مصر وتركيا على أبواب المصالحة أو المصالح المشتركة؟

جميع المعلّقين المصريين يؤكدون أنَّ حاجة تركيا إلى مصر أكبر من حاجة مصر إلى تركيا، لكن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، تحدث عن شروط إقامة علاقات طبيعية مع تركيا وعن تحسين هذه العلاقات.

  • مصر وتركيا على أبواب المصالحة أو المصالح المشتركة؟
    سيفتح تحديد الولاية البحرية بين تركيا ومصر المجال أمامهما للتوصل إلى اتفاق

لم يأتِ تأكيد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حول التطوّر المهمّ في علاقات مصر مع تركيا في شرق المتوسط، والذي توقع استمراره، عن عبث، فقد كان أكار في عجلة من أمره لإظهار أهمية "الوطن الأزرق" الاستراتيجية. أما وزير الخارجية جاويش أوغلو، فكان متأكّداً من أنَّ تركيا ومصر يمكن أن تتفاوضا على اتفاق لترسيم الحدود البحرية، ولم يتأخر مستشار الرئيس إبراهيم كالين عن الإشادة بمصر كدولة مهمة في الوطن العربي، والإشارة إلى أنها ما زالت عقل العالم العربي وقلبه.

جميع المعلّقين المصريين أكَّدوا أنَّ حاجة تركيا إلى مصر أكبر من حاجة مصر إلى تركيا، لكن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، تحدث عن شروط إقامة علاقات طبيعية مع تركيا وعن تحسين هذه العلاقات، وأكد وجود اتصالات دبلوماسية، وشدَّد على الحرص على استمرار العلاقات بين الشعبين المصريّ والتركيّ.

تريد تركيا الخروج من عزلتها في شرق المتوسّط بعد استبعادها من اتفاقيات الغاز، لكن ماذا عن مصر؟ منذ العام 2003، أيَّدت القاهرة وجهة النظر التركية القائلة إنَّ جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، الواقعة قبالة الساحل التركي، لا يمكن أن يكون لها جرف قاري خاص بها. آنذاك، أثار هذا الموقف الفرح في أنقرة والمرارة في أثينا. 

لا تتّسم العلاقات بين تركيا واليونان بالثبات. وقد شهدت تاريخياً مشكلات عديدة، مثل ملف جزيرة قبرص، وملف ترسيم الحدود البحرية، والصراع بينهما في شرق المتوسط، فضلاً عن الصراع على الجزر.

وبسبب تداخل الحدود البحرية لدول المنطقة وتنازعها لتحديد نصيب كلّ دولة من الثروة الغازية المكتشفة في شرق المتوسط، إضافةً إلى وجود صراعات أقدم، أي قبل اكتشاف تلك الثروة في منطقة شرق المتوسط، كالصراع العربي الإسرائيلي والصراع التركي القبرصي، إضافةً إلى موقف بعض الدول التي لم توقع على قانون البحار، مثل تركيا، أدت هذه العناصر إلى تزايد حدة الصراع في تلك المنطقة.

تريد القاهرة خفض التوترات الناتجة من المشكلة القبرصية، وتشير خريطة المناقصة المصرية إلى المناطق الغربية في المتوسط، والتي تم تحديدها بموجب الاتفاق المبرم بين القاهرة وأثينا. أما المساحات الأخرى الواقعة في شرق خطّ الطول 28، فإنها تحدد الحدود الجنوبية للجرف القاري بموجب اتفاق أنقرة وطرابلس.

سيفتح تحديد الولاية البحرية بين تركيا ومصر المجال أمامهما للتوصل إلى اتفاق، إذ إنَّ لهما أطول ساحل في شرق المتوسط، وسيخلق الهدوء في شرق المتوسط فرصاً للتعاون. هذا ما تراه أنقرة، فيما قال الأدميرال التركي جهاد يايجي إنَّ مصر تقبل ضمنياً بالخط الحدودي البحري لتركيا.

 لماذا يمكن أن تتفق مصر مع تركيا؟ وهل ستخلّ باتفاقها مع اليونان؟ 

إن كانت بعض التصريحات قد لوَّحت بأنَّ الخلافات بين تركيا ومصر أعمق من أن تحلّ، بسبب الموقف التركي في العام 2013 من الحكم في مصر، بعد إسقاط الرئيس محمد مرسي، واتهامها بإيواء معارضة الإخوان المسلمين المصرية وتقديم منصات إعلامية لها من أجل مهاجمة النظام، فإنَّ تركيا، كما يبدو، دعت هذه المنصَّات الإعلاميَّة إلى تخفيف اللهجة وعدم الإيغال في النقد، من خلال برامجها التي يمكن أن تسيء إلى المصالح التركية في علاقتها مع الدولة المصرية، وطلبت منها أيضاً التركيز على موضوعات السياسة المتعلقة بمصر.

وإذا كان الموضوع هو التركيز على العلاقة بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وعبد الفتاح السيسي، فإنّ الرئيس التركي يتمتَّع ببراغماتية تضع مصالحه في سلم الأولويات، وهو يعمل على مراعاتها، على الرغم من استقبال مصر جماعة فتح الله غولن بعد الانقلاب في العام 2016، بعد أن كان للرجل مكانة في العلاقات المتشعّبة مع مصر. تبدو تركيا متحمّسة لعودة العلاقات من خلال تصريحاتها العلانية حول مد جسور العلاقة بين البلدين، فيما تريثت مصر من أجل تحضير الرأي العام المصري لهذه الخطوة العلانية.

تحتاج مصر إلى تفعيل مشروع "إيست ميد"، وهي تنوء تحت أزمة تمسّ أمنها القومي والمائي، تتمثل بسد النهضة. لا شكّ في أن الدور المصري تراجع على الصعيد الإقليمي والعربي، نتيجة المصالحة الخليجية ومسار التطبيع العربي مع "دولة" الاحتلال، بما في ذلك منافسة خطّ إيلات - عسقلان لقناة السويس، وسقوط رهانها على عودة الإدارة الأميركية السابقة، ووجود إدارة جديدة تتمسك بسيف حقوق الإنسان والديمقراطية لبلوغ أهدافها، وهي بحاجة إلى انتهاج سياسة تراعي مصالحها أيضاً، إذ إنها غيّرت تعاملها مع الملف الليبي وحكومة الوفاق الوطني، وعلى وجه الخصوص ملف شرق المتوسط، وهما سببان كفيلان بفتح صفحة جديدة بينها وبين تركيا.

إنَّ توافق البلدين على الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لكلّ منهما يصبّ في مصلحتهما في مواجهة الرؤية اليونانية التي تضرّ بهما. أكثر من ذلك، صبَّ الاتفاق التركي - الليبي في مصلحة القاهرة. لقد تعاون البلدان في الملف الليبي، بما في ذلك انتخابات المجلس الرئاسي، ودخلا في مرحلة تهدئة منذ مدة. تكتَّمت مصر حول الانفتاح، لكن تركيا صرحت بالتقارب.

كان دعم حكومة دبيبة ممكناً بفضل إجماع تركيا ومصر. قدرت الأوساط الدبلوماسية الغربية أنَّ هذا الإجماع أصبح ممكناً بفضل تنازلات كلّ من أنقرة والقاهرة. تمكَّنت مصر من استضافة محادثات بين الليبيين، رغم دعمها القوات الشرقية، وفتحت سفارتها في طرابلس، وأعادت إنشاء الممر الجوي المباشر. في الواقع، تحوَّل جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا إلى موقف مختلف مع التأكيدات التي قدَّموها لمصر. 

زار رئيس المخابرات المصرية عباس كامل تشاد والنيجر الشهر الماضي، وعرض التعاون العسكري، وكان الدافع الأساسي للزيارتين هو إقامة التوازن مع تركيا، كما تدعم فرنسا وألمانيا هذه المبادرة. من الواضح الآن أنَّ نزاع القاهرة وأنقرة لم يكن له تأثير إيجابي على المدى الطويل. الاتفاق الذي قد يحدث في ليبيا قد يفتح الباب أمام المزيد من التفاهمات، وربما تقوم مصر بتصدير غازها إلى أوروبا عبر ليبيا، ربما تأمل أنقرة بالدخول من الباب نفسه الذي فُتح لقطر، وربما تفرض الظروف الحالية ذلك.

قد يتحوَّل موقف أمير قطر تميم إلى تفضيل جيرانه من خلال اتخاذ خطوات معيَّنة، مثل جعل دعمه للإخوان المسلمين أقل وضوحاً، وضبط بث قناة "الجزيرة"، لكن هل سيتخلّى إردوغان عن موقفه التوسعي والتدخلي؟