بأي حال عدت يا عيد؟ مقاربة للإجابة
عود علينا العيد كما نريد لا كما يريد هذا ما قصده أبو الطيب وهذا ما علمتنا إياه الحياة فلنحسن صنع الفرح وحياكة أثواب العيد ولنجعل لكل ذلك أقدار نصر وفرج وعافية تمحو هزيمتنا..
لا زال سؤال المتنبي يعاود الحضور مع كل عيد!
وكأنه سؤال ملحق بتوارد الأهلة ومرفق بدورة الزمان.. ولا زال المحزونون يتنهدون في كل عيد يداهمهم، ويقولون: صدقت يا أبا الطيب! ما أنكر حالنا الذي عاد عليه العيد! ولازال الميسورون ولأصحاب السعادة يمرون على السؤال كما يمر عليهم العيد باسمين مبتهجين بعيدهم وبقصد الشاعر وبموسيقى القصيدة...
في فلسطين عاد علينا عيدنا وفينا من كل أطياف الحياة لون وألف ظل، عاد العيد على أمهات الشهداء، المسكونة أو المجهولة الهموم، شهداء جدد لحقوا بالسابقين، لتنضم أمهاتهم إلى محفل الوجع والصبر حديثاً..
أمهات وزوجات، آباء وأبناء، بنات، وإخوة وأخوات يبكون في عيدهم نقيض فقيدهم من الفرح، ويشتمّون في ثيابه المعلقة رائحة خلوها من جسد الشهيد المرتحل وامتلائها بعطر خلوده المديد.
عاد العيد على أمهات الأسرى وعائلاتهم لتشرق في أرواحهم شموس تشتعل بالأمل ووعود جديدة، فلعل العيد القادم موعد الاجتماع المنتظر والمؤجل، ويزور العيد الأسرى كعبادة للفرح يبتهجون فيه، إغاظة للسجان ومقاومة لكهنة وسدنة الحديد والنار المفروض عليهم قيوداً وشباكا وأسلاكاً وأبوابا وقضبان.
في عيدنا هنا زارنا عصفور دوري شقي أبى إلا أن يعيش حريته متقصداً بين أقسام السجون يتنقل أمامنا مستعرضاً قدرته على الاختفاء والظهور، والسير، والطير بشقاوة ذكرتنا بشقاوة الأطفال الذين كناهم قبل اختبار الاعتقال، والأطفال الذين سنكون لما نتحرر من توحش الإنسان وتغوله على إنسانيته حيث تدفعه رغبة الاستعمار والاضطهاد إلى بناء وحوش من حديد كقيود وهياكل للعذاب، والقهر ومؤبد الشقاء.
يعود العيد هنا على الفقراء والأغنياء، يعود على شيوخ يستدبرون الحياة وعلى شبان يستقبلونها بسذاجة الحالمين، ينسجون لهم من الحب والأمل الفتي وعوداً للغد الجميل، يعود العيد على الأرض المعذبة تكاد تأكل نفسها من غيظها وبؤس حالها، يعود على القدس تقاوم بقديمها أوهام العابر الجديد بحسم الصراع وامتلاك الزمام، يعود على الجليل ينتظر وعود محرريه، يعود على البحر ينتظر اغتساله من لوثة مستعمريه، يود أن ينعكس اتجاه المد والجزر فيأخذ ما حملته عليه سفن الغزاة ويلقي بهم في مهاوي المحيطات القصية..
يعود علينا العيد كما نريد لا كما يريد هذا ما قصده أبو الطيب وهذا ما علمتنا إياه الحياة فلنحسن صنع الفرح وحياكة أثواب العيد ولنجعل لكل ذلك أقدار نصر وفرج وعافية تمحو هزيمتنا، وتكسر قيودنا وتلملم جراحنا وتجمع شتاتنا حتى نستقبل العيد القادم ونحن فعلاً بكل خير.