كيف تحوّل مقتل شرطيّة فرنسيّة إلى تصعيد للحملة على الإسلام والمسلمين؟
أحكام جاهزة يطلقها سياسيون وصحافيون ومفكرون يرون في البعد الإسلامي سنداً لأي جريمة أو هجوم، ما يدفع الأجواء إلى المزيد من التوترات والانقسامات.
عزَّز الهجوم الأخير على شرطية فرنسية في منطقة "رامبوييه" حملة العداء للمسلمين في فرنسا، وأتاح لليمين المتطرف ميداناً جديداً للترويج لأفكاره الداعية إلى شنّ حرب على الأجانب والعرب تحديداً، عبر تغيير قوانين الهجرة واللجوء إلى فرنسا، وصولاً إلى مراجعة العلاقة مع الفرنسيين من أصول أجنبية، وتحديداً الإسلامية منها.
لم تجد زعيمة التجمّع الوطنيّ المتطرّف مارين لوبان فرصة أفضل لمعاودة بثّ التحريض على الإسلام، وهي التي تبني جزءاً أساسياً من مشروعها السياسي وحلمها بانتزاع رئاسة فرنسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة على فكرة العداء لكلّ من ينحدر من أصل أجنبي، باعتباره سبباً جوهرياً في مشاكل فرنسا وأزماتها.
في تغريدتها بعيد الهجوم على الشرطية، قالت لوبان إنّ الأهوال والدوافع الإسلامية نفسها تتكرّر، مطلقةً إثرها سلسلة تغريدات تنضح بكراهية الأجانب واللاجئين، مشددة على تفعيل سياسة الطرد والإقصاء.
فرنسا التي لم تشفَ بعد من الهجمات الدموية على أراضيها، ووسط صراع محتدم بين الفرقاء السياسيين المنقسمين بحدة حول ملفات الأمن والإسلام والعلمانية والمهاجرين، تختبر مجدداً تحدي إدارة تداعيات كثيرة لهجوم نوعي داخل مركز للشرطة، فالمهاجم غير المعروف بانتمائه أو مناصرته لأي فريق إرهابي، بحسب معلومات الأمن الفرنسي، تمكَّن، وبأسلوب مثير، من قتل الشرطية داخل مركز عملها، ما فتح الأعين على فعالية الإجراءات الأمنية وكفاءة الشرطة. وقد تُعزز هذه الثغرة موقف السلطة ومن يؤيدها في المطالبة بإقرار قوانين إضافية لإطلاق يد الشرطة، ولا سيما عبر قانون "الأمن الشامل"، وهو موضع جدال مع المعارضة اليسارية.
تحدّي الوحدة الوطنية يعود بقوّة إثر الانقسام في تقييم خلفيات الهجوم الأخير كغيره من الهجمات. الساعات التي تلت مقتل الشرطية تميّزت بالعناوين التالية: صحيفة "لو فيغارو" وصفت الهجوم بكونه "إسلامياً". صحيفة "لوموند" قالت: "الإرهاب الإسلامي يضرب من جديد". المفكّر برنار روجيه قال إن سبب استهداف الشرطة يعود إلى أنها "تمثل رمز السلطة الكافرة في رأي الجهاديين". الكاتب إتيان جاكوب ربط الهجوم "بنيات الإسلاميين المتطرفين لاستغلال شهر رمضان للقيام بالجهاد المقدس".
على هذا المنوال، اشتبكت ردود الفعل بالنيات المسبقة والتصورات الجاهزة لأي عمل عدائي يرتكب على الأراضي الفرنسية، قبل أي معلومات عن التحقيقات الأمنية والقضائية في دوافع الهجوم وخلفياته الحقيقية.
أحكام جاهزة يطلقها سياسيون وصحافيون ومفكرون يرون في البعد الإسلامي سنداً لأي جريمة أو هجوم، ما يدفع الأجواء إلى المزيد من التوترات والانقسامات، ولا سيما أنَّ قسماً من الفرنسيين الممثلين في بعض أحزاب اليسار يعتبر أنَّ بازار الصراع السياسي يستخدم الإسلام كورقة منافسة على السلطة والإدارة في البلاد، من دون النظر في العواقب الوخيمة لمثل هذا السلوك المحفوف بالخطر.
لطالما اتّهم هذا اليسار بأنّه خائن ومنحاز إلى الإسلام على حساب مبادئ الجمهورية. وقد تعرضت حركة "فرنسا غير الخاضعة" لحملات تشويه وإدانة، نظراً إلى دعوتها إلى مقاربة القضية من منطلق وطني، وإلى الابتعاد عن التحريض والإساءة إلى المسلمين الفرنسيين وغير الفرنسيين، باعتبار أن الإرهاب متعدّد المصادر والهُويات.
هجوم "رامبوييه" الأخير سيلقي ظلاله على معركة المناضلين من أجل تقييد الحرية المطلقة للشرطة في التعامل مع الوقائع اليومية والاتهامات التي تُساق ضدها من قبل حركات ومجموعات تعمل على محاسبة رجال الشرطة الذين يتجاوزون القوانين بخلفيات عنصرية متطرفة.
حركة "العدالة لأداما" التي تناضل منذ 5 سنوات لمحاسبة أفراد من الشرطة قتلوا شاباً فرنسياً من أصول أفريقية، تواجه منذ فترة ضغوطاً ومضايقات للتخلّي عن معركتها لإدانة القتلة. إدارة ماكرون مدعومة باليمين المتطرف تستميت لإفشال أي مسعى يحدّ من حريات رجال الأمن، بل تعمل على تعزيزها ودعمها بكل الوسائل.