التكفير والديمقراطية في تونس اليوم
ما من شكٍّ أن التكفير الذي نحن بصَدَده هو تكفير سياسي وأن الديمقراطية التي نُشير إليها هي ديمقراطية تكفيرية وبالتالي فإن هذا التكفير السياسي هو نوع من الاغتيال السياسي.
لا شكّ أن التكفير السياسي جريمة دولة مثله مثل الاغتيال السياسي. هذا ما تعيشه تونس منذ 2011 حتى يومنا هذا من دون أن ندخل في تفاصيل ما جرى وما يجري وندخل في سَردٍ إخباري غير مُفيد حول هذه الأمور.
لقد وقعت عدَّة مآسٍ معلومة لكل مُتابِع لما يجري في تونس وفي المنطقة وفي العالم ربطاً بما يُعرَف بتحوّلات الأنظمة في بلداننا. ولم تنجح المُعالجات الدستورية والقانونية بما فيها قانون الإرهاب، ولم تنجح المُعالجات الأمنية والعسكرية بما في ذلك الحرب على الإرهاب التكفيري في تغيير مناخات الدم المُلازِمة لشعبنا وأمَّتنا. وكذا المُعالجات الاقتصادية والاجتماعية والجَدَل العقيم المُتواصِل حول التناولات التربوية والثقافية والدينية.
نحاول هنا في هذه الورقة النظر إلى جانبٍ آخر من مأزق الديمقراطية الشكلية ومن جانبٍ آخر هو الجانب الفلسفي السياسي (وهو اختصاصنا الأصلي) والذي لا يخلو من نظرةٍ سياسيةٍ علاوة على النظر العقلي النظري.
نحن نظّن أننا عند مُفترَق طُرُق بين الفُقه الديمقراطي الرسالي الإنساني من جهةٍ والتمثيل الديمقراطي للتكفير والوصاية التكفيرية على المؤمنين من جهةٍ أخرى.
إن الدولة الرسالية الإنسانية أو دولة الإنسان الرسالية الإنسانية، دولة الإنسان العارِف العالِم الخادِم للإنسان المُبدِع لمفهوم الإنسانية هي البديل عن التكفير في رأينا.
ومع ذلك، فليتفقَّه المُتَفقّهون بالأسئلة التالية:
التكفير السياسي الذي لا ندرسه كعاملٍ وإنما نقلبه كمفهومٍ، كمْ يلزمه من إيمانٍ وكمْ يلزمه من تكفيرٍ؟ كمْ يلزمه من إيماني وكمْ يلزمه من تكفيري؟ ما هو مُعتقد التكفيري وما هو إيمان غير التكفيري؟ وهل الإيمان همّ من هموم الإنسان مطلقاً أم مشغّل من مشاغِل تقسيم الإنسان والإنسان على أساس التكفير السياسي؟ هل التكفير موضوع إيماني وهل الإيمان موضوعه الكفر أم موضوعه رسالة الإيمان؟
ما دولة الإيمان وما دولة التكفير؟ ما الدولة المؤمِنة وما الدولة الكافِرة؟ هل يؤمِن أحدنا للتسليم بالإيمان أمْ للتسليم بالتكفير؟ هل المؤمِن مؤمِن لأنه مؤمِن أمْ لأنه تكفيري وهل التكفير مدخل حقيقي للإيمان والعكس بالعكس؟ وهل يؤمِن المؤمِن لأنه مؤمِن ولأجل الإيمان أم لانه مُكفر ولأجل التكفير؟
وفوق ذلك كله، هل نحن أمام غالبيّة/أغلبيّة تكفيريّة أم غالبيّة/أغلبيّة مؤمِنة؟ هل توجد ديمقراطية تمثيلية للتكفير أم لخدمة الشعب؟ هل نريد نموذج ديمقراطية تغييراً أم نموذجاً ديمقراطياً تكفيرياً؟ وهل الديمقراطية وسيّدها الشعب وهدفها الشعب ديمقراطية سيادة شعبية أم هي وصاية تكفيرية على المؤمنين وعلى غير المؤمنين؟
لقد وُجِدَ الدين على ما نفهم للإيمان وليس للتكفير. ولذلك فإن كل تكفير انقطع عنه الدين وقطع معه، هو بالضرورة تكفير سياسي وبالتالي خداع سياسي وجريمة سياسية في حق البشر. وإن أغلب الأسئلة هذه وجّهناها إلى الناخبين التونسيين سابقاً. وهي غير ذات جدوى بطبيعة الحال إلى حد الآن طالما لم تحسم الأمور فكرياً وسياسياً وإعلامياً على أيّ مستوى كان رغم الادّعاء أن الدستور أنهى هذا الجَدَل والقوانين أيضاً.
ولذلك وفي سياق العملية الإرهابية الأخيرة التي جدَّت في تونس يوم الجمعة الماضي 6 مارس/آذار 2020، نوجِّه دعوة إلى نظام الحُكم القائم في تونس وعموم التونسيين وإلى وطننا العربي والإسلامي لنبسط للتأمّل ما يلي:
-التكفير بؤرة فاسِدة في قلب المجتمع التونسي وعموم الأمَّة.
-التكفير المُستورَد واستخدامه كسلاحٍ جرثومي بيد المُنافقين وأداة تقسيم تكفيري سياسي بيد العدو الخارجي وأدواته على أساس التكفير وليس على أساس الدين وعلى أساس التكفير المُتبادَل وليس على أساس القَطْع مع التكفير وهذه أخبث وأخطر استراتيجية عدوان تفاقم اصطناع تيارات مُتناحِرة تُزايد على بعضها في الاعتداء.
-الإسلام من التكفير براء، بل إن ديننا الحنيف في قطيعةٍ جذريةٍ ونهائيةٍ مع هذا التكفير ودُعاته في تاريخه ومستقبله رغم كل الجرائم في الماضي والحاضِر.
-التكفير فتنة مُتنقلَّة أشدّ من القَتِل ولا تقلّ فَتْكاً عن الفيروس الجيوسياسي الرديف لها وهو التطبيع مع العدو الصهيوني والاستسلام للاستعمار، أيّ استعمارٍ كان.
- تكفير الناس بعد رسالة رسول الإنسانية محمَّد عليه صلوات الله كمَن يُكفِّر رسولهم ويقطع رسالتهم عن الناس.
- مَن يعتقد أن التكفير من الإيمان في شيء يوقِع نفسه في فخّ إفساد الرسالة والاعتداء على الناس جميعاً.
- التكفير أداة هيمنة ولا يمكن له البتَّة المَساس بجوهر الدين، أيّ دينٍ كان.
- إن فَرْض سيادتنا الوطنية على بلادنا وعلى كل أجنبي يتعدَّاها هو الردّ الوحيد القابِل للاحتضان الشعبي والقادِر على النهوض بشعبنا.
- إن تجريم العدو وخاصة العدو الصهيوني أصْلَح وأسْلَم وأنْفَع وأبقى وأكثر أماناً مع الله ومع عِباده وأكثر أمناً للبلد من مُجرَّد التكفير.
- إن عدم السهر على إقامة الحق ونشر العدل يُعطي الذريعة لشُذَّاذ الآفاق الذين يريدون الانحراف بتونس من حلم تغيير إلى بؤرة تكفير وتبعيّة وتطبيع.
- إن رسالة الإسلام للإنسانية وللعالمين. وكل مَن يستبدلها بالتكفير عوض مكارِم الأخلاق والدين إنما يُعبِّر عن "جاهلية" مُستحدَثة مكانها ما قبل الإسلام وما قبل الدستور والقانون.
ولذلك ندعو إلى:
- العمل على الكفّ عن إستعمال التكفير في الحياة السياسية من جهة التكفيريين والكفّ عن استخدامه على حدّ السواء من الجهة المقابلة لهم.
-سنّ قانون خاص بتجريم التكفير السياسي.
-تطبيق قانون الإرهاب بصَرَامةٍ وفي حدّه الأقصى على كل مَن ينطبق عليه في كل مستويات الجريمة.
-حَسْم ملف العلاقات الخارجية في إتجاه إنهاء الرؤية "الدبلوماسية" المزعومة المُتقاطِعة مع أصول الإرهاب والتطبيع بدليل قَطْع العلاقات مع الدول المقاوِمة لهما ما يوفِّر الغطاء الضمني لسلاح الإرهاب وللعامِل الإرهابي والتطبيعي بصورةٍ عامة. وإن هذا الحسم حاسِم أيضاً في مُعالجة جذور تزييف الوَعي وتزوير البوصلة.
-الإصلاح الشامل للثقافة الدينية على أساس الرسالية الإنسانية والإصلاح الشامل للثقافة السياسية على أساس الوحدة والمقاومة والسيادة والإصلاح الشامل للثقافة الديمقراطية على أساس نزع الانحراف التمثيلي للتكفير وتوسيع قاعدة الديمقراطية التي نُسمَّيها قاعدية موسّعة لخدمة الناس حصراً والإنماء المستقل لحياة الناس حصراً، وإصلاح النظام السياسي ليعكس سياسات خارجية وأمناً قومياً وحدوياً وسيادياً ومقاوماً حصراً، وإصلاح النظام الانتخابي ليعكس خيارات اقتصادية واجتماعية تنموية وعدالية حصراً مرتبطة بالقوى الشعبية المُنتجة والمُعطّلة صاحبة القرار والمصلحة، وصاحبة الرؤية التي تعطي كل العناية والأولويّة للمصلحة العامة والخير المُشترَك والعَيْش الواحد لا فئوية وشعبوية الأقليّات السياسية المُرتبطة بالإرهاب والفساد والتبعيّة والتطبيع.