ترامب أوصل رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية!

لا شكّ في أن السيد رئيسي ينتظر تحديات كثيرة، على مستوى الوضع الداخلي، وخصوصاً الاقتصادي، نتيجة ما تعرّضت له الجمهورية من حصار قاتل طوال 40 عاماً.

  • مشاركة الملايين في تشييع سليماني، كانت كافية لتوقُّع نتيجة الانتخابات
    مشاركة الملايين في تشييع سليماني، كانت كافية لتوقُّع نتيجة الانتخابات

لم تكن عابرةً صورةُ السيد إبراهيم رئيسي خلال مراسم التشييع والصلاة في جنازة الشهيد قاسم سليماني، إلى جانب المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، بل كان لها دلالات مؤثّرة، في المستوى العاطفي، لدى الشعب الإيراني، نظراً إلى ما يمتلك من شعبية واسعة تخطّت معظم الساسة الإيرانيين، بسبب ما له من احترام وتقدير، وما حقّقه من إنجازات على مستوى الجبهات الإيرانية سابقاً، وفي المهمات في الخارج. فحالة البكاء، في أثناء الصلاة، والتي انتابت السيد إبراهيم رئيسي انطبعت في عقول الإيرانيين، وجعلتهم يَنْشَدّون أكثر إلى هذه الشخصية المحبوبة، والتي كانت تربطها علاقة خاصة بسليماني، وبسبب ما لرئيسي من إنجازات على مستوى مكافحة الفساد، ونتيجة مسؤوليته المباشِرة أيضاً عن أهم المراقد الشيعية المقدَّسة في إيران؛ مرقد الإمام علي الرضا في مشهد.

جاءت نتائج الانتخابات الإيرانية في 18/6/2021، لتؤكد نتيجة كانت محسومة سلفاً، ليس لأن طريقة اختيار الشخصيات السبع وأسلوبه كانا مُعَدَّين ومدروسَين لإيصال رئيسي، كما أشاع البعض، بل لأن الشعب الإيراني توجَّه إلى التمسُّك أكثر بقيادة السيد علي خامنئي، وثانياً لأنه أراد أن ينتقم من الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها السابق دونالد ترامب، بسبب اغتيالهما الشهيد قاسم سليماني، الذي كان "حاضراً عند كل صندوق اقتراع" (أكثر من 66 ألف صندوق).

ولعل مشاركة أكثر من 14 مليون شخص (بحسب الوكالات الغربية) في تشييع سليماني، كانت كافية لتوقُّع نتيجة الانتخابات، إلا أن الأرقام تحدثت بلغة معبّرة، فالسيد إبراهيم رئيسي نال 17،926،345 صوتاً من أصل 28 مليوناً، في ظل جائحة "كورونا". والمرتبة الثانية ذهبت إلى قائد الحرس الثوري السابق، محسن رضائي، حائزاً 3.3 ملايين صوت. وحلّ في المرتبة الثالثة حاكم المصرف المركزي السابق، عبد الناصر همتي، الذي مثّل ثقل الإصلاحيين محقّقاً 2.4 مليون صوت. هذه الفوارق، إن دلّت على شيء، فإنها تُظهر أن عدد الأصوات، الذي ذهب الى المحافظين، هو تقريباً أكثر من 21 مليون صوت، من أصل 28 مليوناً صوّتوا في الانتخابات.

سعت الدوائر الغربية، منذ أكثر من ستة أشهر، لإشاعة أجواء سلبية تجاه الانتخابات، من خلال وسائل الإعلام الغربية والعربية. فأكثر من 200 محطة فضائية، ناطقة باللغة الفارسية وموجَّهة، كانت تحرّض الشعب الإيراني، في الداخل والخارج، على تغيير نظام الحكم وإطاحته، بأيّ شكل من الأشكال، أو على الأقل، فوز الإصلاحيين فيها. وفي المعلومات أن أكثر من اجتماع جرى في السفارات الغربية في طهران، كان الهدف منها إيصال إصلاحي الى سدة الرئاسة، ووصول إصلاحي أيضاً لخلافة السيد علي خامنئي! وهذا ما أطلق عليه دبلوماسي إيراني سابق، أنه محاولة انقلاب على النظام بأكمله، وليس الرئاسة فقط!

جرى تحضير الأجواء لدى الإصلاحيين لإيصال همتي، وخصوصاً بعد أن تلقّى تأييد الرئيس السابق محمد خاتمي، ووزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف، عندما أشاع أنه على استعداد للبقاء في منصب وزير الخارجية لو نجح همتي، إلاّ أن الفشل كان ذريعاً في عدد الأرقام التي لم تستطع أن تتجاوز المرشح المحافظ محسن رضائي.

استطاع المحافظون الإيرانيون، من خلال الأرقام التي نالوها، الإمساك أكثر بالسلطة، وتثبيت خِيار النهج السياسي المتَّبع، على الأقل لمدة أربع سنوات، إن لم نقل ثمانيَ، فيما لو أُعيد التجديد للسيد إبراهيم رئيسي، الذي يمثّل نهج الإمام الخميني وخليفته الإمام خامنئي وخطَّيهما.

لا شكّ في أن السيد رئيسي ينتظر تحديات كثيرة، على مستوى الوضع الداخلي، وخصوصاً الاقتصادي، نتيجة ما تعرّضت له الجمهورية من حصار قاتل طوال 40 عاماً، إلاّ أن الانفراج المتوقَّع، لو تمّ توقيع الاتفاق النووي، سيكون في مصلحة رئيسي، وسيُعطيه زخماً قوياً، على مستوى الداخل الإيراني، وعلى مستوى الخارج، وحصوصاً على مستوى حلفاء إيران في المنطقة، الذين تنفَّسوا الصُّعَداء بنجاحه، وحصلوا على أوكسجين طازج. فالرئيس رئيسي الثوري متحيّز دائماً إلى دعم الحلفاء، بخلاف نظيره السابق حسن روحاني.

لقد أوصل الشعب الإيراني رسالته الى المجتمع الغربي، وهي ستكون كالتالي: إمّا أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات، وتلتزم الاتفاق النووي الذي نكثت به في عهد ترامب، أو الذهاب نحو المواجهة الشاملة وصناعة ترسانة نووية لا أعتقد أن الولايات المتحدة في وارد الوصول إليها، وخصوصاً بعد انشغالها بالملفَّين الصيني والروسي، وبدء انسحابها من عدد من النقاط في العالم.