زيارة السيسي إلى الرياض والعصا السحرية
لا يمكن لأيّ رئيس مصري أن يتجاهل تلك الحقيقة المؤكّدة عبر التاريخ ، قديمه وحديثه ، ولعلّنا نتذكّر صيحة الرئيس الأسبق محمّد مرسي الشهيرة " لبيّك سوريا " أمام حضور مؤتمر "نصرة سوريا" ، التي كانت آخر مسمار في نعش حُكمه الذي لم يتجاوز العام ، وفي هذا السياق أذكر أن أغلب قادة المجلس الأعلى للقوات المُسلّحة المصرية - الذي كان يضم " اللواء " عبد الفتاح السيسي ـ وقتما كان رئيساً للاستخبارات العسكرية في أواخر العام ٢٠١٢ - أكّدوا أثناء حضوري أحد اجتماعات اللجان الاستشارية للمجلس على هذه الحقيقة .
الملفات الثلاثة تضع العلاقات في منطقة رمادية مابين التعاون والقطيعة، ما يجعلنا نقف في مكان مختلف عن الطرفين المُتفائل منهم والمُتشائم
تحظى زيارة الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي إلى عاصمة المملكة السعودية بصخب صحفي وإعلامي، توزّع ما
بين التفاؤل المُفرط بأن الزيارة ستطوي كل ملفات الخلاف بين البلدين ، وتشاؤم مشوب
بالتخوّف من صفقات سرّية ، تُفضي إلى التسليم الرسمي الكامل بسعودية جزيرتي تيران وصنافير
،مقابل دعم اقتصادي يتضمّن تنفيذ الاتفاقات التي أعلن عنها إبّان زيارة الملك السعودي
سلمان بن عبد العزيز الأخيرة إلى القاهرة ، والتي صحبها ضجيج بلا طحين .
وأعتقد أن كلا الفريقين
ليس مُصيباً في توقّعاته أو أمنياته ، فالخلافات في بعض الملفات ، والتي أسهمت في توتير العلاقات بين البلدين ـ مازالت حاضرة
ـ ويصعب على أيٍّ من البلدين أن يتراجع عن مواقفه من القضايا العربية الساخنة ـ وخاصة
لجهة الأزمة السورية التي تمثّل أمناً قومياً لمصر.
ولا يمكن لأيّ رئيس
مصري أن يتجاهل تلك الحقيقة المؤكّدة عبر التاريخ ، قديمه وحديثه ، ولعلّنا نتذكّر
صيحة الرئيس الأسبق محمّد مرسي الشهيرة " لبيّك سوريا " أمام حضور مؤتمر
"نصرة سوريا" ، التي كانت آخر مسمار في نعش حُكمه الذي لم يتجاوز العام ،
وفي هذا السياق أذكر أن أغلب قادة المجلس الأعلى للقوات المُسلّحة المصرية - الذي كان
يضم " اللواء " عبد الفتاح السيسي ـ وقتما كان رئيساً للاستخبارات العسكرية في أواخر العام ٢٠١٢ - أكّدوا أثناء حضوري أحد اجتماعات
اللجان الاستشارية للمجلس على هذه الحقيقة .
وكان ينتابهم قلقٌ
بالغ على الجيش السوري ، ما دفع المشير محمّد حسين طنطاوي ، عندما علِم بأنني سأزور
دمشق خلال أيام ، أن يطلب مني حينما أعود أن
أقدّم لهم تقييماً دقيقاً للوضع في سوريا، وقد كان لتقييمي الذي كان يحمل مؤشّرات
إيجابية وقعٌ طيّب للغاية على " اللواء " عبد الفتاح السيسي .
أما الملف الثاني
فخاص بالأزمة اليمنية التي سعت إدارة الرياض حثيثاً لدفع مصر في التورّط عسكرياً في
حربها ضدّ اليمن، وكان الموقف المصري مشدّداً على أن دوره سوف ينحصر في مراقبة الوضع
عند مضيق باب المندب الذي يمثّل عمقاً استراتيجياً لمصر ، ما جعل المشاركة المصرية
تقتصر على قوات بحرية وجوية.
تبقى أزمة جزيرتي
تيران وصنافير، والتي وضعت القيادة السياسية المصرية بين مطرقة القيادة السياسية في
الرياض، وسندان الشعب المصري في غالبيّته الذي يرفض وبحسم انتزاع الجزيرتين من السيادة
المصرية، حتى لو كانت هناك وثائق تاريخية تُثبت أحقيّة المملكة السعودية، اعتماداً
على أن الأرض لمن يدفع الدماء ثمناً لترابها.
هذه الملفات الثلاثة
تضع العلاقات في منطقة رمادية مابين التعاون والقطيعة، ما يجعلنا نقف في مكان مختلف
عن الطرفين المُتفائل منهم والمُتشائم، ونرى أن الزيارة لم ولن تثمر عن عصا سحرية
لحل الخلافات بين البلدين، وظنّي أن الطرفين توصّلا بعد توتّر ، دام أكثر من عام،
إلى قناعة مفادها أن يقبل كل طرف الآخر بانحيازاته ورؤاه السياسية، على أن يتعاونا
وينسّقا في ما هو متّفق عليه ، وخاصة لجهة مقاومة الإرهاب أو " البعبع "
الإيراني، وفي هذا أنحاز لمبادرة العراق التي
طرحها السيّد عمّار الحكيم أثناء لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمُتضمّنة
استضافة مصر لاجتماع اقليمي يضمّ مصر والعراق وإيران وتركيا والسعودية للعمل على حلّ
أزمات المنطقة عبر الحوار.