من بوابة خلدة انطلقت المقاومة ضد "إسرائيل" ومنها تُجهض الفتنة
تحبس المقاومة أنفاسها وغيظها، لأنها تعي أن ما يدبّر ويحاك ليس أقل من قرار إسرائيلي - أميركي - عربي رجعي بجرِّ سلاحها إلى غير وجهته الجوهرية في الصراع مع الاحتلال وحلفائه.
صحيح أنَّ دم الأبرياء ثمين ويوجب قصاص المجرمين، وصحيح أنَّ الخطر داهم وهادر على المقاومة في لبنان، وصحيح أنَّ الغضب عارم في بيئة المقاومة ولدى جمهورها وأنصارها والحريصين عليها. كلّ ذلك ثقيل ووازن، وقد بلغ السيل الزبى، كما يقول المثل، لكنَّ الصحيح أكثر من كلّ ذلك هو مستقبل الوطن والمواطنين والأرزاق والسلم الأهلي.
العدوان على المقاومة وأهلها ليس جديداً. تجارب مريرة حصلت في السنوات الماضية، وتعاظمت في السنتين الأخيرتين، لتبلغ ذروتها في اغتيالات وكمائن منطقة خلدة، جنوب بيروت وبوابتها وشريانها الحيوي الذي يربط الجنوب بالعاصمة وبقية المناطق، كانت قد سبقتها أشرس حملة تهديد واستفزاز بكل الأشكال الإعلامية والأمنية تحت غطاء من الحرب الاقتصادية والمالية والمعيشية، شاركت فيها تنظيمات وأحزاب وجماعات وأفراد ودول كبيرة وصغيرة.
تعضّ المقاومة على جراحها، رغم هول وخطر ما تعرَّضت له، وأمام ما يُخطط في السر والعلن من برامج لاصطيادها وإغراقها في مستنقع فتنة أهلية يعرف اللبنانيون أثمانها الباهظة. تحبس هذه المقاومة أنفاسها وغيظها، لأنها تعي أن ما يدبّر ويحاك ليس أقل من قرار إسرائيلي - أميركي - عربي رجعي بجرِّ سلاحها إلى غير وجهته الجوهرية في الصراع مع الاحتلال وحلفائه.
ما أعقب حفلة الصيد البشري الوحشية الحاصلة في منطقة خلدة، ولجوء المقاومة إلى حضن الدولة والشرعية لتطبق قوانينها وتفرض الأمن وتقاضي المجرمين، وغياب ردود الفعل العشوائية، يمثل فضيحة مدوية لكل من زعم وادّعى وروّج لتفلت سلاح المقاومة، ولكلّ النظريات والحملات التي أنفقت عليها ملايين الدولارات، لإيهام الرأي العام بأنّ مشكلة لبنان تكمن في تحوّل "حزب الله" إلى "دولة داخل الدولة"، وبأن سلاحه "متفلّت ومهيمن وطاغٍ على مناحي الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية".
كان لـ"حزب الله" كلّ المشروعيّة والحقوق في الدفاع عن نفسه وبيئته وجمهوره في مواجهة الجنون والهرطقة والتزوير الذي عبّرت عنه جرائم خلدة، ولا سيّما أنها جرائم مكشوفة الأهداف والمرامي والأبعاد، ولا يحتاج المتابع إلى تَبيّن أنها ترجمة عملية لمشروع سياسي داخلي وخارجي وضع لنفسه عنواناً عريضاً، يتلخَّص بالإجهاز على سلاح المقاومة أو تكبيله بالدم والخراب الداخليين.
لكن ربّ فاجعة تنفع في كشف الحقائق وتميط اللثام عن حقيقة الشخص الحريص على إنقاذ اللبنانيين من المسار الكارثي نحو تفكّك الدولة وانهيار مؤسّساتها، ولا سيما العسكرية والأمنية، فقد حوّلت قيادة المقاومة جرحها إلى مناسبة وفرصة ليستخلص اللبنانيون منهما العبرة، ويعرفوا مَن يسعى بالفعل والقول لكي تكون الدولة وأجهزتها صاحبة القرار والأمر والتنفيذ في معالجة الأزمات الطارئة منها والمزمنة على حد سواء.
يكاد منظّرو مفهوم "احتلال حزب الله للبنان" يعضّون على شفاههم حسرةً أمام المسؤولية والحرص اللذين أظهرهما في التعامل مع كمائن خلدة، ويكاد بعض هؤلاء لا يصدق كيف انهار وتبخّر مشروعه وأديباته ورهاناته للإطباق على المقاومة وإسقاطها في أتون حرب أهلية مقيتة.
ربما من المفيد التذكير بأنَّ منطقة خلدة شهدت أولى بطولات المقاومة ضد الاجتياح الإسرائيلي ومشروعه، ومنها تولدت مقاومة مخطّط التخريب وتفجير الحروب الداخلية العبثية.
ما تقدّم من خلاصات واستنتاجات يبقى رهن جدّية وسرعة ومصداقية الدولة وأجهزتها كافّة بقطع يد القتلة، ووضع حد لمن يقف وراء مدبري الحريق، وكشف الحقائق بكلّ زاوياها المعتمة، وهي كثيرة وممتدة في الساحة اللبنانية، ليُبنى على الشّيء مقتضاه، وينال كلّ لبناني حقّه.