هل تعود المظلّة التركية القطرية للمعارضة السورية؟
يصف مصدر معارض للميادين اجتماع الدوحة المقبل بأنَّه لن يكون أكبر من محاولة يائسة جديدة.
في 5 شباط/فبراير المقبل، ستعقد المعارضة السورية، للمرة الأولى منذ أعوام، اجتماعاً لتنسيق رؤية مشتركة في ورشة بحثية، كما وُصِفت في قائمة المدعوين التي وجَّهها إليها مكتب رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، والتي حصلت الميادين على نسخة منها.
المنظّمون وجَّهوا الدّعوة إلى ائتلاف المعارضة، ومنصّات القاهرة وموسكو، وهيئة التنسيق، والإخوان المسلمين، ومستقلّين. 90 ممثلاً عن الجهات المذكورة، اعتذر نحو الثلث منهم عن المشاركة. دلالات الاعتذارات مختلفة عن أسبابها المعلنة، لكن في كلا الأمرين، لا يصبّ الاعتذار في مصلحة الجهة المنظّمة، والتي لم تكن لتتحرَّك من دون موافقة الدوحة - مضيفة الحدث.
يمكن القول إنَّ الدّوحة فقدت جزءاً من تأثيرها، ولم تستطع استعادة كامل قرار المعارضة، منذ ابتعاد النقاش حول ما يتعلَّق بالمعارضة السّورية إلى خارج السّقف التركي - القطري. وبعد أن عطّلت الرياض، تفرّد الائتلاف (أكبر مكونات المعارضة السورية) بالتحكّم في قرارات المعارضة أو تمثيلها بعد إنشاء هيئة التفاوض، إذ أولت مهمة الإشراف عليها للسعودية بموجب القرار الأممي 2254، وعلّقت الرياض عمل موظفيها قبل عام، بعد اتهام أعضاء الائتلاف فيها بالعمل لمصلحة الأجندة التركية.
يصف مصدر معارض للميادين اجتماع الدوحة المقبل بأنَّه لن يكون أكبر من محاولة يائسة جديدة، فقد فشلت كلّ المحاولات السابقة لإصلاح الائتلاف وتوسيعه، وهو الّذي تتفرّد بقراره ورئاسته مجموعات إخوانية، أو تطعيم هيئة التفاوض بأقطاب من معارضة الداخل والخارج. ويحاول اجتماع الدّوحة تجديد السعي لطرح مقاربات جديدة مختلفة عما سبق، وتقاسم بين الأطراف التي ستجتمع، إذ يجنح بعضها إلى تعريب المرجعية، فيما لا يزال الائتلاف عالقاً في التزاماته تجاه أنقرة.
ما الذي يدفع قطر مجدداً إلى محاولة جمع مكونات المعارضة السورية اليوم، بعد كلّ التحولات في المشهد السوري؟ ما الذي تغير؟ أو ما الذي سيتغير؟
تدخل الدوحة على الخط للمرة الأولى منذ 5 سنوات، مع مراهنة على انتزاع دور في الأزمة السورية، واسترداد السيطرة على قرار المعارضة قطرياً وتركياً، بعد الانكفاء السعودي الغارق في تعقيدات الحرب على اليمن، لكنه انكفاء مشروط، كما يقول المصدر المعارض للميادين، فتاريخ الانقلاب القطري على تعهّداته السياسية أمام الرياض كثيرة ومريرة، بحسب المصدر نفسه، ويضيف بأنَّ الرياض لن تقبل بعودة ورقة المعارضة السورية إلى المظلة الإخوانية، أي المظلّة القطرية التركية.
لكن من الواضح أنَّ الدوحة تحاول التقاط متحولات إقليمية لتحضر داخل المشهد السوري من البوابة السياسية، بعد خسارة رهانها العسكري وتصاعد الحديث عن تطبيع عربي أو ربما خليجي مع دمشق لن يقتصر على أبو ظبي، كما يبدو، وعودة محتملة لسوريا إلى الجامعة العربية وحضور قمة الجزائر، وهو ما لا تستسيغه الدوحة بالتأكيد.
يقول مصدر معارض رفض المشاركة في "ورشة" الدّوحة للميادين "إنها مجرد مضيعة للوقت، فلا تزال المعارضة السورية تعمل بأجندات مختلفة ومتناقضة، وهذا الاجتماع لن يغير شيئاً سوى اكتمال الصورة التي تريدها الدوحة، بأن تمسك ورقة المعارضة لاستثمارها سياسياً، مستندة ميدانياً على موازين قوى في الشمال بسيطرة جيش حليفتها أنقرة وفصائلها السورية المسلحة، وسياسياً على غلبة الأطراف القريبة منها في مؤسسات المعارضة وأكبرها في الائتلاف السوري المعارض".
وزير الخارجيّة القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بحث قبل أيام في الدّوحة مع رئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة الأزمة في سوريا وإصلاح مؤسسات المعارضة، ولا سيما الائتلاف، بحسب مصدر معارض آخر للميادين، إذ يؤكّد أن لا جديد في التصريح الذي أعقب اللقاء: أهمية إيجاد حل سياسي، وفقاً لبيان جنيف 1 الصادر في العام 2012، وقرار مجلس الأمن 2254. لا يبدو إذاً أنَّ المتغيرات على الأرض وانقلاب موازين القوى حاضران في الأجندة القطرية. وهنا، تصبح الأسئلة أكثر من منطقية.
يناقش الائتلاف منذ بداية العام مسودة نظامه الداخلي الجديد التي كان يفترض التصويت عليها من قبل الهيئة العامة، لكن تمَّ تأجيل ذلك بسبب خلافات بين الكتل حول التعديلات المقترحة. ويربط مطّلعون على مسار عمل الائتلاف بين طرحه إصلاح المؤسّسة والندوة التي تمت الدعوة إليها لمناقشة واقع المعارضة وسبل تطوير أدائها ومؤسساتها.
لكنَّ مصادر في الائتلاف تحدثت لوسائل إعلامية عن أنَّ هذه الخطوة ستحصل بناء على طلب مشترك من أنقرة والدوحة، بهدف إعادة الثقة الإقليمية والدولية بالمؤسَّسة كممثل للمعارضة، بعد أن تراجع الاهتمام بها من قبل الدول الداعمة للمعارضة، وتزايد النظر إليها كجهة تابعة للحلف التركي - القطري.
أبرز التعديلات المقترحة من قبل اللجنة التي تشكّلت بهذا الخصوص، هو إعادة النظر في كتلتي المجالس المحلية والحراك الثوري، إضافةً إلى حذف المواد التي تتحدّث عن "إسقاط النظام"، واستبدال عبارات تنصّ على "تغيير النظام" بها، وهو ليس تحوّلاً في المصطلحات فقط، بل اعتراف ضمني أيضاً بأنَّ المسار السياسي وحده يحدّد حصّة كل طرف في كعكة الحل السوري عندما تنضج ظروفها. ومن هنا، تبدو قطر في ما يشبه إعادة جمع الأوراق السياسية لحصد ما يمكن حصده في الصيغة السورية المقبلة، فهل تكسب الدوحة رهانها؟ ربّما، لكن مع تحقيق شروط عديدة، وتلك قصّة تتجاوز حدود الدوحة.