سقوط منظومة التبعيَّة.. سقوط للاحتلال بالضَّرورة
استطاعت أنظمة الخليج الاستمرار حتى السّاعة بتلبية كلّ أهداف الغرب ومصالحه على حساب مصالح شعوبها بالدرجة الأولى.
اعتادت معظم الأنظمة الخليجية أن تضخّم مشكلاتها مع الدول العربية المناهضة للسيطرة الغربية والرافضة لوجود كيان الاحتلال في أرض فلسطين. ومنذ العام 2011، وفي إثر إطلاق واشنطن "الفوضى المنظمة" (الربيع العربي)، لم يعد حكّام الخليج يمارسون سياساتهم العدوانية في العتم، وأصبحوا يمارسونها في وضح النهار.
إنها أنظمة خاوية "ألغت" شعوبها، وارتكزت على بدائية سياسية في منظومة حكم "أبوي واستعلائي" على "مواطنيها" أولاً، وعلى الأشقاء العرب ثانياً. يقابل ذلك "شيمة" الانبطاح أمام الغرب، و"فضيلة" توسل "إسرائيل" كي تعتدي على الدول "الشقيقة" والشعوب المقاومة.
ولا بدّ من مراجعة مواقف هؤلاء المشينة، من عدوان 1967 على مصر وسوريا والأردن، إلى عدوان تموز 2006 على لبنان؛ ففي هاتين المحطّتين من تاريخ الصّراع مع الاحتلال الإسرائيلي، كانت أنظمة الخليج في خلفيّة العدوان مكلّلة بعار الخيانة للإسلام والعرب وكلِّ إنسان حرّ.
ليس هناك نظام خليجيّ لم يقم حكمه على هدر دماء ذوي القربى. الابن يقتل أباه، والشقيق يطعن أشقاءه وأبناء عمومته. سرد سلسلة جرائمهم العائليّة لا يحتاج إلى النّبش، فهو معروف ومنشور. الجديد منها، وليس الأخير، هو فرار زوجة حاكم دبي وابنته منه، في فضيحة شاهدها العالم أكثر مما يشاهد الإعلانات الوفيرة عن مدينة ناطحات السحاب الموهوبة للعودة إلى "العصر الحجريّ" ربما؟
استطاعت أنظمة الخليج الاستمرار حتى السّاعة بتلبية كلّ أهداف الغرب ومصالحه على حساب مصالح شعوبها بالدرجة الأولى، والشّعوب العربيّة بالدرجة الثانية. البيدق السّعودي الأكبر هو أوَّل المنضوين في معركة الاستعمار والتبعية، وهو يشكّل بتخلّف فكره الدّيني الحاجز الأبرز في مواجهة صعود الدولة الوطنية وقواها الحية، فمِن حُكم المؤسس عبد العزيز إلى ابن سلمان وابنه، كانت الدّولة السّعوديّة، وما زالت، الرمح الصّلد الّذي يمزّق كلّ بارقة تحرّر، وكلّ طموح قومي، وأيّ إصلاح في السياسة والاقتصاد والحقوق.
لقد حاربوا جمال عبد الناصر، وحقدوا على السيّد حسن نصر الله، وتآمروا على العراق، وغدروا بسوريا، ودمّروا ليبيا واليمن، لسبب وهدف واحد يضمن تبعيتهم لأعداء العرب الّذين يضمنون بدورهم استمرار حكم هؤلاء وتسلّطهم.
الحملة الخليجية على وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي تشكّل تكثيفاً للمأزق الّذي تعيشه المنظومة الخليجية المنضوية في تطبيع علني أو سري مع "إسرائيل"، وهي إذ تعادي لبنان بشراسة اليوم، تعبّر عن هول خساراتها على كل الجبهات العسكرية والسياسية.
لا، الحرب على أطفال اليمن ليست عبثية. إنها إبادة بيد مجرم عبثيّ. هذا أقل ما يُقال عن مجرمَي الحرب؛ ابن سلمان في الرياض وابن زايد في أبو ظبي. الواجب الإنسانيّ يستدعي محاكمةً كمحاكم "نورنبرغ" للنظامين وأزلامهم، كما يستدعي أيضاً محاكمة كلّ حكومة أو حاكم قدّم أي مستوى من الدعم لـ"مجرمي العصر".
تتشارك المنظومة الخليجيّة مع شرائح واسعة من "النخب" المحلية والعالمية في إنتاج مخططاتها العقيمة في مشروع "أمركة" الوعي العربي تمهيداً "لأسرلته"، واستبدال مفاهيمه الراسخة عن التحرر والاستقلال والإبداع والإنتاج والجهاد والمقاومة، بإحلال واقع مزيف يزين الخضوع والتبعية، ولا ينتج إلا "تسوية" مضادة للعقل حتماً.
تعاني المنظومة الخليجيّة من قوّة المقاومة في لبنان، وفي الأقاليم الواسعة. ردود أفعالها الجنونية عبر الأدوات المحلية، من "كمين خلدة" إلى "غزوة القوات" في الطيونة، دلالة على استماتة هؤلاء لجرّ المقاومة إلى كمين ردود أفعال غير محسوبة، تؤدي إلى صدام أهلي ينتج منه تفكّك حاضن المقاومة الاجتماعي، القريب والبعيد، بوصفه رقماً صعباً في معادلة الصّراع، وقوة تتساوى مع قوة الصواريخ، إن لم تتفوّق عليها أهمية بالمعنى التاريخي.
تضاعف الرياض وأبو ظبي والمنامة جهودها في الهجوم الأميركي "المتعثّر" على لبنان. أسقط الكثير ويتطوعون لمهمات تزيد من قابليتهم للالتحاق بتوجيهات "تل أبيب" مباشرة، إذ لا حاجة لرعاية واشنطن حليفين أصبحا في كفّة واحدة، وسقوط أحدهما هو سقوط للآخر بالضّرورة.