موت خلف عيون سماوية
فاطمة ستصبح واحدة من سلسلة طويلة، ستجعلنا أخيراً، نكف عن الدهشة. مأساتنا هنا تحديداً! في انعدام الدهشة واستئناس الفظاعة بوصفها أمراً عادياً. ففاطمة ستكون مثل من سبقها وسيليها، ضحية من يرسم للأطفال شكل الجنة ويجعل مخيلاتهم محل رغبة مكثفة بما هو خارج حدود الموجود والممكن.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 21 كانون الأول 2016 15:21
فاطمة وأختها وغيرهما هم البديل الجهنمي لصانع الموت
الله ليس بعيداً. الله قريب
من قلوب الاطفال. يحبونه كأنه يدخر لهم ألعاباً كثيرة. الاطفال يحبون الحياة أيضاً.
يشبهونها. يحيلونها، بابتسامة، متفتحة مثل وردة نديّة. الأطفال أكثر الكائنات قدرة
على تحرير الحياة من أثقال بؤسها. ولذلك فإنهم يسددون ضرائب من يكبرونهم سناً.
فاطمة، الطفلة التي فجرت
نفسها، أو ربما تم تفجيرها في مركز للشرطة في دمشق، واحدة من هؤلاء. ما تعلمه
فاطمة وما تريده وتراه وتسعى إليه، لا سبيل لنا إلى معرفته. الكبار يصادرون من
الصغار ألسنتهم عن النطق بالحقيقة.
لم يترك لفاطمة خيار اللعب
حتى تدنو من الصبا. لعلها كانت ترغب بذلك. من يدري؟ ربما كانت تحثّ لسانها على
النطق بما حفظته، ثم تنهض من فورها وتتحرر من الرداء الاسود، لتستكمل اللهو مع
أختها الصغيرة إسلام. ربما تكون فعلت ذلك حقاً، وهي تكشح بين لعبة وأخرى، ظل الموت
القريب. أي قبل أن ينخفض والدها منها ويهمس في أذنها، أن في الجنة ألعاباً كثيرة.
يمكن لأي إنسان أن يستحضر
بريق عينيها بعد هذه الجملة تحديداً. عينان تلتمعتان سعادة وهما ترنوان إلى الشقيقة
الصغرى إسلام، التي لم يشغلها حضور أبيها عن اللعب. هي متيقنة أن إسلام سترافقها
إلى الجنة. "ستكونان معاً"، ربما رد الوالد على سؤال فاطمة التي لا تريد
مغادرة أختها. إبتسمت فاطمة مرة أخرى وهيأت نفسها لجولات لا تنتهي من اللعب،
سترافق فيها وإسلام الكثير من الاطفال. سيكون هناك جبال كبيرة من الألعاب. تلك
التي تتحسسها وتحبها، وتلك التي رغبت في امتلاكها، لكن يديها بقيتا فارغتين.
عزمُنا على القتل يفضحنا.
صورة القتل تكون في المقلتين. نحن المشبعون بكل أسباب التوحش، في اللحظة التي
نواجه فيها خصمنا، يعرف أننا نهمّ بقتله. ولهذا فإن فاطمة وأختها وغيرهما البديل
الجهنمي لصانع الموت. في عيون الاطفال، يتخفى القتل مموهاً. وما أن يكشف عن نفسه،
حتى نصاب بالدهشة. هل للعيون والقلوب السماوية أن تحمل الموت؟
يظهر أنها أصبحت كذلك. فاطمة
ستصير واحدة من سلسلة طويلة، ستجعلنا أخيراً، نكف عن الدهشة. مأساتنا هنا تحديداً!
في انعدام الدهشة واستئناس الفظاعة بوصفها أمراً عادياً. ففاطمة ستكون مثل من
سبقها وسيليها، ضحية من يرسم للأطفال شكل الجنة ويجعل مخيلاتهم محل رغبة مكثفة بما
هو خارج حدود الموجود والممكن. إحتكار الخيال وقولبة الرغبة أخطر من كل الاوبئة
التي اجتاحت العالم. هذا ما نحياه ونعاينه.
ليست خسارتنا في ذلك الوحش
الذي جهّز فاطمة لتقتل نفسها، والذي يمكن نعته بما شئتم. وليست كذلك في أم فاطمة
وإسلام التي يتبين واضحاً أنها كان تلقي ما حفظته، من دون أدنى شك بحجم انكسارها
كحال الكثيرات. خسارتنا في سيادة سطوة من يقررون عن غيرهم بدافع من سلطة أياً كان شكلها
ودرجتها، شكل حياتهم، وموتهم، ورغبتهم، وأحلامهم، كأن الأخيرين
مطايا لرغبات لا شهية فيها إلا لأصحابها، وهم على أية حال، قلّة!