من "كامبل بنرمان" إلى "وعد بلفور" المشؤوم مشروع واحد؟!
خانت الأنظمة العربية القضية الفلسطينية وباعت فلسطين وكانت جزءاً لا يتجزأ من واقعٍ جديد متناغم مع الأهداف الأميركية الإسرائيلية، هدفها تثبيت أنظمة دكتاتورية وتغييرٍ لواقعٍ يعتبر "دولة الاحتلال" دولة طبيعية من المنطقة.
لم تكن دعوة إنشاء كيان يهودي أو وطن قومي لليهود على الأرض الفلسطينية تحقيقاً لنبوءة توراتية كما يزعم اليهود، ولم يكن ما نشاهده اليوم من سرقة الأرض الفلسطينية وتنفيذ مخططات احتلالية أو تطبيعية هنا وهناك مجرد صدفة، بل إن الهدف من ذلك هو تنفيذ غايات استعمارية انطلاقاً من أخطر مؤامرة عرفها التاريخ لاحتلال فلسطين وتدمير المنطقة وتجهيلها والقضاء على مقدّراتها.
ما نعيشه اليوم هو ثمار مؤتمر 1907 الذي دعا إليه كامبل بنرمان، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك بحضور سبع دول أوروبية، هذا المؤتمر أسس لاحتلال فلسطين أولاً ثم لتقسيم المنطقة العربية ثانياً، مؤتمرٌ كان بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق الدول الاستعمارية ومكاسبها على أطول أمد ممكن.
كانت عيون المجتمعين في المؤتمر شاخصة على مقومات النهضة التي يمتلكها العرب من الخليج إلى المحيط كمنطقة تُشرف على أوروبا من الشمال وعلى أفريقيا من الجنوب وعلى شبه القارة الهندية وآسيا أيضاً، وفيها من الموارد ما يحتاجه الغرب وتستطيع أن تخنق العالم كله من خلال مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، والهدف هو السيطرة على هذه المنطقة وإضعافها والقضاء على الاستقرار فيها وحرمانها من النهضة.
وحتى نعي ما الذي يحدث اليوم في منطقتنا، والشعب الفلسطيني يعيش الذكرى الــ( 103) لوعد بلفور المشؤوم، قرر الغرب في مؤتمره آنذاك زرع جسم غريب في المنطقة متمثلاً "بإسرائيل" بشكل خاص، من أجل تحقيق ثلاث أهداف أوّلها فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، وثانيها أن يكون ولاءه للغرب، وثالثها أن يجعل المنطقة في حالة لا توازن، فالتوازن كما أقر المؤتمر يولّد الاستقرار والاستقرار يولّد النهضة للأمة، وهذا ما لا تريده بريطانيا ومن اصطفّ في صفها، فكان خلق أجواء تمنع نهضة الأمة هو الهدف لمؤتمر كامبل بنرمان.
التقطت الحركة الصهيونية العالمية نتائج هذا المؤتمر وتوجّه اليهود بقيادة حاييم وايزمان إلى بريطانيا، وتعهّد أن يكون "الكيان الصهيوني" هو الجسم الغريب في هذه المنطقة، كما تعهد بالحفاظ على الولاء للغرب وتعطيل نهضة الأمة العربية. وقال وايزمان الذي لعب دوراً كبيراً في استصدار وعد بلفور بكل وضوح: "نعاهدكم أن ولاءنا لكم "للغرب" لكن بشرط ألا تتركونا، يجب إعطاؤنا كل ما نطلبه منكم، لنا دور واحد هو تعطيل نهضة الأمة". وافقت بريطانيا واستُصدر الوعد المشؤوم ولا زال الشعب الفلسطيني يجني نتائج كارثية من الاحتلال والظلم والقتل والعربدة الصهيونية على الشعب الفلسطيني.
خلقت بريطانيا بمؤتمرها شكلاً جديداً للمنطقة، رسمته بشكل عميق لنصل إلى هذه اللحظة، أمّةٌ عربية مقسمة ومترهلة بقيادات وزعامات ترعى مصالح الصهيونية وتحرص على إقامة علاقات معها، والسيطرة على الأرض الفلسطينية، وغربٌ لا يقبل بهزيمة المشروع الصهيوني، فما نراه الآن هو عقد بين الصهيونية العالمية والغرب وعنوان هذا العقد احتلال فلسطين وتعطيل نهضة الأمة وجعلها في حالة اللاتوازن.
أما عن أحد أهم إفرازات هذا المؤتمر، فوعد بلفور لم يكن مجرد وعد، بل مهّد وشرعن للاحتلال وعصاباته الإجرامية الصهيونية من خلال ممارسات الظلم والقتل بحق الشعب الفلسطيني ولا زال يعاني حتى الآن، فمثل هذا الوعد لا يمثل الوجه القبيح لحكومة بريطانيا فحسب، بل أسس للظلم والعداء لشعب بأكمله من قبل دول الغرب التي ساندت المشروع الصهيوني وعلى رأسها أميركا التي تجسدت فيها العقلية الاستعمارية.
أما ونحن نعيش هذه الذكرى المشؤومة الـ(103) لوعد بلور، فقد هرول العرب للتطبيع مع هذا الجسم الغريب " دولة الاحتلال الصهيوني" الذي أنشأته بريطانيا والغرب في تعبير وانعكاس واضح لانحطاط الأداء السياسي للأنظمة العربية التي طبّعت والتي تنوي التطبيع كالسعودية وعُمان والمغرب وغيرها من الدول.
خانت الأنظمة العربية القضية الفلسطينية وباعت فلسطين وكانت جزءاً لا يتجزأ من واقعٍ جديد متناغم مع الأهداف الأميركية الإسرائيلية، هدفها تثبيت أنظمة دكتاتورية وتغييرٍ لواقعٍ يعتبر "دولة الاحتلال" دولة طبيعية من المنطقة.
ما أفرزه مؤتمر كامبل بنرمان أسس لسيناريو أبعد من المؤتمر ذاته، لا زال يتكشّف بدءاً من بلفور المشؤوم مروراً بـ"صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتُستكمل إقامة المشروع الصهيوني المتمثل بوطن قومي لليهود خدمةً للمصالح الغربية، لكن بكل تأكيد، هذا الواقع لن يدوم طويلاً أمام صمود الشعب الفلسطيني وتمسكّه بأرضه واستراتيجية مقاومته التي أخذت على نفسها عهداً ووعداً بتحرير الأرض المحتلة وإسقاط بلفور وما تبعها من مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية. ستبقى فلسطين حرة أبية والاحتلال حتماً إلى زوال.