المجاهد لخضر بورقعة من رموز النضال الوطني الجزائري
كان المجاهد لخضر بورقعة مناضلاً من طراز خاص حيث شارك في حرب التحرير الجزائرية ووقف في صف المعارضة ضد الانقلابات، وأخيراً شارك الثورة الجزائرية في 2019. وعرف بدافعه عن القضية الفلسطينية.
ودّعت الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية المجاهد لخضر بورقعة، الخميس الماضي، إلى مثواه بمقبرة سيدي يحيى، وسط حضور جمع غفير من المواطنين وشخصيات وطنية، مدنية وعسكرية.
من هو المجاهد لخضر بورقعة؟ ولماذا هذه الشعبية الكبيرة له؟ وما دوره في الثورة التحريرية الجزائرية؟ وما دوره في الوقوف ضد انقلابات الجزائر؟ وما هي جهوده في الوقوف ضد الحزب الواحد وما جزاء وقوفه في صف المعارضة الجزائرية؟
إنه البطل المجاهد لخضر بورقعة، من شارك في الثورة التحريرية وشهد ملاحمها وبطولاتها وتضحيات رجالها للتحرر من الاحتلال الفرنسي الذي استمر 132 عاماً. وكانت ثورة الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر 1954 ثورةً مباركةً قدّم الشعب الجزائري وأبطال التحرير تضحيات لا مثيل لها في التاريخ، كانت حصيلتها مليون ونصف شهيد لكن كان الحصاد تحرير الجزائر.
وُلد هذا المجاهد والسياسي المخضرم سي لخضر (رحمه الله) في 15 آذار/مارس 1933 بالمدية. التحق بالثورة الجزائرية فارّاً من الخدمة العسكرية الإجبارية، ليصبح أحد الجنود الأشاوس، حيث أظهر قدراته القتالية في قيادته لكتيبة الزبيرية المشهورة بعملياتها الناجحة ضد الاستعمار في نواحي المدية، ثم تدرّج في الرتب والمهام إلى أن أصبح قائد ناحيةٍ في الولاية الرابعة، ثم نقيباً فرائداً في جيش التحرير، ولقد قدّره الجميع بسبب شجاعته وكفاءته العسكرية وأخلاقه وتعفّفه، وممن تأثرَ بهم في الجهاد رمز الولاية الرابعة الأشهر الشهيد أحمد بوقرة "سي محمد" الذي اعتبره سي لخضر مُعلّمه وقدوته.
وأسس المجاهد لخضر بعد نيل بلاده استقلالها عن فرنسا برفقة حسين آيت أحمد، حزب جبهة القوى عام 1963، وكان سي لخضر يُعرف بمعارضته الشديدة للرئيس الأسبق هواري بومدين، كما كان في صفوف المعارضين لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وسُجن لمدة 6 أشهر في مدينة الحراش، بتهمتَي "إهانة هيئة نظامية" و"إضعاف الروح المعنوية للجيش".
ولقد شارك سي لخضر في الحراك الشعبي الجزائري عام 2019، وبسب انتقاده رئيس أركان الجيش، الراحل الفريق أحمد قائد صالح، تمّ سجنه في حزيران/يونيو 2019. وكان سي لخضر قد خضع لعملية جراحية قبل أن يُفرج عنه مؤقتاً في انتظار محاكمته بتهمة "إهانة هيئة نظاميّة". ثمّ حوكم وطلبت النيابة سجنه عاماً نافذاً. وبعد تأجيلات عدّة، نطقت المحكمة بحكم غرامة قدرها 100 ألف دينار (نحو 700 يورو). وأصبح سي لخضر الرائد السابق في جيش التحرير الوطني (1954-1962)، أحد أبرز شخصيّات الحراك، وأصبح في نظر المدافعين عن حقوق الإنسان رمزاً لجميع "المعتقلين السياسيّين ومساجين الرأي".
حوَت مذكراته الشخصية (رحمه الله) التي صدرت تحت عنوان "شاهد على اغتيال الثورة" مجريات أحداث الثورة، وقد عرف الكثيرون من خلالها مكانته وحضوره الفاعل وسعة اطّلاعه، سواء ما تعلّق بجرائم الاحتلال الفرنسي ومكره أم بجهاد القادة الوطنيين لهزيمته، ووضّح أيضاً في هذه المذكرات المهمة ما يتعلق بالتناقضات والصراعات بين القادة، والتي يعتبرها في مؤلّفه السبب الذي مكّن ديغول من اختراق الثورة، خاصة بشأن الصراع بين زعماء الخارج والداخل بعد فشل لقاء العقداء واستشهاد كبار القادة.
بات سي لخضر مناضلاً سياسياً بعد استقلال الجزائر، وارتفعت مكانته خصوصاً لدى القوى التي عارضت الحزب الواحد، إذ رفض الرضوخ للأمر الواقع وأشهر صدعه بالرفض الدائم للانقلاب الذي قام به جيش الحدود بزعامة بومدين وتحالفه مع بن بلة، واستماتته في المواجهة والعمل مع كل من يعارض النظام، فكان مع كريم بلقاسم في محاولة تأسيس حزبه، ثم كان مع جبهة القوى الاشتراكية بقيادة آيت أحمد.
لقد كان سي لخضر من المدافعين عن القضية الفلسطينية، فنعاه رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية والعديد من القادة الفلسطينيين عرفاناً منهم بجهوده في دعم القضية الفلسطينية، حيث وفّر للناشطين حضناً جامعاً يلتقون عنده لمناصرة هذه القضية المقدسة ومختلف قضايا الأمة على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، فكان سي لخضر الرئيس الدائم للعديد من اللجان الشعبية لفك الحصار عن غزة ومجابهة التمدد الصهيوني.
فكان المجاهد لخضر بورقعة مناضلاً من طراز خاص حيث شارك في حرب التحرير الجزائرية ووقف في صف المعارضة ضد الانقلابات، وأخيراً شارك الثورة الجزائرية في 2019، وسُجن مرات عدة، وسيظل رمزاً وطنياً للشباب الجزائري والشباب العربي والإسلامي.