"التنمّر" يدخل العقل العربي من باب "المؤامرة"
هي فكرة المؤامرة التي صمَّم عليها العقل العربي، فكلّ شيء بات يحدث من باب الشَخْصَنة، حتى تطبيق القانون والالتزام به.
كان يقف بكلّ شموخٍ، ويشرح لأصدقائه من الطَلَبة كيف أخبرَ أستاذه الجامعي أن حاسوبه الشخصي تعرَّض للكَسْرِ، كي يأتي له بحاسوبٍ جديدٍ، قائلاً "من الأفضل لتلك البلاد الغنيّة كالصين أن تقدِّم جزءاً من أموالها لباقي الدول على حدّ تعبيره".
تابع: "صدَّقني البروفسور، وقدَّم لي حاسوباً جديداً". يُجيبه الآخر "هل تعلم إنني أخبرت مُشرِفي بالشيء ذاته، فلم يُحرِّك ساكِناً إنه بخيل". بعدها بدقائق يبدأ الحديث عن حملة "التنمّر" المُنتشِرة اليوم في الصين، إذ باتوا ينظرون إلى كلّ غريبٍ أو أجنبي سواء كان وافِداً أو مُقيماً، على أنه مُعدّ وحامِل للفيروس العالمي الجديد "كورونا".
شاركه أصدقاؤه الحديث على أنهم يعانون من المشكلة ذاتها، وأنهم مُضطهدَون في هذه البلاد الكبيرة، مُتناسين منذ لحظات البطولة التي أحاكوها ضد أستاذهم الصيني، مُعبِّرين عن رغبتهم بالعودة إلى بلادهم، إلا أن الأوضاع في الشرق الأوسط سيّئة بالمُجمَل.
خطوات ليست بالكثيرة، وتحديداً على مدخل إحد المُجمّعات السكنيىة وقفت إمرأة عربيّة برفقتها 5 أطفال تُناقِش حارس البناء وتتذمَّر لأنه لم يُدخلها إلى منزل جارتها كي تقوم بواجب الزيارة الاجتماعية للمرأة الليبية القاطِنة في الطابق السابع، والتي لديها أيضاً 6 أطفال.
عمل الحارس على إقناعها بالعودة لأن اللحظة الراهِنة لا تقتضي هذا النوع من التواصُل الاجتماعي إلا أنها رفضت، وعدَّت أن الأمر يتعلَّق بمُجرَّد كونها عربية صارِخة بأعلى صوتها "جراثيم إحنا جراثيم".
"فاقِد الشيء لا يُعطيه" عبارة تنطبق على كلّ عربي، فَقَدَ الاحترام في بلده، فلم يستطع أن يظهرالأفضل في بلد المهجر، فعلى ما يبدو لا يحتمل العقل العربي أنظمة الدول الكُبرى التي لا تنظر إلا إلى الإنتاج والجهد، فمُعظمهم أتوا من بلادٍ تُميِّز بين الطائفة والأخرى والقبلية والثانية، فبات التخلّص من مشكلة التمييز، أمراً مُتأصّلاً في عقولهم.
وبذلك لم تأخذ فكرة انتشار "التنمّر" في الصين وقتاً طويلاً، حتى سيطرت على عقل مُعظم العرب المُقيمين في مختلف المدن الصينية، فبات أيّ ممنوع يحدث بطريقة الصدفة، لا ينجو من اتهامات وتفكير ملتوٍ بأنه "تنمّر" ضد العربي.
فعلى الرغم من أن الصين شعباً وحكومة، يتبعان وبدقّة قواعد السلامة الصحية جميعها في فترة انتشار الوباء، إلا أن العقل "المؤامراتي" لا يحتمل بعد التفكير بأن هذه الأُسُس التي طُلِب اتباعها ناتجة من وجوب مُراعاة الأسُس الصحية، لمنع توسّع دائرة المرض.
هي فكرة المؤامرة التي صمَّم عليها العقل العربي، فكلّ شيء بات يحدث من باب الشَخْصَنة، حتى تطبيق القانون والالتزام به، فالخروج من دون كمَّامة من المُمكن أن يُعرِّض أيّ شخص بمَن فيهم المواطن الصيني للمُخالَفة الجسيمة، إلا أن العربي اليوم بات يعدّ كل ما يحدث استهدافاً لوجوده لأنه في بلاد غريبة.
لا تنمّر واجه العربي أسوأ من سيطرة الطائفة والدين والعِرق على كل اتجاهات تفكيره، بحيث وضع نفسه ضمن قوقعة التمييز لا التميّز أينما ذهب، فبات يشعر بدنوّ قَدَره، مُشغِّلاً حسّ "المؤامرة" في كل خطوة.