الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والسلام على الطريقة الفرنسية
عقود من الموت ومن المقاومة الفلسطينية مرّت، عقود من الاحتلال والإذلال الصهيوني، عقود أخرى من الخيانات والانقسامات العربية، بالإضافة إلى تواطؤ ونفاق قوى كبرى، كل ذلك لم يستطع إطفاء الأمل الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس..
فرنسا الآن هي حاملة اللواء، وهي ذاتها التي قصفت ليبيا وتعمل على تقسيم سوريا.
سنوات عديدة انقضت وانطوت على الكثير من التحركات السياسية المكثّفة
والمؤلمة، ومن الحروب والإرهاب الذي يقتات على البترودولار والموجه ضد سوريا،
إثر سنوات أخرى مثقلة بجراح العراق وليبيا وكذلك اليمن.. جراحٌ لم تندمل حتى يومنا
هذا واللاعبون الإقليميون يغضون الطرف مرة أخرى عن مأساة تبدو أن لا نهاية لها.
عقود من الموت ومن المقاومة الفلسطينية مرّت، عقود من الاحتلال
والإذلال الصهيوني، عقود أخرى من الخيانات والانقسامات العربية، بالإضافة إلى
تواطؤ ونفاق قوى كبرى، كل ذلك لم يستطع إطفاء الأمل الفلسطيني في إقامة دولة
مستقلة عاصمتها القدس..
والآن يعود الكلام عن رايات السلام من جديد، ولكنّ
يجب أن يكون سلاماً عادلاّ وغير مشروط. ضوء خافت يأتي من أوروبا، والممثلون
الفلسطينيون لا يريدون له أن ينطفئ. فرنسا الآن هي حاملة اللواء، وهي ذاتها التي قصفت
ليبيا وتعمل على تقسيم سوريا، لكنّها تقول بأنّها تشعر بالقلق حيال "حل
الدولتين الدي هو الآن في خطر"، وفي موازاة كل ذلك، يتواصل رمي القنابل
الإسرائيلية أكثر من قبل على غزة المحاصرة من قبل مصر، وسط صمت دولي متواطئ في هذا
الاتجاه، بما في ذلك العديد من الدول العربية.
هل يريدون السلام حقاً؟
جاءت المبادرة الفرنسية تحمل زخماً كبيراً في مقترحاتها، ولكن لا شيء
أكثر من ذلك. الفكرة، وفقا للحكومة الفرنسية، هي استئنافٌ لمحادثات السلام بدعم ٍ
دوليٍ، ولكنها لم تأتِ على ذكر ما يشير الى أنها تمتلك فعلياً وسائل قوية
للمضي قُدُماً في أمرٍ كهذا.
الأمر الذي سيكون فعلاً مثيراً
للاهتمام يتجلى في قدرة باريس على إقناع تل أبيب بالجلوس والتفاوض. ولاسيما أن
اثنين من كبار مسؤولي تل أبيب: رئيس الوزراء بنيامين نيتياهو ووزير الدفاع
الجديد أفيغدور ليبرمان يعتبران أنه لن يكون
هناك دولة فلسطينية
طالما أنهما مستمران في الحكومة
الإسرائيلية. علاوة على ذلك فالصهاينة لن يقوموا بأي خطوة ملموسة في هذا المجال
قبل وصول الساكن الجديد أو الساكنة الجديدة للبيت الأبيض، فالعلاقات مع
أوباما ولو أنها لم تبلغ حد
القطيعة، إلاّ أنها افتقرت للمودة المعهودة.
بالرغم من أنه أمر قد ألفناه، إلاّ أن إفلات إسرائيل من العقاب بشكل
مفرط لا ينفك يثير الدهشة، وقادتها يشعرون بأنهم في وضع إقليمي إيجابي وليس هناك من
ضغوطات تمارس عليهم لدفعهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
توجّه الجميع إلى الحفل الباريسي، بما في ذلك واشنطن بحماسها البارد
والمعهود. وقد أبدى هذا الجمع رغبته بالسلام والدعوة من أجله، إلاّ
أنه لم يقم أحدهم بخطوات جدية من أجل تحقيق ذلك، سوى أنهم ربتوا على الكتف
الفلسطيني، و أطلقوا البيانات الأنيقة وأقاموا الحفلات والأعمال الخيرية
الصرف، التي لا يمكن الخلط بينها وبين التضامن.
كل شيء كان عبارة عن عملية إخراج لمشهدية تهدف الى أمرين: المحافظة
على ماء الوجه (أو على الشكليات) وعدم تنازل أي واحد منهم عن فضائه . فحقيقة الأمر
هي، بالرغم من أن ما من أحدٍ يريد الاعتراف بذلك علناً، فالحل الذي ينشده
الفلسطينيون يبقى ضرباً من المستحيل بالنسبة للمعنيين في هذا الملتقى.
التفسير بسيط جداً. ففي المقام الأول، العرب ليسوا على توافق،
فمواقفهم ومصالحهم تغذي انقسام الشعب الفلسطيني وممثليه. هي الخلافات نفسها التي
دفعت بعض الأنظمة الملكية في الخليج الفارسي للمشاركة في عمليات سفك الدماء في
ليبيا وسوريا، حتى وصل بهم الأمر إلى حد التعاون مع إسرائيل.
أمّا العامل الثاني، والذي بات معروفاً، هو أن الولايات المتحدة،
بعيداً عن التناقضات حول بعض التفاصيل، تبقى الحليف المخلص لإسرائيل، لأن إقامة
دولةٍ فلسطينيةٍ حرةٍ ومستقلة أمرٌ غير مرغوبٍ به في واشنطن، وإلا، لو كان غير
ذلك، لكان تحقق هذا الأمر منذ زمن بعيد. فهل من أحد يشك في ذلك؟
وليس علينا أن ننسى أيضاً أن
المساعدات الأميركية إلى تل أبيب تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً، وأن القنابل
التي تمطر على غزة تعمل بتكنولوجية أميركية، وإسرائيل تكاد تكون عضواً في
حلف الناتو، حيث تلتقي بحيوية مع فرنسا، المملكة المتحدة، إسبانيا، وعدد لا بأس به
من دول أوروبا، وحتى مع بعض الدول العربية التي يُفتَرض أنها على عداء معها،
مثل الأردن وقطر والكويت.
وقد تم مؤخرا وبشكلٍ رسميٍ
إطلاق عمل بعثة إسرائيلية لدى حلف الناتو، ولكن إسرائيل كانت قد ارتبطت
بمنظمة حلف شمال الأطلسي قبل ذلك بكثير، من خلال
"برنامج التعاون
الفردي"الذي ينص على التعاون بين أجهزة المخابرات للدول الحلفاء وربط
النظام الإلكتروني لحلف الأطلسي مع القوات الإسرائيلية، بما في ذلك الطاقة
النووية. فهل بعد كل ذلك، تصلح المراهنة على الالتزام الأوروبي والأميركي
تجاه القضية الفلسطينية؟
أما العنصر الثالث المؤثر، فهي مواقف القوى الكبرى الأخرى التي
يتشكل منها مجلس الأمن والتي تأخذ بالاعتبار النقاط التي سبق ذكرها، وتقتصر
- في مواجهتها للضغوط المعنوية التي تنتج عن الظلم الفادح الذي يُرتكب ضد
الفلسطينيين - على التلميحات والكلام المنتقى، في الوقت الذي يتجنبون فيه أي احتكاك
يتعارض مع اللاعبين المؤثرين في المنطقة.
روسيا هي مثال على هذا الواقع. فموقفها البارز المؤيد للسلام مع حل
الدولتين الذي يستند الى حدود عام 1967 والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو
من المواقف الموروثة عن الدبلوماسية السوفياتية التي لم تستطع أو لم ترغب في ذلك
الوقت، بالضغط للتوصل الى اتفاق عادل في إطار قرارات الأمم المتحدة وفي ظل
ميزان للقوى أكثر ملاءمة. أما اليوم ، وبعيداً عن ترابط سياستها الخارجية، فإن لدى
موسكو علاقات جيدة مع إسرائيل، وتعترف بها كلاعب إقليمي له وزنه في المنطقة..
عمّا تبحث فرنسا إذن من خلال مبادرتها ؟ يبدو أن باريس ، بصرف النظر
عن طموحها في غسل وجهها وتقديم نفسها مجدداً كداعية للسلام، تحاول العودة إلى
الطيّات السياسية للمنطقة ، حيث لم تعد تُستخدم منذ وقت بعيد لغة موليير خاصتها،
بل استخدمت السلاح والنهج التدخلي الذي يميّز ا
لفيلق الفرنسي الأجنبي ،
وفي هذا الاتجاه ، تشكل القضية الفلسطينية بالنسبة لفرنسا بوابة أخرى يمكن
الولوج منها.
باريس كما واشنطن، كان عليها أن تراقب، وهي في وضع العاجز، كيف
تمكنت روسيا من وضع أكثر النقاط على الحروف في المنطقة، وأن تحقق
تحولاً في بعض الديناميكيات الإقليمية وأن تقيم لنفسها حضوراً، هو بالنسبة
للكثيرين غير مقبول، لكن الجميع يقر بأنه حقيقي وملموس.
بناءً على ما تقدم، تسعى المبادرة إلى إعادة ربط وتنسيق الجهود وسد
الثغرات بغية منع سوريا وايران، حليفتي روسيا، من إعادة تنشيط تأثيرهما في
المنطقة، ولاسيما داخل أطياف القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية. وفي هذا
السياق يوجد تناسق بين تطلعات المملكة العربية السعودية وفرنسا. وعلاوة على ذلك،
يعتقد كثير من المحللين أنه بعد الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران وكلمة
"قف هنا" التي وضعتها روسيا في سوريا، بالإضافة الى تجدد لعبة الطاقة
العالمية، تقوم واشنطن بمراجعة التحالفات في المنطقة، والرياض لا تريد أن
تترك شيئا رهناً للتلقائية.
باختصار، فإن القضية الفلسطينية لا تزال محتجزة داخل خيوط شبكةٍ
معقدةٍ من المصالح والمناورات في منطقةٍ تواصل إفراز ديناميكيات ومستجدات
يصعب التنبؤ بها أحياناً.
المبادرة الفرنسية محكوم عليها بالفشل، طالما ستمتنع عن معالجة
القضايا بعمق وموضوعية، فهي لا تتعدى كونها ببساطة مناورة دبلوماسية بأرقى
نمط فرنسي، حيث تم استبدال رومانسية الأيام الخوالي بالصلف والوقاحة، وسط طفرة
دراماتيكية سعياً للحصول على حصة من كعكتها القديمة.
الفيلق
الأجنبي الفرنسي: هي وحدة عسكرية فريدة في الجيش الفرنسي التي أنشئت في
1831. الفيلق أنشئ خصيصا للأجانب الذين يرغبون في أن يخدموا في القوات المسلحة
الفرنسية ، ولكن بقيادة الضباط الفرنسيين. ومع ذلك ، فإنه أيضا مفتوح للمواطنين
الفرنسيين.