الاتفاق النووي الإيراني والقمّة الأميركية – الفرنسية
أتي تصريح "ترامب" بأنّ الولايات المتحدة الأميركية قد أنفقت لحماية دول الخليج / 7 / ترليون دولار، وأنّ على دول الخليج أن تدفع هذا المبلغ للولايات المتحدة الأميركية. وبطبيعة الحال فإن هذا التصريح ما هو إلّا رسالة يقول من خلالها للأوربيين بأنّ لكم من هذا المبلغ ما هو كفيل بأن يُجنّبكم مفاعيل الانسحاب من الاتفاق، ولكي يُبقي حبل الابتزاز موصولاً أتبع كلامه هذا بقوله للخليجيين "لمواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة يجب على جنودكم أن يكونوا على الأرض"، وهو العارف بعجز تلك الدول عن تحقيق هذا الأمر، وبذلك ستكون مضطرّة للاستعانة بجنود من دول أخرى مقابل أن تدفع هي مرتّباتهم المالية.
لعلّه أمر مثير للشفقة أكثر ممّا هو مثير للسخرية أن تتحوّل السياسات الأوروبية إلى ظواهر إعلامية جُلّ هدفها هو تغطية القرارات المُتناقضة والارتجالية للإدارة الأمركية المُربَكة، والفاقِدة للرؤيا الاستراتيجية عمّا يحصل في أيّة منطقة من مناطق العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ولعّل خير دليلٍ على هذا الارتباك هو التناقض الحاد في تصريحات ومواقف أجنحة هذه الإدارة، وحتى أن التراجع السريع عن بعض المواقف والتصريحات من قِبَل نفس الجناح قد أصبح أمراً متكرّراً ومعتاداً.
ما يدفعنا إلى هذا الكلام هو المواقف المُتناقضة للرئيس الفرنسي "ماكرون" قبل وأثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، فقد أطلق الرئيس الفرنسي ثلاثة مواقف متناقضة خلال تلك الزيارة، إذ أنه بدأ زيارته بموقف يقول إنّه جاء لكي يُقنع الرئيس الأميركي بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي المُوقّع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد المباحثات فاجأنا "ماكرون" بأنّه يؤيّد الرئيس الأميركي في قراره بالانسحاب، أما في خطابه أمام الكونغرس الأميركي فيقول بأنّه مع البقاء في الاتفاق ولكن بعد تعديله، واقترح بنود تعديل تحتاج لمفاوضات أخرى واتفاق آخر، ولا تمت للملف النووي الإيراني بصلة، بل تتعلق بالصواريخ البالستية الإيرانية، وبالتأثير الإيراني في المنطقة، وبمنع إيران من الوصول إلى البحر المتوسّط.
لا ننكر بأنّ "ماكرون" جعلنا نتتبّع خطواته ومواقفه من دون أن نستطيع معرفة موقفه وقراره النهائيين خلال هذه الزيارة، التي حملت من الاستعراض أكثر بكثير مما حملت من السياسة والاقتصاد وغيرهما، ولا ننكر أنّه وخاصة بعد خطابه أمام الكونغرس، قد أوصلنا إلى قناعة بأنّ هدفه الأول هو طرح فرنسا كتابعة للسياسة الأميركية وبدرجة ممتاز مُبعدة بريطانيا التي احتلت هذا الموقع لعقود.
وهنا يجب أن نُقرّ بأنّ الأميركي يعرف أن كافة الدول الأوروبية، بما فيها ألمانيا، هي في حال تبعيّة لما يقرّره الأميركي ولو بشكلٍ نسبي بين دولة وأخرى، ويعرف تماماً الهواجس والمخاوف الأوروبية بشكلٍ عام وخاصة الفرنسية منها. وقد توصّل إلى قناعة بأنّ الوجع الأوروبي ولاسيما الفرنسي منه يكمن في صفقات التجارة التي عقدتها تلك الدول مع إيران، وذلك عن طريق وزاراتها أو عن طريق شركات خاصة، تكاد تساوي تلك الوزارات من حيث القوّة والتأثير. ونحن نتذكّر أن فرنسا وبكلّ وزاراتها وشركاتها كانت الأسرع بين الدول الأوروبية في توقيع عقود وصفقات مع الجانب الإيراني، وأن الانسحاب من هذا الاتفاق يعني أن أحد الردود الإيرانية سيكون بإلغاء تلك الصفقات، ما سينعكس بشكل سلبي على الحالتين الاقتصادية والاجتماعية، هاتان الحالتان اللتان يؤشّر خطّهما البياني بأنّه يتّجه نحو الأسفل وبشكل مُتسارع.
هنا يأتي تصريح "ترامب" بأنّ الولايات المتحدة الأميركية قد أنفقت لحماية دول الخليج / 7 / ترليون دولار، وأنّ على دول الخليج أن تدفع هذا المبلغ للولايات المتحدة الأميركية. وبطبيعة الحال فإن هذا التصريح ما هو إلّا رسالة يقول من خلالها للأوربيين بأنّ لكم من هذا المبلغ ما هو كفيل بأن يُجنّبكم مفاعيل الانسحاب من الاتفاق، ولكي يُبقي حبل الابتزاز موصولاً أتبع كلامه هذا بقوله للخليجيين "لمواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة يجب على جنودكم أن يكونوا على الأرض"، وهو العارف بعجز تلك الدول عن تحقيق هذا الأمر، وبذلك ستكون مضطرّة للاستعانة بجنود من دول أخرى مقابل أن تدفع هي مرتّباتهم المالية.
وفي النهاية فإن التزمت الولايات المتحدة الأميركية ومَن يسير خلفها بالاتفاق النووي، فسيكون ذلك نصراً إيرانياً جَليّاً، وإن حصل العكس فنحن على ثقة بما يقوله المسؤولون الإيرانيون بأنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد وضعت لكلّ احتمال ما يناسبه من حلول ومعالجات ما سيحوّله إلى مكسب ولو بعد حين، وخير دليل على ذلك هو تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، ومنهم المتحدّث الرسمي بإسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية "بهروز كمالوندي" الذي يقول إنّه وفي حال الانسحاب الأميركي من الاتفاق، ستكون إيران قادرة وخلال 48 ساعة فقط على رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20%. ولو حصل ذلك فسيكون بمقدور إيران أن تكون دولة نووية خلال فترة قصيرة، مع أنّ كل التصريحات الإيرانية ومن أعلى المستويات تنفي نيّتها امتلاك سلاح نووي، بل وتُحرّم ذلك بشكلِ قاطع.