حلب دوامة الدم
الثالث والعشرون من نيسان/ أبريل. سيبقى هذا اليوم ذكرى مريرة في تاريخ حلب. جدد ذكريات المدينة بمجازر المغول والتتار. يوم شكل بداية لدخول الشهباء في دوامة الدم. بعد 48 ساعة من هذا اليوم ليس كما قبلها. وجه حلب اختلف ولكن لابد من تسجيل حقيقة تبقى للتاريخ إن كان في العالم من يحبذ سماع الحقيقة.
الهدنة سقطت في المدينة كما أسقطتها جبهة النصرة سابقاً في الريف. مساء السبت فتحت أبواب جهنم على الجبهة الغربية لمدينة حلب، اشتباكات على محاور القتال في الجبهة الغربية، لم يكتب لـ 600 مسلح النجاح في الوصول إلى حي حلب الجديدة غرب المدينة. فشل الهجوم، خلّف 150 مسلحاً قتلى، سهرت حلب بالمطلق على أصوات الإشتباك والقصف الصاروخي المتبادل. لم يتوقف قصف الأحياء المدنية بعد فشل الهجوم. الساعة الثانية عشر ظهراً تجدد القصف، 5 شهداء في حي الموكامبو نتيجة لقصف الحي من مسلحي "لواء بدر" في حي بني زيد، العدد يعتبر ضخماً خاصة أنه في ساعات الصباح الأولى. لم تمض ساعة حتى فتحت أبواب جهنم مجدداً، بات الخوف مسيطراً على الجميع، كأن شبح الموت يمتطي قذيفة هاون أو صاروخاً محلي الصنع لحصد أرواح الأطفال والمدنيين. سؤال واحد نسمعه هنا من الأهالي "استاذ لماذا لا يرد الجيش على مصدر النيران؟" ولعل السؤال الأكثر إحراجاً هو "أستاذ هل يوجد منطقة آمنة نلجأ إليها؟".
احتقان عام كان بالإمكان أن نراه في وجوه الجميع، الدماء تملأ شوارع الأحياء الغربية ولا حلول تلوح في الأفق. المضحك المبكي أن يخرج الروسي ويتحدث عن 15 خرقاً للهدنة في سوريا. كتب أحد المحامين في حلب استفساراً مفاده "هل يقصد الروسي أن الخروقات كانت في حلب الجديدة فقط؟". فعلاً إحصائية غير منطقية على الإطلاق. كيف لها أن تكون منطقية وفي 24 ساعة استشهد في أحياء حلب الغربية أكثر من 25 مدنياً، وشهدت جبهة المدنية الغربية محاولة تسلل تبعها اشتباك لـ12 ساعة؟ بعد 48 ساعة الشارع الحلبي الذي لم ير أي رد من الجيش بدأ يفقد الأمل والثقة. بات الجميع على يقين أن حلب تباع في لعبة الأمم. لعنة المدنيين في حلب باتت تطال الحلفاء أولاً لأنهم فرضوا الهدنة ومن ثم المسلحين لأنهم يقتلون المدنيين. استمرار القصف واحتقان الشارع أرسى معادلة النار بالنار. جاء أول رد للجيش السوري على مصادر إطلاق النار، بدأت المدفعية بضرب حي بني زيد، ومن جديد سمعت أصوات الطيران في سماء حلب. دخلت المدينة دوامة الدم. في الأعداد والأرقام تقول الإحصائيات إن أعداد الشهداء في أحياء حلب الغربية تجاوز 100 شهيد مدني، والجرحى فاق عددهم 600. دمار هائل في الممتلكات وعوائل بات العراء مأوى لها. يوم الأربعاء من الأسبوع ذاته قصفت الجماعات المسلحة مشفى ابن الرشد غرب حلب، لم يتأخر الرد فتحدثت الجماعات المسلحة عن قصف لمشفى ميداني في حي الكلاسة، قالت التنسيقيات إن الطيران الحربي قصفه. وكأن القصف يرد عليه بالمثل هنا باتت حلب أمام المثل الشعبي الشهير، "العين بالعين و السن بالسن والبادئ أظلم".حلب اليوم وبعد ثمانية أيام من القصف والقصف المضاد تقف على حافة الهاوية، فالمدينة تعاني أصلاً ضعفاً في القطاعات كافة. لم يرحم أحد أبناء المدينة فباتوا مختبراً لتجارب لعلها الأولى في تاريخ الحروب. في حلب فقط تقطع المياه عن المدنيين تحت مسميات وذرائع واهية. هبة الله لخلقه باتت نقمة يفرضها عباده على عباده. عطش أهل حلب يدخل عامه الثالث، لم يرق قلب المسلحين بعد على ساكني حلب وأهلها، قطع المياه لا يطال الأحياء الغربية بل يصل إلى شرقها أيضاً. ليس المسلحون فقط بل الحكومة السورية لا يمكن أن تستبعد عن التقصير والإهمال. ثلاث سنوات وفساد النظام الإداري ومسؤولي المدينة يحول دون العمل على حلول حقيقية لهذه الأزمة.ليست المياه وحدها فأهل حلب يعانون الويلات من فقدان للكهرباء، المحروقات تشكل بحد ذاتها أزمة خانقة، كأن الحكومة لا ترى هذه المدينة على خارطة الخدمات السورية.حلب اليوم تعيش كارثة إنسانية حقيقية. لا صوتَ يعلو فوق صوتِ الرصاصِ والقصفِ في شوارعها... لم تعد المنازل ملجأ آمناً لأهلها. هي ضريبة الحرب تدفعها عاصمة الحمدانيين مضاعفة. في ظل الهدنة استشهد 94 مدنياً وجرح 440. هنا نتحدث عن أحياء المدينة الغربية فقط. وما بعد الهدنة تضاعف العدد في أيام فقط. لم يخطئ من وصف الشهباء بالمدينة الأخطر عالمياً. لا يروق للحلبيين أن يسمعوا هذا الوصف، لكنهم يعيشون تفاصيله في كل خطوة يخطونها.يقول يوسف تاجر حلبي، "يا أخي خلص خسرنا كلشي، بيوتنا تدمرت، مصانعنا سرقت، والموتة وحدة والرب واحد". عبارة لعلها تختصر المشهد الحلبي بالكامل.