ما مصير الاتحاد الأوروبي في ولاية ترامب الثانية؟
مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، تبدو أوروبا على موعد جديد من الأزمات. فوعد ترامب بأن يكون عهده عهد إنهاء الحروب، التي أشعلها سلَفه جو بايدن، قد لا ينعكس إيجاباً على العلاقة بين واشنطن وبروكسل.
يوم الإثنين، الواقع فيه الـ20 من كانون الثاني/يناير 2025، عاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعد غياب أربعة أعوام، وفي رأس جدول أعماله حلّ الأزمة الأوكرانية والانفتاح على روسيا، في ظل حديث عن قرب عقد قمة بينه وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أن يتم إنهاء الحرب في أوكرانيا مع الاعتراف بمكتسبات روسيا في منطقة الدونباس والقرم.
الأثر في الاقتصاد الألماني
مع امتناعها من استيراد النفط والغاز الروسيين رخيصَي الثمن، واللذين شكّلا قاطرة النمو لاقتصادها على مدى العقود الثلاثة الماضية، فإن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر من الحرب الأوكرانية، في ظل فقدانها الأسواق الروسية والأوراسية، واضطرارها إلى استيراد النفط والغاز بأسعار مرتفعة من السوق العالمية.
وبحكم أن الاقتصاد الألماني هو الاقتصاد الأكبر والأكثر محورية في القارة العجوز، خرج هذا الاقتصاد الأكثر تأثراً بالأزمة الأوكرانية وبالقطيعة مع روسيا.
وانعكس ذلك بنسب تضخم عالية أصابت الاقتصاد الألماني منذ إطلاق روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرنيا، في شباط/فبراير 2022، أي قبل نحو ثلاثة أعوام.
وسجلت نسب التضخم مزيداً من الارتفاع، في أواخر عام 2024، نتيجة ارتفاع أسعار الخدمات والمواد الغذائية، الأمر الذي جعل معدل التضخم يتجاوز كثيراً حدود 2 في المئة، والتي سبق وحددها البنك المركزي الأوروبي.
ووفقاً للمكتب الإحصائي الاتحادي الألماني، بلغ معدل التضخم السنوي في ألمانيا، لشهر كانون الأول/ديسمبر 2024، 2.8 في المئة، وهو الرقم الاعلى منذ شهر كانون الثاني/يناير 2024. وكان أحد العوامل الرئيسة هو ارتفاع أسعار الخدمات بنسب أعلى من السابق، بحيث سجل 4.1 في المئة لشهر كانون الأول/ديسمبر، وارتفاع اسعار المواد الغذائية بنسبة 2 في المئة بالمقارنة مع الشهر الذي سبقه.
وسجل معدل التضخم لعام 2024 نسبة 2.2 في المئة بالمقارنة مع 5.9 في المئة لعام 2023، بينما انخفض معدل لتضخم الرئيس من 5.1 في المئة في عام 2023 إلى 3 في المئة في عام 2024 بنتيجة إجراءات الحكومة الألمانية التقشفية، والتي جاءت على حساب برامج الرعاية الاجتماعية في هذا البلد.
وأدى هذا الأمر إلى انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المئة في عام 2024 بعد أن سبق وسجل انكماشاً بنسبة 0.3 في المئة في عام 2023. كذلك، سُجِّل انكماش في الناتج الصناعي الألماني بنسبة 3 في المئة في عام 2024 نتيجة تباطؤ قطاع تصنيع السيارات والآليات، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الناجمة عن ارتفاع تكلفة الطاقة، بينما سجل انكماش بنسبة 3.8 في المئة في القطاع العقاري.
الأثر في الاقتصادات الأوروبية
وأثر تباطؤ الاقتصاد الألماني في مجمل اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي بسبب ارتباطها العضوي به، وسجلت نسبة التضخم السنوي في منطقة اليورو لشهر كانون الأول/ديسمبر 2024، 2.4 في المئة، وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي.
وعزا المراقبون هذا التطور إلى ارتفاع تكلفة الطاقة بنسبة 0.1 في المئة خلال شهر واحد، إضافة إلى التضخم في قطاع الخدمات بنسبة 4 في المئة، خلال الشهر نفسه. وسُجِّل ارتفاع في أسعار السلع الأساسية، مثل الأغذية المعلبة والكحول والتبغ، الأمر الذي أثر سلباً في الاستهلاك.
ووفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي، ارتفع معدل التضخم في ألمانيا إلى 2.8% في كانون الأول/ديسمبر، مقارنة بـ2.4% في تشرين الثاني/نوفمبر، في حين ارتفع معدل التضخم في فرنسا إلى 1.8%، مقارنة بـ1.7% في الشهر الذي سبقه. وتأثرت فرنسا بعدد من العوامل الاقتصادية التي تأثرت بها ألمانيا، إذ ساهمت أسعار الكهرباء المرتفعة في رفع تكلفة الإنتاج، وأسعار السلع. وما زاد في الطين بلة هو المشكلات التي واجهت سلاسل التوريد، وتراجع ثقة المستهلكين والشركات بجودة الإنتاج الأوروبي.
وشكلت إيطاليا استثناءً، إذ انخفض معدل التضخم فيها إلى 1.4% في كانون الأول/ديسمبر، مقارنة بـ1.5% في الشهر الذي سبقه. وعزا المراقبون ذلك إلى انخفاض أسعار السلع الصناعية والخدمات. وبصورة عامة، ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي في منطقة اليورو إلى 2.7% في كانون الأول/ديسمبر، وهذا الرقم يستثني أسعار الكحول والتبغ والمواد الغذائية والطاقة، بسبب تقلباتها.
أزمات جيوسياسية في الأفق
مع وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، فإن أوروبا تبدو على موعد جديد من الأزمات. فوعد ترامب بأن يكون عهده عهد إنهاء الحروب، التي أشعلها سلفه جو بايدن، قد لا ينعكس إيجاباً على العلاقة بين واشنطن وبروكسل. فترامب تحدث عن إنهاء الصراعات مع الخصوم، إلا أنه اطلق عدداً من الإشارات على أن علاقته بالحلفاء لن تكون مريحة لهؤلاء الحلفاء.
فقبيل وصوله إلى البيت الأبيض، أطلق الرئيس الاميركي سلسلة تصريحات، وجّه فيها تهديدات إلى بنما والمكسيك، وهما حليفتان للولايات المتحدة. كذلك أطلق تصريحات تطالب بضم كندا إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى ضم جزيرة غرينلاند التابعة لحليف آخر للولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي، الناتو، وهي الدنمارك. هذا أثار مشكلة مع بروكسل، بحكم أن كوبنهاغن عضو في الاتحاد الاوروبي، علماً بأن هذه ليست المشكلة الوحيدة التي ستواجه أوروبا مع ترامب.
وتكمن المشكلة الرئيسة لدول الاتحاد الاوروبي في مطلب ترامب القاض،ي بأن ترفع الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي ميزانياتها العسكرية المساهمة في الناتو من 2 إلى 5 في المئة من ناتجها المحلي القائم، وهو بذلك ينوي تخفيف أعباء الإنفاق العسكري عن كاهل واشنطن، وفي الوقت نفسه دعم وضع شركات السلاح الأميركية، التي ستبيع السلاح للدول الأعضاء في الناتو، بحكم أن هذه الدول، باستثناء فرنسا، لا تملك البنية الصناعية العسكرية التي تكفي حاجاتها.
ومن شأن زيادة الإنفاق العسكري، في حال حدثت، أن تُلقي أعباء إضافية على كواهل الدول الأوروبية، التي ستجد نفسها تزيد في إنفاقها على قطاع غير منتج، محوّلة مبالغ كبيرة بعيداً عن الاستثمار الصناعي وعن الإنفاق على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية، الأمر الذي سيفاقم الأزمة الاجتماعية، ويدفع مزيداً من الشرائح إلى تحويل ولائها إلى قوى اليمين المتطرف واليسار المتطرف، بعيداً عن قوى الوسط، التي قادت الدول الأوروبية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وهذا الأمر سيزيد في زعزعة الاستقرار السياسي، وسيعرّض الدول الأوروبية لهزات قوية قد تؤثر في قدرة الاتحاد الاوروبي على تطوير نفسه، الأمر الذي يمنعه من أن يكون قوة عظمى في زمن التحول من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب.