"الناتو" يطوّق روسيا بدماء المهاجرين من وارسو
تتصدّر بولندا التي كانت عاصمتها مركز "المعسكر الاشتراكي" الهجوم على بيلاروسيا بسبب أزمة اللاجئين، بينما تستمر أوكرانيا التي كانت من ضمن الجمهوريات "السوفياتية" بالضغط.
لا تزال كورونا تحصد أرواح الآلاف في عموم دول الاتحاد الأوروبي. ويوماً بعد يوم، يتكشف إجرام إدارة أزمة الوباء، والذي زعزع الاستقرار الاقتصادي، وضاعف التوترات الاجتماعية والسياسية بنسب متفاوتة بين دول "المنظومة الغربية" التقليدية ودول أوروبا الشرقية التي انتقلت من حلف "وارسو" إلى حلف "الناتو"، تحت حلم "الرفاه الرأسمالي" الذي لم يحن أوانه، بعد 3 عقود على سقوط الاتحاد السوفياتي وهيمنة الأحادية الأميركية التي لم تنتج لنفسها أو للعالم سوى أزمات متوالية.
مع ذلك، اغتنى عدد قليل من خلال التجارة بالأزمة، وبعض الأثرياء ضاعفوا ثرواتهم، في حين توفي 1.4 مليون شخص في عموم القارة، بينما تهدد الموجة الجديدة بمضاعفة الخسائر في الأرواح.
تتصدّر بولندا التي كانت عاصمتها مركز "المعسكر الاشتراكي" الهجوم على بيلاروسيا بسبب أزمة اللاجئين، بينما تستمر أوكرانيا التي كانت من ضمن الجمهوريات "السوفياتية" بالضغط، من خلال تكثيف الضغط على روسيا جنوباً في أوروبا الشرقية، وفي منطقة البحر الأسود، الذي تتوافد إليه وإلى أوكرانيا القطع الحربية الأميركية وآلاف الجنود من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
نشرت كييف آلاف الجنود على الحدود مع روسيا، وأعلنت نيتها نقل قطع بحرية من أسطولها إلى بحر آزوف. أي خطوة من هذا القبيل ستعتبرها موسكو استفزازية للغاية، كما حصل في العام 2018، حين دفعت واشنطن بالحماسة الأوكرانية إلى حدود المغامرة وإرسال 3 سفن حربية إلى البحر المذكور، حيث وُوجِهت بالنيران الروسية.
التصعيد الأخير في منطقة البحر الأسود هو ثالث استفزاز كبير لحلف "الناتو" في هذه المنطقة هذا العام، تحت ادعاءات لا أساس لها عن تحرك قوات روسية قرب الحدود الأوكرانية. بعد ذلك مباشرة، وقعت واشنطن مع أوكرانيا اتفاقية "شراكة استراتيجية" تمهد لضم أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، الأمر الذي يرفضه الكرملين، ويعتبره من أكبر الخطوط الحمراء.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصف الأسبوع الماضي انتشار السفن الحربية الأميركية في البحر الأسود بأنه "تحدٍّ خطر، ويولد انطباعاً بأنهم لن يسمحوا لنا بالتخلص من حذرنا. حسناً، فليدركوا أننا لن نتخلى عن الحذر".
يتزامن التصعيد مع ترجيح أنَّ البنتاغون يخطط لدعم أوكرانيا في شن حرب لـ"استعادة" شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في العام 2014، ومنطقة الدونباس (شرق أوكرانيا)، والتي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا منذ العام 2014. وكانت الحكومة الأوكرانية قد أعلنت استراتيجيتها العسكرية لـ"استعادة" شبه جزيرة القرم، ما أثار أزمة مع الكرملين استمرَّت لأسابيع.
يتواءم تصعيد وارسو الهستيري على الحدود مع بيلاروسيا مع الاندفاعة الأوكرانية المتهورة. وقد لا تكون مصادفة أن في البلدين حكومتين تنتميان إلى اليمين المتطرف النتن. "الفاشيون" في وارسو يقومون باستعراضات شبه عسكرية، في حين تستحوذ أوكرانيا على أكبر عدد من "النازيين" الجدد الذين يسيرون بانتظام في الشوارع، ويرهبون ويغتالون المعارضين السياسيين والصحافيين والأقليات العرقية، مع ضمانة إفلاتهم من العقاب.
وبدعم كامل من الاتحاد الأوروبي، يشنّ الجيش البولندي حملة عنيفة على اللاجئين العزّل الذين فروا من الكوارث الاجتماعية والحروب الأهلية التي ولدتها "المنظومة الغربية" في الشرق الأوسط. عدد الضحايا غير المؤكّد قد يصل إلى 200 ضحية، ولا يزال نحو 5000 شخص يعانون من لؤم عنصري أقسى من التجمّد حتى الموت.
تغلق بولندا وليتوانيا الحدود التي يبلغ طولها 1100 كيلومتر مع بيلاروسيا بسياج من الأسلاك الشائكة، ويُمنع الصحافيون وكل منظمات الإغاثة الطبية والمدنية من دخول منطقة يبلغ عرضها 3 كيلومترات، حيث لا شهود على الانتهاكات الأساسية لحقوق اللاجئين، وفقاً لـ"اتفاقية جنيف" التي تدوس عليها حكومة وارسو، بدعم من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومعظم الأحزاب اليمينية في شرق أوروبا وغربها، وتتواطأ معهم وسائل إعلام كبيرة وصغيرة، من أجل منع الهجرة، وذلك بقتل المهاجرين.
تعتزم حكومات بولندا ولاتفيا وليتوانيا استحضار المادة 4 من ميثاق "الناتو"، لعقد اجتماع استثنائي للحلف. ووصف رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي انخراط التحالف ميدانياً في ما يحصل بأنه "أمر حتميّ". وبالفعل، ثمة انتشار لقوات عسكرية من أنحاء أوروبية على الحدود البولندية في المواجهة مع بيلاروسيا.
الاتحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسي يزعمان أنَّ روسيا تستخدم اللاجئين للانخراط في "حرب هجينة" ضدهما، ويتم إخفاء ما يعملان عليه بشكل منهجي لتطويق روسيا عسكرياً، كما كان الحال قبل 3 عقود حين توحدت ألمانيا وسقط الاتحاد السوفياتي. الفرق الوحيد اليوم أن الدول الأوروبية الأعضاء في "حلف وارسو" السابق، إضافةً إلى 3 جمهوريات سوفياتية سابقة في دول البلطيق، انضمّوا جميعهم إلى حلف "الناتو".
لا شكّ في أنَّ حفنة من الأوليغارشية تسيطر على مفاصل الاقتصاد الأوروبي، وهي المسؤولة عن السياسات الإجرامية المنتهجة التي تشكل انقلاباً عنيفاً على مبادئ الديمقراطية، ولا تقود إلا إلى تهور قد يفضي إلى حرب كبيرة ما زال ممكناً تجنّبها.