متى يزور شيخ الأزهر النجف الأشرف؟
متى يزور شيخ الأزهر النجف الأشرف؟بابا الفاتيكان قام على مدى يومي الجمعة والسبت 28 و 29 أبريل بزيارة تاريخية - بكل المقاييس - إلى القاهرة. شهدت وقائع روحانية، غسلت بعض الأحزان من ثوب مصر.
وقد أظهرت لقطات كثيرة ومتنوّعة حركة السيارة، بينما كان الزجاج مفتوحاً، والبابا في داخل السيارة، في سلوك متَّسِق مع دعوته قبل مجيئه إلى مصر، حيث قال : إنه جاء برسالة سلام لا تخشى العنف. وهو ما أكّدته أيضاً كلماته في القاهرة: «لنكرِّر معاً، من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر والمؤمنين، لنكرّر - لا - قويَّةً وواضحةً لأيّ شكلٍ من أشكال العُنف، والثأر والكراهية يُرتَكَب باسم الدين أو باسم الله».
ولأننى نمت ليلة الجمعة الماضية، وأحداث الزيارة تتحرّك أمامي، وكأنها شريط سينمائي ، فقد رأيت فيما يرى النائم ، الظاهر بيبرس ، يحمِّلني برسالة إلى الدكتور أحمد الطيب شيخ جامع الأزهر، ولأننا على أبواب شهر كريم ، كان لزاماً عليّ أن أستجمع شجاعتي ، وأرسل الرسالة عبر الهواء، لتكون جموع القرّاء شهوداً عليها..
من الظاهر بيبرس إلى شيخ الأزهر:
لماذا لم تدعوني إلى مؤتمر السلام! فضيلة الشيخ الطيب، شيخ الأزهر.. السلام عليكم.
أعرِّفُك بنفسي بداية، فربما طال الأمد بنا فنسيتني، أو زال ذكري -عن طريق الخطأ- في أحد تنقيحات المناهج المدرسية. اسمي الظاهر بيبرس، سلطان مصر والشام، ومؤسّس الدولة المملوكية، يسمّونني في كُتب التاريخ " الفاتح"، لكثرة الحروب والفتوحات، ويُلقّبني البعض " مُكرم العلماء" ، لكثرة استماعي لهم، وتقريبهم مني. ورغم ما مرّ وما يمرّ مازال لكلمات العلماء في قلبي اشتياق، وفي الإصغاء إلى كلماتهم الترياق. فما بالك بكلمات هزّت مشاعر الإنسانية جمعاء! هذا حقٌ يا فضيلة الإمام، وحصل بالفعل أمام كل الأنام، في كلماتكم الرائعة في مؤتمر السلام. وزادني فخراً وعزاً أن تكون كلماتكم هذه بحضور بابا الإسكندرية وبابا الفاتيكان اللذين وقّعا في مصر وثيقة التعايش بأمان. لتعود مصر منارة لاختلاف المذاهب والمشارب وإعلاء قيمة الإنسان. حاربت - في زماني – الصليبيين، والمُغُول سنين وبلاداً، وصنعت من معاركنا تاريخاً وأمجاداً. ليس لأقتل المُخالف، ولكن كانت حرباً على التعصّب والعناد. لذلك نصرني الله، ثم نصرني أبناء الديانات والمذاهب الأخرى. فالحق يعلو ولا يُعلى عليه. وحين عدت إلى مصر أعدت إلى الأزهر الحياة بعد 100 عام من الإغلاق، ليكون منارة لهذه المبادئ والأخلاق. والحق أن الأزهر كان أهلاً لذلك، فعلا وعلت به أمتنا، وزادنا الله بركة في بلادنا وفتوحنا. وبرغم كل الانتكاسات والانحرافات، وما شاب أمتنا من تناحرات وخلافات ، فإن الله كان يُرسل لنا في كل زمان مَن يُعيد إلى الأزهر مكانته، ويُعيد إلى فكرتي الحياة. وحيث إن كلماتكم أثرّت بي، كما أثّرت في الملايين، وأحسست فيها صدقاً ويقيناً، قرّرت أن أكتب لك، ولكل المسلمين. فقد أثارني سؤالك حين قلت: "ولايَزالُ العُقَلاء وأصحاب الضَّمائر اليَقِظَة يبحثونَ عَن سَببٍ مُقنِع وراء هذه المآسي التي كُتِبَ عَلَينا أن ندفعَ ثمنَها الفادِحَ من أرواحِنا ودمائِنَا". فهذا سؤال لطالما جال في خاطري، وأنا أرى أبناء أمُتنا يقتلون بعضهم بعضاً في بغداد، وحمّى القتل الطائفي تنتقل في البلاد، ولا نرى دور الأزهر الجامِع المُعتاد. وحين أجبت بعد ذلك بقولك: " اللَّهُمَّ إلَّا سَبباً يَبدو معقولاً ومقبولاً، ألَا وهو تِجَارَةُ السِّلاح وتَسْويقُه، وضمانُ تشغيل مصانع المَوت، والإثراء الفَاحِش من صفقاتٍ مُريبةٍ، تسبقها قَرارَاتٌ دوليَّةٌ طائشةٌ". فعلمت مدى إلمامك ببواطن الأمور، وأن ما يحدث لا علاقة له بمذهب أو دين، وما دخل على منطقتنا ليس من صفات أبنائها، وإنما من تدخّلات الآخرين. كل ذلك أجرى في رفاتي الأمل كأنه دم الوريد، وأيقظ حلمي وثقتي في الأزهر من جديد. فكتبت لك هذا الخطاب: من الظاهر بيبرس إلى شيخ الأزهر
أسعدني أن أعدت فتح الأزهر قبل أكثر من 750 عامًا، ليستضيف اليوم مؤتمر السلام، تأكيدًا على قيمته ومكانته، منارة للعالم ومنبرا للإنسانية على مر الأيام.
وأحزنني ألا تدعو أبناء دينك، وسكان الأزهر القدامى. أليس الشيعة أولى بالجيرة وأولى بالسلام؟ وزيارة النجف الأشرف قد آن لها الآوان ، وأولى بأن تبادر بوثيقة شبيهة بالوثيقة الباباوية، لتعيد أبناء الوطن والدين الواحد إلى حضن الوئام؟ فيكتب اسمك بأحرف من نور إلى جانب الشيخ الإمام محمود شلتوت، وشيوخ الأزهر العظام. فإن كنا نعلِّم العالم السماحة، أفلا ليس أولى بهذه السماحة أن تكون أولا بين أبناء الإسلام الواحد؟! فضيلة شيخ الأزهر، أسعدتني دعوتك للسلام، وبانتظار دعوتك إلى وحدة أبناء السلام.