اعتراف ماكرون بتعذيب علي بومنجل وقتله يكشف تاريخ الكذب الفرنسيّ

الرئاسة الفرنسية، وإن كانت خطت في اتجاه إيجابي، إلا أنَّ الباحثين الجزائريين في موضوع حقبة الاستعمار يتهمون باريس بالتهرب من معالجة جدية لملفّ الذاكرة المتضمّن عدة مشكلات عالقة.

  • ما شرع فيه ماكرون يبقى في إطار الاعتراف بالذنب بالقطارة، لامتصاص أزمة استعمار بلاده للجزائر،
    ما شرع فيه ماكرون يبقى في إطار الاعتراف بالذنب بالقطارة، لامتصاص أزمة استعمار بلاده للجزائر،

64 عاماً من الكذب بشأن حقيقة استشهاد المناضل والمحامي الجزائري علي بومنجل، في الجزائر، ينهيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالاعتراف بتعذيب الزعيم الجزائري وقتله إبان مرحلة الكفاح لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي.

تاريخ طويل من التلفيق والمناورات والادعاءات بانتحار المناضل، لتفادي الاعتراف بالجريمة الشنيعة والمسؤولية الأخلاقية والسياسية عن إخفاء وطمس آلاف الجرائم البشعة بحقّ شعب الجزائر من ثوار ومدنيّين، يستمرّ في غموضه وأسراره.

اعتراف ماكرون لأحفاد بومنجل يكشف السياسة المرائية للدولة الفرنسية في ملفّ استعمار الجزائر والأهوال التي تسبّبت بها للشعب الجزائري؛ ملفّ ما تزال معظم بنوده مظلمة ومقفلاً عليها في أدراج الحكومة الفرنسية الرافضة فتح أرشيف استعمار الجزائر، خلافاً للقوانين والمعاهدات الدوليّة، على الرغم من مطالبة الهيئات الحقوقية والإنسانية في الجزائر وفرنسا على حدّ سواء بخروج المؤسسة الرسمية الفرنسية من حالة النكران التي تعيشها وتتسبّب ببقاء العلاقات الجزائرية الفرنسية على حال من التوتر والنزاع.

اعتراف فرنسا باغتيال علي بومنجل، يأتي تماشياً مع المهمة التي كلّف بها رئيس الجمهورية، بنيامين ستورا، في 20 كانون الثاني/يناير، لإعداد تقرير عن ذاكرة الاستعمار والحرب الجزائرية. ومن بين توصياته، اعتراف فرنسا باغتيال المحامي والزعيم السياسي علي بومنجل. وبحسب منظمات حقوقية فرنسية، فإن الاعتراف الأخير يفرض على فرنسا أن تواصل عملها في الاعتراف بعنف الاستعمار والجرائم المرتكبة ضد الشعب الجزائري.

بعض الأولويات، بحسب جمعية جوزيت وموريس أودان الفرنسية، هو العمل على كشف مصير الآلاف من الأشخاص المفقودين (بينهم الكثير من الفرنسيين الذين ناضلوا إلى جانب ثورة التحرير)، وكشف أسرار التجارب النووية في الصحراء الجزائرية وأضرارها، والتي ما تزال آثامها حاضرة حتى يومنا هذا، ومن ثم فتح الأرشيف، وهو ما لم يحدث بسبب تعنّت الحكومة الفرنسية. 

الرئاسة الفرنسية، وإن كانت خطت في اتجاه إيجابي، إلا أنَّ الباحثين الجزائريين في موضوع حقبة الاستعمار يتهمون باريس بالتهرب من معالجة جدية لملفّ الذاكرة المتضمّن عدة مشكلات عالقة حتى الآن بين البلدين، تخصّ خرائط الألغام التي زرعها الاستعمار على الحدود مع تونس والمغرب، وما زالت تخلّف ضحايا بين الحين والآخر، وملف التفجيرات النووية، إضافةً إلى ملف المجازر والإبادة الجماعية والأرشيف الجزائري المهرب إلى باريس وغيرها من الملفات.

وكان الأمين العام بالنيابة لمنظمة "المجاهدين" (قدماء محاربي ثورة التحرير)، محند واعمر بن الحاج، قد ذكر في بيان مصوّر أنّ التقرير الذي أعدّه ستورا عن الاستعمار وحرب التحرير أغفل تماماً الجرائم الاستعمارية، وحاول طمسها واختزال ملفّ الذاكرة والمصالحة في إطار احتفال رمزي لطيّ صفحة الاعتراف والاعتذار.

ملاحظات الجزائريين على تقرير ستورا تتعلّق بخلفيته السياسية ومحدوديته حول الحقائق التاريخية، وتناقضه مع المواقف المعلنة سابقاً للمؤرخ الفرنسي، والتي ركَّز فيها على الجانب المظلم لتاريخ فرنسا الاستعماري.

في مطلق الأحوال، إنَّ ما شرع فيه الرئيس الفرنسي يبقى في إطار الاعتراف بالذنب بالقطارة، لامتصاص أزمة استعمار بلاده للجزائر، ومحاولة التهرّب مما يطالب به الجزائريون، وهو تقديم اعتذار فرنسي رسمي وعلني عن جرائم الاستعمار في الجزائر.