلة بالحصول على مياه الأنابيب، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وحتى في المدن والقرى المتصلة بشبكة المياه، فإن صنابير الماء غالباً لا يجري فيها الماء.
المياه الجوفية تنضب بسبب آبار المستوطنين
وتنضب المياه الجوفية بسبب الآبار الإسرائيلية التي تُستخدم لتوفير المياه للمستوطنتين الإسرائيليتين المجاورتين "الحمرا" و"ميهورا". وقال عزم مفلح، وهو مزارع من القرية، إن الآبار الإسرائيلية بدأت بضخ الماء بالقرب من القرية في السبعينيات من القرن المنصرم، فبدأت الآبار المحلية تفقد فعاليتها ببطء. ومنذ اتفاقية "أوسلو" في عام 1995، ما انفك الاحتلال يستخرج كميات تزيد كثيراً على الكمية المتفق عليها من المياه الجوفية الشرقية.
المطر يتهاطل على غزة بعد وقت قليل من قطع إسرائيل إمدادات الماء عن غزة. اسرائيل قطعت لا فقط المياه بل كذلك الغذاء والكهرباء عن سكان غزة في جريمة حرب علنية #طوفان_الأقصى
— Wejdene Bouabdallah 🥏 (@tounsiahourra) October 10, 2023
pic.twitter.com/OZasmgIEd6
ويشمل الحق في الماء توفير ما يكفي من الماء للاستعمالات الشخصية والمنزلية، وإمكانية الوصول إلى الماء، جسدياً، داخل كل منزل أو بالقرب منه، والقدرة على دفع تكاليفه، ونوعية الماء.
ويتعيّن على الدول، كجزء من التزاماتها المباشرة، أن تعطي الأولوية لكل شخص للحصول على الحد الأدنى الضروري من كمية المياه الكافية والمأمونة للاستعمالات الشخصية والمنزلية للوقاية من الأمراض – كما يتعين على الدول اتخاذ التدابير الضرورية الرامية إلى الإحقاق الكامل للحق في الماء، بما في ذلك باتخاذ تدابير إيجابية لمساعدة الأفراد والمجتمعات على التمتع بهذا الحق.
90% من مياه غزة غير صالح للاستهلاك البشري
وبموجب القانون الدولي تقع على عاتق سلطات الاحتلال مسؤولية احترام الحق الإنساني للفلسطينيين في الماء. ويجب أن تمتنع عن اتخاذ إجراءات من شأنها أن تنتهك هذا الحق، أو تقوِّض فرصة السكان الفلسطينيين في إحقاق هذا الحق، كما يجب أن توفر الحماية للسكان الفلسطينيين من تدخُّل أطراف ثالثة تمنعهم من التمتع بالحق في الماء، ويجب عليها أن تتخذ خطوات متعمّدة وملموسة ومستهدفة لضمان الإيفاء بهذا الحق وإحقاقه بشكل كامل.
أما المستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون إلى جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية – على بعد بضع مئات من الأمتار في بعض الحالات – فإنهم لا يواجهون مثل هذه القيود والنقص في المياه، ويستطيعون التمتع بالأراضي الزراعية المروية جيداً وبرك السباحة والانتفاع منها.
وفي قطاع غزة، يُعتبر 90 إلى 95% من إمدادات المياه ملوّثاً وغير صالح للاستهلاك البشري. ولا تسمح "إسرائيل" بنقل المياه من الضفة الغربية إلى غزة.
المياه الجوفية في غزة مهدّدة
كما أن المصدر الوحيد للمياه العذبة في غزة، وهو المياه الجوفية الساحلية، لا يلبي احتياجات السكان، ويتعرّض للنضوب على نحو متزايد نتيجة للاستخدام المفرط وللتلوث بسبب تسرُّب مياه المجاري ومياه البحر إليه.
ويتوقّع أن تصبح المياه الجوفية غير صالحة للاستعمال بحلول نهاية العام، وبتحوّل الضرر إلى ما لا يمكن إصلاحه بحلول عام 2020 في حال لم يتم اتخاذ أي إجراء.
في الأثناء، تعتمد عائلات كثيرة على مياه الشرب التي يتم شراؤها من البائعين الخاصين بسعر مرتفع، وكثيراً ما يكون ذلك من دون مراقبة للجودة، مما يهدّد صحة الأطفال.