بالدمار والقتل تسعى "إسرائيل" لعالم متعدد الأقطاب
مشروع نتنياهو يلزمه جغرافيا وموارد، والتي دونها عوائق المقاومات في الداخل وفي المنطقة، فيلجأ إلى فتح بازار المتاجرة مع الدول الفاعلة وفي طليعتها روسيا.
لم يُولد الشرق الأوسط الجديد على يدي كونداليسا رايس سنة 2006، فأخذ نتنياهو على عاتقه العملية القيصرية عام 2024 في ظل المتغيرات نحو عالم متعدد الأقطاب، ليرفع شعاره من على منبر الأمم المتحدة: شرق أوسط جديد مع خريطة لخط من الهند مروراً بمحطات النفط والغاز والمال ليصل إلى حيفا، متحدياً خط الحرير الصيني وممراً يمر شمالاً جنوباً بين روسيا وإيران، ممتداً جغرافياً بتزكية من الإدارات الأميركية الحالية منها والمقبلة، ترامب: (إسرائيل صغيرة وبحاجة لتتوسع) لتتوسع على حساب الأراضي العربية متجاوزة مصالح تركيا وإيران وطموحاتهما في الشرق الأوسط، وعلى حساب الدول العربية القابعة على أرصفة الممرات تنتظر في محطة غادرها آخر قطار قبل وصول العواصف الجغرافية والسياسية الجديدة.
لكن مشروع نتنياهو يلزمه جغرافيا وموارد، والتي دونها عوائق المقاومات في الداخل وفي المنطقة، فيلجأ إلى فتح بازار المتاجرة مع الدول الفاعلة وفي طليعتها روسيا، واعداً بالسير بتعدد الأقطاب، مبتزاً بتخريب الإنجازات في سوريا، داعماً المنظمات الإرهابية، مجدداً وكما قال لافرنتيف، ممثل الرئيس بوتين في سوريا بعد لقاء أستانا، "ما يحدث في الشرق الأوسط سينعكس سلباً حروباً في سوريا ومع إيران وستتحرك المنظمات الإرهابية وفي طليعتها هيئة تحرير الشام في درعا والقنيطرة والسويداء".
ومبتزاً أيضاً بالقصف والاعتداءات اليومية حتى وصلت إلى حائط قاعدة حميميم لجس نبض روسيا الساعية للعب دور الوسيط، كما قال الرئيس بوتين في منتدى ڤالداي "سنلتزم الصمت لكي لا نخرب دور الوساطةالذي بدأناه".
وكما صرّح بيسكوف بالأمس قائلاً: إن الاتصال ما بين المستشار الألماني شولتس والرئيس بوتين، والذي أتى بعد سنتين من المقاطعة تطرق إلى الصراع في الشرق الأوسط "وهذا يعكس الرهان الكبير الذي تعمل عليه روسيا.
استغلت "إسرائيل" هذه الحاجة الروسية أو الطموح للعب دور الوسيط في الشرق الأوسط، هذا الشرق الذي دخلته روسيا من خلال سوريا بعد خسارة كل الدول الصديقة العربية لتلعب دور قطب دولي، وإذ تحاول روسيا المحافظة على العلاقة مع جميع الأطراف والساعية لبقاء التوازن بين الفاعلين من خلال علاقاتها الجيدة مع هذه الأطراف وفي الوقت نفسه الحفاظ على الإنجازات المحققة في سوريا، فإن "إسرائيل" تحاول التأكد من حيادية روسيا طالبة وبوقاحة حراسة الحدود السورية- اللبنانية، وضاربة مصداقيتها من خلال القصف اليومي، والانتقام لما قاله بوتين منذ عام: "حصار غزة يشبة حصار لينينغراد" أثناء الحرب العالمية الثانية، هذه المدينة التي حوصرت 900 يوم قضى فيها مليون شخص، قصفاً ومرضاً وجوعاً.
أو من خلال الإعلان عن زيارة لم تتم رسمياً لوزير الشؤون الاستراتيجية دريمر ولم تغطها أي وسيلة إعلام روسية، مع العلم أن قسماً كبيراً منهم مؤيد لـ"إسرائيل"، فيما سعى الإعلام الإسرائيلي لتحميلها كل الأحلام الإسرائيلية، وأهمها وقف توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، هذه الاتفاقية المزعجة حتى الهستيريا لحكومة نتنياهو وللإدارة الأميركية، والتي قالت زخاروفا، الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، رداً على سؤال للميادين؛"ستوقع هذه الاتفاقية بمراسيم وزيارة رسمية ورغماً عن أنف الغرب، وطلبت الاحتفاظ بما يكتبونه لكي نحبطهم ونشوّه مصداقيتهم لاحقاً بعد التوقيع".
تزعجهم هذه الاتفاقية لأنها ترسم شرق أوسط جديداً يتناقض وخريطتهم، نحن أمام صراع على المساحة العربية الغنية بالموارد والجغرافيا السياسية، وتتقاطع فيها كل المشاريع التي ستزداد سخونة في الأوقات الضائعة وبين الإدارات الأميركية المتعاقبة.
الواسطات تحتاج إلى قطب قوي وليس العكس.