الزلازل في إثيوبيا والأخدود الأفريقي الجديد

التحولات الجيولوجية في إثيوبيا قد تنشأ عنها في المدى المتوسط بحيرات في جبل البركان ومنطقة فنتالي، وظهور بحر جديد يتصل بالبحر الأحمر، ما سيبزر معطى جيوسياسياً جديداً ستكون له انعكاسات على نظريات الأمن القومي بمنطقتي القرن الأفريقي وغرب آسيا.

  • الزلازل في إثيوبيا والأخدود الأفريقي الجديد
     الزلازل في إثيوبيا تتزايد من حيث الحجم والوتيرة (TvGeopolitics )

ضرب زلزال جديد عدداً من المناطق في شرق إثيوبيا، يوم الثلاثاء، بلغت قوته 5.3 درجة بمقياس ريختر.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإنّ الزلزال الأخير وقع على بعد 25 كيلومتراً من مدينة "أواش" عند خط العرض 9.199 درجة شمالاً وخط الطول 40.236 درجة شرقاً، وعلى عمق 10 كيلومترات تحت سطح الأرض. سبق هذا الزلزال، زلزالاً بقوة 5.8 درجة وقع على بعد 142 كيلومتراً في شرق إثيوبيا، وبنفس عمق الزلزال الأخير.

يأتي هذا الزلزال في سياق سلسلة زلازل ضربت شرق إثيوبيا، خلال الأسبوعين الماضيين، بلغ عددها 120 زلزالاً، وهو رقم قياسي لم تسجل إثيوبيا رقماً مثيلا له في التاريخ القريب.

الخطر يهدد نحو 60 ألف شخص

وفي تعليق لها، قالت الحكومة الإثيوبية إن "هذه الزلازل تتزايد من حيث الحجم والوتيرة"، وأكدت أنها أرسلت خبراء لتقييم الأضرار. ووفقاً لمصادر حكومية، فإن المنطقة التي ضربها الزلزال الأخير يقطنها نحو 80 ألف نسمة، وأنه قد تم إجلاء أكثر من 20 ألف شخص إلى مناطق آمنة في إقليمي العفر وأوروميا، بينما يتهدّد الخطر نحو 60 ألفاً ما زالوا في مناطق خطرة.

مخاوف من خطر  البراكين

وتشير بيانات حكومية إلى أن الزلزال ألحق أضراراً بالمنازل في المناطق التي ضربتها. وفي السياق، نقل الصحافي الإثيوبي، هاشم محمد، عن  جيولوجيين إثيوبيين مخاوفهم من ثورة بركان جبل فنتالي، وآخر هامد في جبل دوفان القريب من منطقة سيغينتو بإقليم العفر، بالرغم من توقف فوهاتهما عن الدخان، وبحسب معلوماته، فإن السكان القريبين غادروا منازلهم خوفاً من ثورة مفاجئة للبراكين.

تسبب النشاط البركاني في إقليم العفر خلال الأسبوعين الماضيين، في تشكيل فوهات ممتلئة بالمياه الساخنة، أدت إلى تغييرات في الطبقة الأرضية، وأثرّت على عددٍ من المؤسسات من بينها مصنع سكر "كيسيم" الذي انهارت أجزاء منه، كما أورد التلفزيون الإثيوبي.

وفي تقرير للتلفزيون الإثيوبي من إقليم العفر المنكوب، أكد المراسل انهيار جزء من مصنع السكر الذي شُيد قبل أعوام قليلة. وكان من المتوقع أن يبدأ في إنتاج السكر خلال الفترة المقبلة، قبل تأثره بالزلازل والهزات الأرضية المتكررة التي ضربت المنطقة الأسابيع الماضية. وقد تم إخلاء العاملين فيه البالغ عددهم 4000 شخص من دون الإبلاغ عن إصابات.

جغرافيا الزلازل في إثيوبيا

تشمل جغرافيا الزلازل في إثيوبيا بحسب الباحث في علوم الجيوفيزياء والفضاء، البروفيسور "أتالاي أيلي"، منطقة التغراي في الشرق، وعفار في الشمال الشرقي، وشمال العاصمة أديس أبابا "جبل أنطوطو"، كما تشمل مدن دري داوة في الشرق، وأدما حاضرة إقليم أوروميا.

ووفقاً لسجلات القرن العشرين، فإن أشهر المناطق التي ضربتها الزلازل هي:

- "جنير" الواقعة في إقليم الأرومو عام 1906،بلغت درجته 6.5 على مقياس ريختر.

-  "جنكا" عاصمة منطقة "أومو" في الجنوب عام 1919، وكانت شدته 6.5 درجات على مقياس ريختر.

-  "جواني" بدرجة 6.4 درجات على مقياس ريختر في عام 1938.

-"دوبتي" الواقعة في إقليم العفر شمال إثيوبيا، بقوة 6.2 درجات على مقياس ريختر في 1969.

- "عرتا" بقوة 6.2 درجات في عام 1991.

وتعرضت إثيوبيا لأصعب الزلازل في الفترة الممتدة بين شهري أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 1961، وعرفت حينها بأزمة الزلازل، وقد وقعت خلال تلك الفترة أكثر من 3500 هزة أرضية، وسُجلت أبلغ آثارها في منطقتي  "كاراكوري" و"ماجيتي".

كذلك، لم تنجو العاصمة أديس أبابا من الزلازل، فقد تعرضت لنحو 30 هزة أرضية في النصف الثاني من الألفية السابقة، تراوحت درجاتها بين 4 درجات و6.5 درجات على مقياس ريختر.

وقدّر مؤلف كتاب الزلازل في إثيوبيا، بيير جوين، أن إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي تعرضت إلى 15 ألف هزة أرضية في القرن العشرين، وبحسب دراسات سابقة كان من بينها 16 هزة بلغت قوتها 6.5 درجة.

الزلزال وسلامة سد النهضة 

ظل موضوع سلامة سد النهضة أمراً حاضراً منذ الإعلان عن بدء إثيوبيا في بناءه وحتى اكتماله، وقد أُثيرت مخاوف بشأن انهياره بسبب الزلازل التي تضرب إثيوبيا بين الحين والآخر. وظلت مصر تنبه إلى تلك المخاطر على لسان الأكاديمي، عباس شراقي، الذي حذر من مخاطر تلك الزلازل على سلامة السد، وأشار في تصريحات صحافية إلى أن 41 زلزالاً متوسط الشد ضرب إثيوبيا بعد بناءه، مقارنة بخمسة إلى ستة زلازل سنوياً قبل الشروع في البناء.

من جهة ثانية، أكد، البروفسور سيف الدين حمد، خبير المياه والسدود، ووزير الري الأسبق في السودان، أن موقع سد النهضة يقع بعيداً من مناطق الزلازل في إثيوبيا، وأشار إلى أنه خلال تصميم السد تمت مراعاة كل العوامل الطبيعية والمخاطر الناتجة عنها لمئة عام مقبلة، فضلاً عن أنه بني وفقاً لمعايير السلامة والتقنيات الحديثة في تصميم السدود.

أما المهندس عثمان التوم، خبير المياه ووزير الري والسدود السابق في السودان فقد قلل من مخاطر الزلازل على السد، وأشار في تسجيل بثه عبر الوسائط إلى أن الفالق الأفريقي الذي يمر في شرق إثيوبيا يقع على بعد 500 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا لا يشكل أي تهديد مباشر على السد الذي يقع على بعد أكثر من 1000 كيلومتر غرباً من مناطق الزلازل.

الأخدود الأفريقي الجديد

تقع إثيوبيا في ملتقى صفائح تكوينية ثلاث، تشكل الغلاف الصخري للأرض، وأن الزلازل والأنشطة البركانية وفقاً لبيير جوين، هي حقيقة من حقائق الحياة في شمال شرق البلاد. إذ تحاط إثيوبيا وأجزاء القرن الأفريقي بصفيحتين تكوينيتن أساسيتين، هما الصفيحة العربية، والصفيحة الأفريقية، وتقع على جانبي صفيحة الوادي الإثيوبي المتصدع المعروف باسم "الصدع الفاشل"، الذي يرتبط بخطوط الصدع في شرق أفريقيا. 

  • الزلازل في إثيوبيا والأخدود الأفريقي الجديد (أ ب)
    الزلازل في إثيوبيا والأخدود الأفريقي الجديد (أ ب)

وقد تعرضت تلك المنطقة بسبب ما يعرف بــــ"الانتفاخ النوبي" إلى صدوعات ثلاثة: صدع عدن، وصدع البحر الأحمر، وصدع إثيوبيا، وهي بذلك التاريخ معرضة لصدوعات جديدة قد تُنشئ معطيات جغرافية جديدة.

وفي تاريخ قديم، يعود إلى 25 مليون سنة، حدث صدع كبير عُرف باسم "الأخدود الأفريقي العظيم"، وتمتد جغرافيته من غرب آسيا إلى شرق أفريقيا، ومن جنوب تركيا مروراً ببلاد الشام إلى كينيا في جنوب شرق القارة الأفريقية.

ويتجاوز طول هذا الأخدود 6000 كيلومتر، ومتوسط عرضه 14 كيلومتراً تقريباً، ويفوق ارتفاعه فوق سطح البحر 1100 متر عند أعلى نقاطه الواقعة في مدينة بعلبك اللبنانية، ويهبط في البحر الميت إلى 400 متر تحت سطح البحر. ويعتبر هذا الصدع أحد أبرز ظواهر الطبيعة على وجه الأرض. 

وتشهد المناطق الشرقية في إثيوبيا تحولات جيولوجية، تعبّر عنها الأنشطة الزلزالية والبركانية النشطة عبر حقب التاريخ الحديث، وكأنها تُكرر سابقاتها في التاريخ البعيد الذي تجلّت مظاهرها في الأخدود الأفريقي الذي فصل آسيا العربية عن أفريقيا بالبحر الأحمر.

وأفرز الأخدود الأفريقي واقعاً جديداً في جغرافية المنطقة السياسية، زاد البحر من أهميتها ومكانتها الجيواستراتيجية لأسباب تعود إلى حجم التجارة العالمية التي تمر عبره، وبشكل خاص تجارة النفط، وتعززت تلك الأهمية بعدما فرض الغرب المشروع الصهيوني في فلسطين، بأبعاده التوراتية التي نسجت أساطيراً  في البحر الأحمر، وأرادت أن "تجعل منه بحراً يهودياً، تَمخُره أساطيل داوود وسليمان جيئة وذهاباً"، كما قال ديفيد بن غوريون.

وتشير دراسات غربية إلى أن التحولات الجيولوجية في إثيوبيا، قد تنشأ عنها في المدى المتوسط بحيرات في جبل البركان ومنطقة فنتالي حيث النشاط البركاني، وظهور بحر جديد يتصل بالبحر الأحمر، وهذا بدوره سيبزر معطى جيوسياسي جديد، ستكون له انعكاسات على مجمل الأوضاع في المنطقة، وقد ينعكس بشكل ما على نظريات الأمن القومي في منطقتي القرن الأفريقي وغرب آسيا، كما سينعكس على القواعد المؤسسة لنظريات التنافس الدولي حينها.