بايدن أو ترامب.. العلاقة مع الصين على مفترق طرق
لم تغب الصّين يوماً عن المشهد الانتخابي الأميركي. العلاقة مع بكين، أو بمعنى أدق استراتيجية مواجهة الصين في العقود الأخيرة، هي أمر أساسي على جدول أيّ مرشح محتمل.
في خطابه الأسبوع الماضي، بمناسبة إحياء ذكرى مرور 70 عاماً على دخول الصين في الحرب الكورية، شنّ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، هجوماً على الولايات المتحدة من دون أن يسميها، قائلاً: "لن ينجح أي ابتزاز أو تقييد أو ضغط شديد من أولئك الذين يسعون إلى أن يصبحوا زعماء العالم".
أراد الرئيس الصّيني من نبرة التحدّي أن يرسل رسالة مزدوجة، فالمناسبة التي تحدَّث خلالها هي من المرات القليلة التي تواجه فيها الجيش الصيني مع القوات الأميركية في ساحة المعركة. ومن ناحية أخرى، أتى خطابه على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
قد تكون الانتخابات الأميركية المقبلة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر نقطة تحوّل في السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما في ما يتعلَّق ببكين، التي تحملت العبء الأكبر من نهج إدارة ترامب. وكانت التجارة الصينية وشركات التكنولوجيا والدبلوماسيون، وحتى الطلاب، خلال تلك المرحلة، في مرمى النيران الأميركية، ما أدى إلى تغذية الارتياب في بكين من أن واشنطن تنتهج سياسة احتواء تعود إلى الحقبة السوفياتية.
لم تغب الصّين يوماً عن المشهد الانتخابي الأميركي. العلاقة مع بكين، أو بمعنى أدق استراتيجية مواجهة الصين في العقود الأخيرة، هي أمر أساسي على جدول أيّ مرشح محتمل.
واليوم، يتبنّى المرشح الرئاسي جو بايدن، الرئيس المقبل بحسب استطلاعات الرأي، نبرة أكثر تصادماً عند الحديث عن الصين، إذ وصف بايدن الرئيس الصيني بـ"السفاح"، بينما اتهمت حملته الانتخابية الصين بارتكاب "إبادة جماعية" للإيغور، وهو مصطلح لم تتطرق إليه إدارة ترامب. ويبقى السؤال الأهم عن الاستراتيجية التي سيتبناها بايدن، فهل يمكن القول إنَّها ستختلف عما تبناه ترامب خلال فترة حكمه؟
يشير ما قاله بايدن حتى الآن إلى نهج متعدّد الأطراف يركّز بشكل أكبر على عدم العمل منفرداً من خلال التنسيق مع الحلفاء، ويقل اعتماده على التعريفات الجمركية ومبيعات الأسلحة. وعلى الرغم من أنه قضى معظم حملته الانتخابية في انتقاد سياسات ترامب تجاه الصين، فإنَّ نظرية المواجهة التي يتبناها تبدو كأنها تغيير في التكتيكات أكثر من كونها استراتيجية جديدة.
يقول جيفري بريسكوت مستشار بايدن: "قد يكون الناس في بكين قلقين بشأن جو بايدن، لأنهم يدركون أنه سيعمل مع الحلفاء"، فيما اقترحت ميشيل فلورنوي، وهي مرشّحة محتملة لرئاسة البنتاغون في عهد بايدن، أنَّ الولايات المتحدة يجب أن يكون لديها القدرة على "إغراق جميع السفن العسكرية والغواصات والسفن التجارية الصينية في بحر الصين الجنوبي في غضون 72 ساعة".
بايدن أيضاً وجّه سهام انتقاده إلى ترامب، لكونه "أول رئيس أميركي منذ 3 عقود لم يلتقِ أو يتحدَّث إلى الدالاي لاما"، متعهّداً بلقاء الزعيم الروحي للتيبت كرئيس، وهي مسألة حساسة في رسم معالم العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
وإذا ما كان ترامب يرى العلاقة مع الصين بشكل أساسي من منظور التجارة وفيروس كورونا، فإن بايدن يرى أن العلاقة بين بلاده وبين الصين هي منافسة متعددة الأوجه ستحدد شكل النظام الدولي لأجيال قادمة.
يمكن استنتاج ذلك من حديث إيلي راتنر، مستشار بايدن للشؤون الصينيّة، والذي أكَّد أنه في العلاقة مع الصين، "هناك منافسة تكنولوجية وعسكرية واقتصادية وإيديولوجية ودبلوماسية"، مضيفاً: "إنها مهمة كبيرة"، ولكن بايدن لم يتطرّق حتى الآن إلى موقفه من الإجراءات التي اتخذها ترامب ضد الصين خلال سنوات إقامته في البيت الأبيض.
وعلى الرغم من أنَّه وصف اتفاقية ترامب التجارية مع الصين بأنها "فارغة"، لكنه لم يقل ما إذا كان سيلغي التعريفات المفروضة حالياً على السلع الصينية، والتي تبلغ قيمتها 360 مليار دولار.
في كلِّ الأحوال، إذا ما تم انتخابه، فإن قرارات بايدن الفورية بشأن التعريفات الجمركية وتايوان ستحدد شكل علاقته مع الصين، لكنه، بحسب المراقبين، سيتأكد دائماً من استشارة حلفائه وتجنّب المواجهات الفردية التي كان ترامب يستمتع بها. ولن يكون عجز الميزان التجاري بين البلدين هو العامل الوحيد الذي تتّخذ على أساسه القرارات في إطار هذه العلاقة.
أمور كثيرة على المحك، من دون نسيان المواجهات العسكرية المحتملة بين البلدين. سيطرة دونالد ترامب أو جو بايدن على البيت الأبيض، ستقرّر ما إذا كانت السنوات الـ4 الأخيرة انحرافاً أو طبيعة جديدة للعلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
ربما من المهمّ التّذكير هنا بأنَّ جورج بوش (الابن) سبق بايدن في الدّعوة خلال حملته الانتخابيّة إلى إعادة تعريف الصّين على أنها قوة منافسة والتركيز على الحلفاء، لكنه بعد 9 أشهر فقط من تولّي منصبه، وصف الصين، خلال مؤتمر صحافي في شنغهاي، بالشريك المهم، مرحّباً بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، داعياً إلى علاقة بنّاءة بين البلدين.