في الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد سليماني.. أين إيران اليوم؟
أرادت واشنطن من اغتيال الشهيد قاسم سليماني توجيه ضربة إلى إيران ومحور المقاومة ككل، والذي نمت فيه علاقات التطوير المتبادل بشكلٍ متسارع، فهل حققت هدفها؟
في بداية العام 2020، قرر البيت الأبيض تجاوز الخطوط الحمر واستهداف قائد "قوة القدس" في حرس الثورة الإيراني قاسم سليماني، فنفذت طائرات أميركية مسيرة الاغتيال على بعد أمتارٍ من مطار بغداد الدولي، ليستشهد الرجل برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس. وفي الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الفريق قاسم سليماني ورفاقه، نسأل: هل تراجعت إيران سياسياً وعسكرياً بعد هذه الخسارة الكبيرة بلا شك؟
بعد عملية الاغتيال.. المقاومة صمدت ونمت
سعت الولايات المتحدة الأميركية عبر هذه العملية إلى قطع اتصال محور المقاومة، من طهران إلى العراق، مروراً بسوريا وفلسطين المحتلة، ووصولاً إلى اليمن، ولكن الأسوأ بالنسبة إلى واشنطن حصل فعلاً، وهو أنّ تماسك هذا المحور الداخلي قد تعزز.
الرد الأول على اغتيال الشهيد سليماني وصديقه المهندس كان دكّ قاعدة "عين الأسد". ويقول قائد القيادة المركزية الأميركية، كينيث ماكينزي، في هذا المجال، إنّ "الصواريخ الإيرانية كانت دقيقة، وضربت إلى حدٍ كبير ما أرادت ضربه".
بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني، سارعت إيران إلى تعيين إسماعيل قاآني ليتابع العمل في التوجّه نفسه، وأفشل ذلك محاولات تعطيل مشروع سليماني وإضعاف محور المقاومة في المنطقة، كما كانت تطمح "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية. لقد استمر دعم حركات المقاومة بصورٍ مختلفة، وبوتيرٍة عالية، الأمر الذي يستدل عليه من استمرار أدائها السياسي والعسكري والتنظيمي بالوتيرة نفسها، كما لو أنّ الاغتيال لم يتم، حتى إنّ الإعلام الإسرائيلي أكّد قبل أيام أنّ "الإرث الذي تركه سليماني وراءه لا يزال حياً ومؤثراً".
تؤكد وسائل إعلام إسرائيلية أنّ اغتيال الشهيد سليماني لم يجبر إيران على التراجع عن نهجها المقاوم في المنطقة. فعلاً، يظهر ذلك جلياً في المواقف التي أطلقتها إيران خلال العام التالي للاغتيال، والتي كانت أكثر إصراراً وتشدداً في مواجهة المشروع الأميركي وحركة التطبيع مع العدو الإسرائيلي في المنطقة، فمرشد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، يشرح هذه الفكرة قائلاً إنّ "إخراج القوات الأميركية من المنطقة سيكون الصفعة الأقوى للرد على اغتيال الشهيد قاسم سليماني".
استشهد سليماني، وأغمض عينيه قبل أن يشاهد غزارة الصواريخ التي ساهم في تدشينها في قطاع غزة، وهي تصيب قلب "إسرائيل" في معركة "سيف القدس".
لقد أدركت "تل أبيب" أنّ أي هجوم على القطاع سيقابل بردٍ مكلف. وعن هذا الأمر، يقول الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، إنّ "الشهيد سليماني كان يمدّ غزّة بالأسلحة والأموال، والأهداف التي انطلق منها ستستمر عليها فصائل المقاومة حتى تحرير الأقصى". أما القيادي في حركة "حماس" محمود الزهار، فيقول إنّ "فكر الشهيد سليماني كان متطابقاً مع رؤية قيادة حركة حماس، وكأن الجميع تخرَّج في مدرسةٍ واحدة".
في نهاية العام 2021، لم تتردّد إيران في رفع موازنة حرس الثورة الإيراني، إذ أعلنت رفع ميزانية حرس الثورة بنسبة 2،4% عن العام الماضي. وقد قدّم رئيسي الأسبوع الماضي مشروع موازنة إيران للعام المقبل إلى البرلمان، وبلغت ميزانية حرس الثورة 93 ألف مليار تومان (الدولار يساوي 42 ألف تومان تقريباً)، فيما كانت في عهد الرئيس السابق حسن روحاني في العام السابق 38 ألفاً و564 مليار تومان، أي بنسبة زيادة قدرها 2.4%.
يأتي رفع الموازنة المخصصة لحرس الثورة في ظل تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني وزيادة عدد المناورات العسكرية ونوعيتها. وتأتي هذه الخطورة، أي رفع الميزانية، تأكيداً على أنّ إيران ستستمر بدعم حركات المقاومة وتدريبها وتسليحها، إذ يتولى حرس الثورة الجانب الأكبر من هذه المهمة.
إيران.. لاعبٌ إقليمي لا يمكن تجاوزه
في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد سليماني، لا يخفى على المتابع أنّ إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تريد العودة إلى الاتفاق النووي سريعاً، لكن طهران كانت تتروّى في العودة، وتؤكد ضرورة رفع العقوبات أولاً. ويظهر اندفاع الولايات المتحدة نحو المفاوضات خلال إعلانها من منبر الأمم المتحدة أنّ واشنطن مستعدّة للعودة إلى الاتفاق النووي.
وقبل أيام، نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنّ "الإدارة الأميركية مربكة بعد أسبوع من المحادثات، ولم تتوقع أنّ الجانب الإيراني سيزيد من تطرف مقاربته حول العودة إلى الاتفاق النووي السابق، إضافة إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن طهران".
كما تخشى إدارة الرئيس بايدن انهيار المفاوضات كلياً، ما يجعل هذه الإدارة تواجه ضغوطاً سياسية داخلية هائلة للعودة إلى سياسة ترامب في ممارسة "الضغوط القصوى"، إضافةً إلى أن الرئيس بايدن سيفقد نفوذه السياسي وشعبيته، بحسب صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
كما أنّ الرئيس بايدن يقف على حدّي نقيض في التعامل مع إيران. من جهة، يخشى تقديم تنازلات للإيرانيين، ما يسمح بالهجوم السياسي والإعلامي عليه من قبل العديد من المتضررين في الداخل والخارج، ومنهم الحزب الجمهوري و"إسرائيل". ومن جهة أخرى، يخشى انهيار المفاوضات ووصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة اللاعودة، فتعود نغمة الدعوات الإسرائيلية إلى العمل العسكري.
أما الجانب الإسرائيلي، فيعتبر أنّ التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران بمثابة الكارثة الكبرى. وقد وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية أداء فريق التفاوض الإيراني بـ"الماهر"، كما أنّ "إسرائيل" تسعى إلى نقل رسائل للأميركيين تفيد بأن الوقت حان لتشديد المواقف تجاه إيران، التي تتقدّم بسرعة في تخصيب اليورانيوم بالتوازي مع المفاوضات.
وإلى الآن، يستمرّ النقاش الإسرائيلي العام حول نقطة محورية تتعلّق بحقيقة موقع إيران مما يُسمى "العتبة النووية". وفي هذا السياق، كتب رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك: "إيران فرضت واقعاً جديداً؛ فخلال أشهرٍ معدودة، تستطيع أن تتحوّل إلى دولة نووية، بحيث لا يمكن إيقافها من الوصول إلى سلاحٍ نووي في التوقيت الذي تختاره".
أما الموقف الأوروبي الذي أعلنته فرنسا وبريطانيا وألمانيا قبل أيام، فهو يقوم على ركيزتين؛ الأولى هي توقيت الاتفاق؛ فهي تؤكد أنّه لا يوجد سوى أسابيع لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وليس شهوراً. أمّا الركيزة الثانية، فهي تشديدها على نسبة تخصيب اليورانيوم غير المسبوق لإيران.
إذاً، الوقت في مصلحة إيران. وعلى الرغم من حاجتها إلى رفع العقوبات الأميركية للنهوض الاقتصادي والتنمية المحلية، فإنّ الإرباك الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، إضافةً إلى دول الترويكا الأوروبية في موضوع النووي الإيراني، بات جلياً، كما أنّ إيران تؤكد مراراً أنّ نافذة المفاوضات لن تبقى مفتوحة إلى الأبد.
من هنا، نجد أنّ ما سعت إليه الولايات المتحدة الأميركية من خلال اغتيال سليماني لم يتحقق، فما زالت إيران تؤدي رؤيتها كلاعبٍ إقليمي في دعم حركات المقاومة، وتستمر في أداء دورها الدولي، وخصوصاً في ملف المفاوضات النووية.