بكين تصل القمر.. عن التجربة الصينية والاستفادة منها عربياً

تقدّم السلطات الصينية الدعم المعنوي والمادي بهدف تطوير برنامج الصين الفضائي، فقد قُدّرت الميزانية التي خصّصتها الصين في هذا المجال للعام 2018 بحوالى 11 مليار دولار.

  • الصين تجلب عيّنات من القمر.. هل يستفيد العرب من التجربة؟
    بدأت استكشافات الصين لسطح القمر عام 2007 عندما أطلقت المركبة غير المأهولة  Chang’e 1

بعد 44 عاماً من إرسال الاتحاد السوفياتي آخر بعثاته غير المأهولة إلى القمر عام 1976 في إطار برنامج "لونا"، نجحت الصين مؤخراً في إنزال مركبةٍ فضائيّةٍ على القمر لجلب عيّناتٍ من سطحه غير المستكشَف بعد. وبالفعل، تمكّن المسبار Chang’e 5  من جمع عيّناتٍ من الغبار والصّخور القمريّة وبدأ رحلة العودة إلى الأرض.

بدأت استكشافات الصين لسطح القمر عام 2007 عندما أطلقت المركبة غير المأهولة  Chang’e 1، قامت بجمع بياناتٍ ساعدت في رسم خريطةٍ ثلاثيّة الأبعاد. وفي العام 2013، هبط مسبار Chang’e 3 على سطح القمر. وفي العام "2019 تمكّن المسبار Chang’e 4  من الهبوط على الجانب المظلم من القمر لتكون الصين أوّل دولةٍ تنجح في ذلك.

يعود برنامج الفضاء الصيني إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الصين تطوّر صواريخها الخاصة على غرار الاتحاد السوفياتي الذي أطلق مركبته الفضائية "سبوتنيك" في العام 1957. أراد الزعيم الصيني الراحل ومؤسّس الصين الحديثة "ماو تسي تونغ" أن تمضيَ الصين قُدُماً في تطوير الأقمار الصناعية، ولكن تمّ تأجيل ذلك ولم تُطلقْ الصين قمراً صناعياً إلاّ في العام 1970.

إنّ السنوات الـ50 منذ إطلاق القمر الصناعي Dongfonghong1، وصولاً إلى تطوّر المسبار 5  Chang’e أظهرت سعي الصين إلى تحقيق حلمها في الوصول إلى القمر. لم يعش الزعيم "ماو" ليرى نجاح الصين في الوصول إلى القمر، لكنّ بكين تنوي، بعد وصول مسبار Chang’e 5 إلى الأرض، إرسال صخرة قمريّة إلى مسقط رأسه في مدينة شاوشان في مقاطعة هونان تكريماً له.

ازداد نشاط الصين في مجال الفضاء خلال السنوات الأخيرة، وأخذت تطلق الصواريخ إلى الفضاء أكثر من أي بلدٍ آخر. ففي العام 2018، أطلقت الصين 39 صاروخاً مقارنةً بـ 31 صاروخاً أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية و20 صاروخاً أطلقتها روسيا. وفي العام 2020، أطلقت الصين 36 صاروخاً، مما يضعها في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي أطلقت 39 صاروخاً. ومؤخراً، أطلقت الصين أوّل قمرٍ صناعيٍّ في العالم لاختبار اتصالات الجيل السادس على الرغم من أنّ تغطية الجيل الخامس ما زالت محدودةً وتواجه عقباتٍ سياسية. 

لقد وضع الرئيس الصيني "شي جين بينغ" نصب عينيه تحقيق الحلم الفضائي الصيني، وأعلن خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الأول/أكتوبر 2017 أنّ خطة الصين القادمة تتجسّد في أن تصبح في العام 2050 قوةً عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا خاصةً في مجالات الفضاء. ويخطّط العملاق الآسيوي لبناء محطةٍ فضائيةٍ كبيرة في العام 2022، كما ينوي إرسال روّاد فضاءٍ صينيين إلى القمر في العام 2030.

يُثير تطوّر الصين السريع في مجال الفضاء مخاوف الولايات المتحدة الأميركية التي ترى أنّ الصين تسعى إلى "الهيمنة على الفضاء". بالمقابل، تصرّ بكين على أن طموحاتها الفضائية سلمية، ولا تهدف إلى المنافسة، بل تتعاون مع البرامج الفضائية الأخرى، وتتّهم واشنطن بتحويل الفضاء الخارجي إلى ساحة معركةٍ بعد أن أنشأت الأخيرة فرع "القوة الفضائية" التّابع لسلاح الجو الأميركي.

تقدّم السلطات الصينية الدعم المعنوي والمادي بهدف تطوير برنامج الصين الفضائي، فقد قُدّرت الميزانية التي خصّصتها الصين في هذا المجال للعام 2018 بحوالى 11 مليار دولار. كما أنّ الرئيس "شي جين بينغ" بتشجيعه ودعمه للعلماء والباحثين في مجال الفضاء، يشكّل مصدر إلهامٍ وطموحٍ لهم لتحقيق حلم الفضاء للأمّة الصينية عبر تطوير برنامج الفضاء وجعل البلاد قوة فضائيّة بارزة.

أما في الدول العربية، فعلى الرغم من أنّ بعضها أطلق الأقمار الاصطناعية وسعى إلى ركوب موجة الدول الرائدة في مجال استكشاف الفضاء، إلاّ أنّ الأداء العربي في مجال علوم الفضاء يحتاج إلى جهودٍ كبيرة، أهمّها الدعم السياسي والاستقرار وتشجيع العلماء وحثّهم على الابداع والابتكار بدلاً من كبتهم وقمعهم وتكبيلهم، الأمر الذي يدفع بهم إلى الهجرة؛ فالإمارات العربية المتحدة مثلاً، أطلقت مسبار الأمل في العام 2020 لاستكشاف الفضاء، وأعلنت عن مشروعٍ لاستكشاف القمر، من ضمنها وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء. من جهتها، أسّست السعودية وكالة السعودية للفضاء، وأنشأت مصر وكالة الفضاء المصرية في العام 2018، وأسّست تونس اللجنة الوطنية للفضاء الخارجي. 

كان للعلماء العرب، ولا يزالون، التأثير الإيجابي في مجال الفضاء، فقد غزا روّادٌ عرب الفضاء أوّلهم  الأمير سلطان بن سلمان الذي سافر إلى الفضاء في العام 1985، والسوري محمد أحمد فارس الذي وصل إلى الفضاء في العام 1987، والإماراتي هزّاع المنصوري في العام 2020. كما تُدين وكالة "ناسا" للعلماء العرب بأبرز الإنجازات في تاريخ البشرية، وحالياً يعمل فيها أكثر من 20 عالماً عربياً. ومن أبز العلماء الذين يعملون في وكالة "ناسا" وتركوا بصماتهم في مجال الفضاء، العالِم المصري الأميركي فاروق الباز الذي كانت له إسهاماتٌ في استكشاف القمر، والعالِم اللبناني الأميركي شارل عشّي الذي يتولّى منصب مدير مختبر الدفع النفّاث، وتقديراً لجهوده سُمّي أحد الكويكبات باسمه، والعالِم الجزائري نور الدين مليكشي الذي طوّر صناعة الكاميرات للحصول على صورٍ أفضل لكوكب المريخ.

إنّ الدول العربية مدعوّةٌ، في ظلّ التطوّر السريع الذي تشهده الصين في مجال الفضاء، للاستفادة من الامكانيات الصينية الكبيرة والمتطورة في هذا المجال. ويُذكر في هذا الإطار، أنّ وثيقة الصين السياسية تجاه الدول العربية التي صدرت في العام 2016، قد نصّت على تعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مجالات تكنولوجيا الفضاء والأقمار الاصطناعية وتطبيقاتها والتعليم والتدريب الخاص بالفضاء والتعاون في مجال رحلات الفضاء المأهولة. وتطبيقاً لذلك، قدّمت الصين مؤخراً مِنحتيْن لمصر، واحدةً لبناء مركز تجميع الأقمار الصناعية، وأخرى لتصنيع قمرٍ صناعيٍّ كبيرٍ مشترك بين البلدين.

ألم يحنْ الوقت للدول العربية أن تتّحدَ وتتكاتف لتُسابق الدول الأخرى في التطوّر والتقدّم والابتكار بدلاً من الانشغال في إشعال الحروب والنزاعات وتدمير ما تبقّى من الإنسان؟