لا يغرَّنكم!
فيما يخص توتر العلاقات الإسرائيلية الأميركية، فلا بدّ لنا من رؤية الواقع من زاوية أخرى بعيداً عن بعض الأحداث الآنية العابرة التي سرعان ما ستمر وتنتهي من دون أن تؤثر في الواقع.
امتلأت وسائل الإعلام والصحف اليومية، وخاصة الإسرائيلية منها، في الآونة الأخيرة، بالتحليلات حول مستقبل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وخصوصاً بعد المقابلة الأخيرة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية بايدن مع وكالة الأخبار CNN، والتي أبدى فيها امتعاضه واستياءه الشديدين من سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والائتلاف الحاكم معه، والذي وصفه بأنه الأكثر تطرفاً منذ عقود حول عدة قضايا وأهمها الشأن الداخلي الإسرائيلي وما يتعلق بـ "الثورة" القضائية التي يسعى الحزب الحاكم لتطبيقها، والتي تنافي في جوهرها "القيم الديمقراطية".
فمن المحللين من هوّل إلى درجة الهلع والخوف الشديدين من قطع العلاقات بشكل كامل، وسحب الاستثمارات الأميركية التي تصل إلى 80 مليار دولار سنوياً، ووقف المساعدات المالية والأمنية والتي تقدر بـ 4 مليارات دولار سنوياً.
ومنهم من حذر من زيادة الخطر والتهديد الإيراني على "إسرائيل"، إذ إن سوء العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، ستدفع إيران مع "أذرعها الواسعة" في المنطقة إلى فعل ما يحلو لها.
والكثير من التحليلات المختلفة والمتنوعة التي تظلل سطورها أشباح الخوف والقلق والتنبؤ بالأسوأ.
ولكي نكون واقعيين في استشراف طبيعة العلاقة الأميركية -الإسرائيلية ومستقبلها، لا بدّ لنا من رؤية الواقع من زاوية بعيداً عن بعض الأحداث الآنية العابرة التي سرعان ما ستمر وتنتهي من دون أن تؤثر في الواقع ومن مرتكزات هذه الرؤية:
1- لا بد لنا من التفريق بين "إسرائيل كدولة" ومؤسسات وبين الحكومة الإسرائيلية الحاكمة، فعلاقة الولايات المتحدة بـ"إسرائيل كدولة" هي علاقة استراتيجية متينة مبنية على مصالح سياسة، عسكرية، أمنية، استعمارية، اقتصادية، ولا يمكن لحدث عابر مهما كان أن يهدم هذه العلاقة، فـ"إسرائيل" تعدّها الولايات المتحدة الأميركية كما وصفها رئيس جيشها عام 1949: هي عبارة عن بارجة بحرية أميركية لنا في الشرق الأوسط تقاتل من أجلنا وتدافع عن مصالحنا، ولا يمكن التخلي عنها مهما كان.
2- لا بد لنا من فهم المذهب الذي يتبناه رئيس الولايات المتحدة الأميركية الذي قال لحظة توليه الرئاسة: أنا صهيوني أكثر من الصهيونيين، فبصرف النظر عن مبدأ العقيدة الاسترجاعية التي لا أريد نقاشها هنا، فمن الناحية السياسية تدل هذه العبارة على مدى التزام الحكومة الأميركية بالحفاظ على "إسرائيل".
3-العلاقة الأمنية الأميركية - الإسرائيلية هي علاقة استراتيجية لا يمكن العبث أو التلاعب بها، فلا تسمح الولايات المتحدة الأميركية بأي شيء من شأنه أن يؤثر في أمن "إسرائيل" مهما كان، فأمن "إسرائيل" من أمن "أميركا"، لذا لا يمكن أن يتوقف الدعم العسكري والأمني لـ"إسرائيل"، ولا يمكن أن تبدي الحكومة الأميركية مواقف دولية تضر بأمن "إسرائيل" وتعرضها للخطر، وهذا بالطبع ظهر جلياً في آخر مجزرة قام بها "الجيش" الصهيوني الغاصب على أرض مخيم جنين، فبالرغم من كل المواقف والتخوفات الأميركية من سياسة نتنياهو فإن الحكومة الأميركية أعلنت أن "إسرائيل" لها الحق الكامل في أن تدافع عن نفسها.
لذا، فلا يغرّنكم ما تسمعون وتشاهدون من تحليلات وتحذيرات، ولا تتأملوا بأن الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" يوشك على الانتهاء، فلا يمكن للعين أن تتخلى عن الرأس، ولا يمكن لليد أن تتخلى عن الجسد، ولا تقوم أميركا بالتخلي عن ولاية من ولاياتها..