ماذا يحدث في روسيا؟ ولماذا يساند الغرب الليبرالي أليكسي نافالني؟
لا ينكر أحد حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – سواء اختلفنا أو اتفقنا معه - نجح منذ توليه السلطة في إخراج روسيا من العدم، عبر القيام بإصلاحات مسّت المجالات السياسية والإدارة والاقتصاد والجيش.
قام وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بزيارة إلى موسكو للتباحث في قضية المعارض الليبرالي أليكسي نافالني، المحكوم بالسجن سنتين و8 أشهر بتهمة مخالفة شروط الرقابة القضائية المفروضة عليه منذ العام 2014، ما يعكس النفاق الغربي وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.
في قراءتنا لردود الفعل الغربية عقب إصدار الحكم على نافالني، نجد أنها أجمعت على إدانة الحكم القضائي والمطالبة بإطلاق سراحه، ما يعكس وجود نيات غربية لإشعال النيران داخل روسيا نفسها، بعد الفشل في إضرامها في المجال الجيوسياسي الروسي.
لا شك في أن إضعاف روسيا وتفكيكها، بهدف تحجيم دورها في المشهد الدولي، كان وما زال مطلباً غربياً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق. ورغم الضعف البيّن الذي عانته روسيا على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، لم يتردد الغرب في توجيه المزيد من الضربات القاصمة إليها، بهدف إضعافها أكثر، حتى لا تقوم لها قائمةٌ مُستقبَلاً.
عندما وصل الليبراليون إلى السلطة بزعامة بوريس يلتسين، عقب تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، اعتقدوا أن اتباع النهج الغربي ومُمالَأَة الغرب في كل ما يمليه عليهم، سيجعل روسيا دولة أوروبية غربية تنعم بالرخاء والازدهار، رغم أن واقع التاريخ والجغرافيا يقول العكس.
ورغم ذلك، تفنن الغرب في إذلال روسيا – بوريس يلتسين – والأكثر دلالة على ذلك، كان الاتفاق الذي حصل مع الغرب بعدم تمدد الحلف الأطلسي نحو شرق أوروبا، لكن الغرب نكث تعهداته وتمدد حتى حدود روسيا، ما دفع الأخيرة إلى تبني أول عقيدة عسكرية في العام 1992.
لم يتردد الغرب في مساندة الليبراليين – بدعوى محاربتهم فلول الشيوعية - عندما أمر الرئيس الراحل بوريس يلتسين، بقصف مبنى البرلمان بالدبابات في العام 1993، بعد تمرد البرلمانيين بقيادة رئيس البرلمان روسلان حاسبولاتوف، ونائب الرئيس ألكسندر روتسكوي، بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية الجذرية التي لم تستفد منها سوى حفنة مقربة من الرئيس يلتسين، مرتبطة بالمافيا الروسية، كالملياردير بوريس بيريزوفسكي وميخائيل خودوركوفسكي وأناتولي تشوبايس.
هكذا، تحولت روسيا إلى "ضيعةٍ" خاصةٍ بهؤلاءِ، بعد أن نهبوا ثرواتها واستفادوا من عملية خصخصة الشركات الروسية عبر شرائها بثمن زهيد، بدعم من يلتسين نفسه، ما أضاع على روسيا حوالى 3 تريليونات من الدولارات، وأغرقها في ديون بلغت حوالى 10 مليارات من الدولارات، كما يشير كتاب "ثعالب الكرملين" لمؤلفه المُغتال بافل خلبنيكوف.
وفي لحظة اعتراف تاريخية، أقرَّ الرئيس الراحل بوريس يلتسين، في خطاب التنحي في العام 1999 بفشل سياساته، طالباً الصفح من الشعب الروسي، لأنه لم يحقق ما كان يصبو إليه الأخير، مُقِراً في الوقت ذاته بالعديد من الأخطاء التي ارتكبها خلال فترة حكمه، ومُعْلِناً تولي الرئيس الحالي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا بصفةٍ مؤقتةٍ، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد.
لا ينكر أحد حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – سواء اختلفنا أو اتفقنا معه - نجح منذ توليه السلطة في إخراج روسيا من العدم، عبر القيام بإصلاحات مسّت المجالات السياسية والإدارة والاقتصاد والجيش، ما جعلها تستعيد هيبتها على المستوى العالمي، كما جعلها دولة فاعلة مؤثرة في المسرح الدولي، بعدما كانت مفعولاً بها خلال حكم الليبراليين، فكانت تُؤْمَرُ فَتُطِيعُ.
من هنا، يتضح أن الغرب يرى في عودة الليبراليين إلى المشهد السياسي في روسيا بعد سنوات من التقهقر أهميةً قصوى بالنسبة إليه، إذ سيكونون عَقبَةً كَأْداءَ أمام تصاعد القوة الروسية وطموحاتها في المنطقة، بعد أن فشلت كل السياسات الغربية في خنق روسيا.
إن مفردات حقوق الإنسان لا توجد في قاموس الغرب إلا عندما يتعلق الأمر بتعارض مصالحه مع الدول التي تعارض سياساته ومخططاته. أما مع حلفائه، فهو لا يلتفت إليها ولا يعيرها أي اهتمام. وهنا يظهر مدى النفاق وازدواجية المعايير التي يسلكها الغرب في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في العالم.
ختاماً، إن أليكسي نافالني ليس سوى فقاعةٍ من فقاعات الغرب، كنظرائه في فنزويلا وبيلاروسيا وبوليفيا، ما إن تصعد قليلاً على سطح الأرض حتى تتبخر ولا يبقى لها أثر، وسيكون مصيره كمصير من سبقوه.