تعيش تركيا اليوم حالة من الانقسام العمودي بين تيّارين
هل يمكن القول
: إن الاستفتاء الرئاسي الذي جرى في تركيا أدّى إلى انقسام واضح في الشارع التركي
؟ وهل يمكن الانطلاق في هذا التحليل من أن اسطنبول التي كان يُراهن عليها أردوغان
ويردّد أن مَن يربح في اسطنبول يربح في تركيا كلها ؟ ومَن يخسر بها يخسر في تركيا
كلها ؟.
نعم ، كانت
اسطنبول على رأس المُدن التي صوّتت بـ «لا» وتلتها العاصمة أنقرة ثم إزمير ، فهل
يمكن اعتبار ذلك انقلاباً على نهج حزب «العدالة والتنمية» ؟
تعيش تركيا اليوم
حالة من الانقسام العمودي بين تيّارين : إسلامي عثماني طوراني، يقوده الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ومن خلفه رئيس الحركة
القومية دولت بهشلي ، وعلماني أتاتوركي يقوده حزب الشعب الجمهوري وكل من يرفض
سياسة حزب العدالة والتنمية وسياسة أردوغان .
الرافضون للاستفتاء
يرون أن عملية التصويت ليست سليمة ، وأن الفارق في النتائج كان بسيطاً بسبب الأظراف
غير المختومة ، والتي يصل عددها إلى مليونين ونصف المليون ، بنسبة تصل إلى / 4 / %
، ما يعني أن
النتيجة كانت ستكون حتماً لصالح رافضي الاستفتاء .
الانقسام العمودي
في الشارع التركي أيضاً يبدو واضحاً في تركيا أكثر من أيّ وقت مضى ، وخصوصاً في اسطنبول
، إذ خرج آلاف المتظاهرين رافعين شعارات تقول : "جنباً إلى جنب ضدّ الفاشية"
و "الـ"لا" لم تنته" و"الـ"لا" ستفوز" .
الرفض القاطع لنتائج
الانتخابات كان قد أعلن عنه رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بتغريدة على حسابه على تويتر قال فيها : "
لا ولن نعترف بنتائج الاستفتاء " مشدّداً على أنه لا بدّ من الإعادة .
أردوغان لم يُعر
اهتماماً لحجم النتيجة المُخيبة للآمال بالنسبة له ، حيث كان يطمح لـلوصول إلى 60
% من الأصوات ، ولم يُعر اهتماماً للاتّهامات بالتزوير ، كما أنه ردّ على منظمة الأمن
والتعاون الأوروبية بقوله : " فلتذهبوا إلى الجحيم " لا بل عمد إلى تمديد
حالة الطوارئ والإعلان أنه سيجري استفتاءً لتطبيق عقوبة الإعدام ، وهي خطوة من شأنها
على الأرجح أن تقضي على أيّ أمل في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي .
وفي تحدٍ واضحٍ
للعلمانيين وفريق " لا " للتغيير الدستوري ، قام أردوغان بزيارة أضرحة كل
من رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، والرئيس الثامن لتركيا تورغوت أوزال، ورئيس الوزراء
نجم الدين أربكان، عقب إعلان نتائج الاستفتاء ، متجاهلاً ضريح مؤسّس تركيا الحديثة
مصطفى كمال أتاتورك ، ما يؤكّد أن الرجل حدّد وجهته وانتهى الأمر من دون أيّ اكترث
لانقسام الشارع التركي .
وهنا .. لا بدّ
من التوقّف عند الموقف الأوروبي ، حيث نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تصريحاً لرئيس
وزراء النمسا كريستيان كيرن يقول فيه : "حلم تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي
دُفن تحت التراب".
أردوغان .. لا يمكن أن يُسلّم بالخسارة ، والكل
يتذكّر خسارة حزبه لانتخابات السابع من حزيران عام 2015 حيث أعلن قسم كبير من
الشعب التركي رفضه لسياسات ( حزب العدالة والتنمية ) ، ولم يحصل الحزب في حينها إلا
على 258 صوتاً من أصل 550 في مقابل 297 صوتا للمعارضة ، لتتوزّع أصوات المعارضة بين حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة ، وحزبي
الحركة القومية ، وحزب الشعوب الديمقراطي ، وهو ما وُصِف في حينه بـ ( الزلزال
السياسي ) أو ( الانقلاب الكبير ) ضدّ حزب العدالة والتنمية وزعيمه الفعلي رجب طيّب
أردوغان .
أردوغان .. لم يرضَ بتلك الانتخابات ، وعمل
على إعادتها والفوز بها ليصل عدد المقاعد
التي حصل عليها / 317 / مقعداً ، مع تراجع لكل من حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي
، ولم يكتفِ بذلك بل
لاحق صلاح الدين ديمرطاش وفيغان يوكساغ رئيسي الحزب، ووضعهما في السجن
بحجّة دعمهما
للإرهاب، وشنَّ حرباً ضروساً على حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً لدى
الحكومة التركية .
الهزّة الثانية كانت في الخامس عشر من تموز ،
وهذه المرّة ، شهدت تركيا انقلاباً عسكرياً حقيقياً ضدّ الرئيس أردوغان بكل معنى
الكلمة ، قُتل فيه أبرياء ، وأُزهقت أرواح ، أردوغان استغل الانقلاب وقام بإغلاق
العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف ، إضافة إلى اعتقال مئات الصحفيين
والقُضاة والضبّاط ، وطرد كل من ثبتت عليه تهمة تأييد فتح الله غولن ( رئيس حركة
الخدمة ) شريكه السابق ، باعتباره المُتّهم الأول بالانقلاب .
فهل سيؤدّي الانقسام العمودي في الشارع
التركي إلى تفكّك حقيقي في بُنية الدولة التركية ؟ كما هو حاصل في جنوب شرق تركيا ،
أم أنّه سيبقى كالنار تحت الرماد؟ لكن إلى
متى ؟.