نتائج السابع من أكتوبر.. العراق يستضيف الأسد -إردوغان وطي صفحة الشرق الأوسط الجديد؟
الولايات المتحدة، التي تنتظر رئيسها الجديد في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ليست بعيدة عن مشهد التطبيع مع سوريا الذي بدأ يسلك طريقه من خلال الدول الخليجية.
بعد السابع من أكتوبر 2023، اتجه الشرق الأوسط نحو إعادة ترتيب جديد، وسط متغيرات دولية متسارعة. "إسرائيل" لم تعد القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسياسية.
سقطت هيبة الكيان ولولا التخاذل من جهة، والحضانة والحصانة والدعم من أميركا، من جهة، لكانت دولة فلسطين قائمة منذ زمن. السقوط الفوضوي لـ"إسرائيل" أعاد المنطقة إلى عتبة قراءات متباينة، وسط انقلابات دولية، أبرزها وصول اليمين المتطرف إلى قيادة الحكم في أوروبا، وهو له دلالاته وانعكاساته وحساباته، بالتوازي مع الضعف والغرابة للشخصيات التي ستتولى حكم أميركا، بايدن وترامب.
مرحلة جديدة تُكتب، ومصالح الدول الوازنة التي لها تاريخها وجغرافيتها ولديها المؤسسات والقيادات، تُبنى وفقاً لحسابات صحيحة ونتيجة الحصاد وصلت إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي اقتنع بعد أعوام من الرهانات الخاطئة بأن النظام في سوريا باقٍ بشرعية شعبها، وأن الأجواء السياسية والأمنية تفرض نفسها، فلا قوة لتركيا ولا دور متكامل إلا بتطبيع العلاقات بالرئيس بشار الأسد وعودة العلاقات الثنائية بين البلدين. في أواخرسنوات الحرب في سوريا، كان رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان على تواصل مع نظرائه في دمشق، وهو الشخصية التي كانت تؤمن بأن الرهانات التامة بزوال النظام هي من خارج دائرة نقاط الربح فيجب المحافظة على التواصل من أجل استكمال أي مشروع سياسي أو أمني عندما يحين الوقت، أفضل من البدء من نقطة الصفر.
هاكان فيدان جمع ملفاته الثمينة المتعلقة بالعلاقات والمباحثات مع القيادات السورية ونقلها معه إلى وزارة الخارجية، وأصبح تحركه ديبلوماسياً سياساً واضحًا. ما تريده تركيا هو استعادة أمنها على حدودها وهو ما كانت سوريا تقوم به بمسؤولية الدولة التي تحافظ على أمن الجار.
أما في موضوع الأكراد فلسوريا والعراق وإيران مصلحة مشتركة مع تركيا، لا للحكم الذاتي ولا لدعم أي حركات انقلابية ولا للمسّ بمصالح أمنها. أمّا النازحون السوريون في تركيا فهم ليسوا عبئاً كما يُروج الكثيرون، فدولة من أربعة وثمانين مليوناً لا يُشكل أقل من أربعة ملايين نازح مشكلة كبيرة لها، وخصوصاً أن الرئيس التركياستفاد من وجودهم فجنس النخب وحصد أصواتهم في الانتخابات الرئاسية واستفاد من البعض كيد عاملة، اما بالنسبة إلى غير المرغوب فيهم فالتسويات ليست صعبة مع الدولة السورية.
ماذا يحدث اليوم على خط مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة. التوقيت في المنطقة ملائم والاجواء الدولية مواتية ، وخصوصاً وسط الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية وفي ظل نكث أميركا كل الاتفاقيات مع تركيا. أما الكرد فسبب آخر في تسريع المسار مع تعيينهم لإجراء انتخابات يتم إعلان الحكم الذاتي بعدها .
عملياً دخل العراق على خط تقريب المسافات وهو يستضيف منذ فترة دورياً لقاءات بين الجانبين السوري والتركي. فالعراق يدرك أنه المتضرر الكبير من التوترات الجارية عند حدوده، وهو بالتالي توصل بعد رعايته للاجتماعات إلى تبني مؤتمر سوري - تركي في بغداد يكون برعاية الرئيس العراقي وحضور الرئيس بشار الأسد والرئيس رجب طيب إردوغان، وسيسبق هذا الحدث سلسلة لقاءات رسمية تتوج بلقاء ثنائي بين وزيري خارجيتي البلدين. وتشير أوساط عراقية إلى أن إيران جهة أساسية داعمة للعراق في الخطوات التي تسير بها من أجل حل الملف السوري التركي، وتواصل العراق مع إيران، على رغم انشغالها بالانتخابات الرئاسية، بحيث تم التداول في آخر ما تم التوصل إليه.
أما روسيا التي هي لاعب أساسي في المنطقة، وخصوصاً بعد أن دخلت الساحل السوري في أثناء الحرب فلها دور المحفز وهي تؤيد بقوة طي ملف الحرب، وبالتالي عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، بسبب ما في ذلك مصلحة داعمة لدورها وللمحور الممتد من الشرق الأوسط إلى دول البريكس المساندة.
الولايات المتحدة، التي تنتظر رئيسها الجديد في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ليست بعيدة عن مشهد التطبيع مع سوريا الذي بدأ يسلك طريقه من خلال الدول الخليجية، من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية إلى البحرين، بحيث باشرت في تبادل التمثيل الديبلوماسي عبر افتتاح السفارات. فأميركا بعد نكسة "إسرائيل" تبدو فارغة القوة في المنطقة. وهي، بحسب المراقبين، بدأت تتراجع في أحاديتها في ظل تصاعد روسيا والصين التي ستفاجئنا قريباً بالسيطرة على تايوان من خلال حرب لن يردعها فيها أحد!