غداً.. تأشيرات الحجّ من السفارات الصهيونية!

مَن لم يفهم بعد ماذا سيحصل بعد هذا التوغّل الصهيوني في الدول العربية، فعليه إعادة قراءة قصَّة احتلال فلسطين، ليتيقَّن أنّ السيناريو الصهيوني يتكرَّر حالياً في الشرق الأوسط.

  • غداً.. تأشيرات الحجّ من السفارات الصهيونية!
    كلّ السيناريوهات باتت مُمكنة لسماح آل سعود للصهاينة بدخول السعودية متى شاؤوا (أ ف ب)

تتسلَّل "دولة صهيون" إلى أراضي المسلمين والعرب المُقدّسة خطوةً خطوةً منذ سنين. وقد نبَّهنا في الكثير من مقالاتنا السابقة في منابر عربية مختلفة إلى الخطر المُحدِق بالإسلام جرّاء هذا التسلّل. وها نحن نرى اليوم بأمِّ أعيننا كيف يفتح آل سعود أبواب مُقدَّساتنا للصهاينة ليعيثوا فيها فساداً. ما نتعلَّمه من دروس هنا هو أنَّ استراتيجية آل صهيون تشبه إلى حدٍّ ما مجرىً مائياً باستمرار تدفّقه واختياره أسهل طريق ليشقّ مجراه، ولو كان طويلاً، لينجح في الأخير في جَرْفِ آلاف الأحجار معه وثقب أصلبها وأعندها.

والحال أنه كلَّما ضعفت قبضة سيطرة آل سعود على مجريات الأحداث في المنطقة، سارعوا إلى الارتماء في أحضان بني صهيون، غير مُبالين بأنهم يرتمون في حضن الجحيم، لأنَّ هذا الهروب إلى الأمام هو تعجيل في نهايتهم المحتومة، ذلك أنَّ الخيانات التي يقومون بها حالياً فاقت خيانة البشر أمثالهم، لتشمل خيانتهم لله ورسوله، وإحلال عبادة الأوثان من جديد (الدولار)، وشراء سلطتهم من الصهيو-أميركيين. كلّ هذا أمور يعيها الشارع المسلم والعربي منذ زمن، وهو يشهد مأساة تقديم مُقدّساته للصهاينة على طبق ذهبي، إرضاء للنزعة التدميرية الإسرائيلية وجنونها للقضاء على المسلمين ومسيحيي المنطقة، بدءاً بالقضاء على مُقدَّساتهم.

كلّ السيناريوهات باتت مُمكنة لسماح آل سعود للصهاينة بدخول السعودية متى شاؤوا ومُغادرتها متى شاؤوا. وبما أنّ هذا السماح وقع قبيل إعلان الصهيوني ترامب عن "صفعة القرن"، فمن حق المرء أن يفترض أنه جزء من هذه "الصفعة" التي أصابت العالم المسلم من حيث لا يدري. 

يحمل هذا السّماح مخاطر لا حَصْر لها، لأنه يُنبئ بأن قبضة الصهاينة على زِمام الأمور في السعودية قد تمّت بالفعل، وبأنها ستصبح المستعمرة الثانية لآل صهيون بعد فلسطين، ومنها سيكون من السّهل عليها المُضي قُدُماً في تحقيق حلمها الكبير في السيطرة على مجموع الشرق الأوسط، خدمةً للفكرة المؤسِّسة لها، فمحاولة اجتثاث أراضٍ من الأردن، والرغبة في المزيد من الأراضي السورية، والطمع في لبنان، كلها مؤشّرات على رغبة الصهاينة العمياء في تركيع العالم المسلم، مع العِلم بأنَّ أراضي مصر مُستباحة لها منذ زمن.

في حمى خوفهم الوجوديّ من الاندثار إلى غير رجعة، وبعدما خاب أمل آل سعود في "حاميهم وحالبهم" ترامب، ها هم يفرشون السجاد الأحمر على أبواب مكَّة والمدينة لسيّدهم الصهيوني، ساجدين راكعين له، لعلَّه يعوّضهم عن "خيانات" ترامب لهم ومطالبته منهم بالمزيد. ولا نخفي خوفنا من أن يتقلّد الصهاينة زِمام أمور مدننا المُقدَّسة، لأنها مُربِحة مادياً، لما تدرّه على آل سعود من أموال طائلة لا تنفد، وإن نفد البترول، لأنَّ طاقة الإيمان أقوى وأكبر من طاقة البترول.

ولن نتفاجأ إن طُلب في المستقبل القريب من المُرشّحين لحج بيت الله الحرام أو أداء مناسِك العُمرة دفع ملفات الفيزا إلى السفارات الصهيونية في البلدان العربية – وهو ما سيتم إن استمر مسلسل التطبيع بهذه الوتيرة - وبهذا سيصبح الصهاينة "خدّام" المُقدّسات المسلمة، والمستفيدين المباشرين من عائداتها، في عزِّ تدهور حال العرب والمسلمين.

على الرغم من أنَّ هذا السيناريو "خيالي" نوعاً ما، فإنَّه وارِد، بل إنَّ كلّ المؤشّرات تشي بأنَّه مُمكن، إذا لم يتمّ التصدّي له من طرف كلّ مسلم يستحقّ هذا الإسم. وبما أنَّ التطبيع يتضمّن أيضاً التطويع، فلا يحقّ للشّعوب العربية المسلمة الاعتماد على ديكتاتورييها للتصدّي للزحف الصهيوني الناعِم، بل عليها وعي كونها مضطرة أكثر من أيّ وقت مضى إلى مقاومة مُزدوجة: ضد ديكتاتورييها وضد الأطماع الاستعمارية المعاصرة، وخصوصاً الاستعمار العنصري الصهيوني، الذي فاقت ممارساته في فلسطين المحتلة ممارسات الأبرتهايد الجنوب الأفريقي.

ومَن لم يفهم بعد ماذا سيحصل بعد هذا التوغّل الصهيوني في الدول العربية، فعليه إعادة قراءة قصَّة احتلال فلسطين، ليتيقَّن أنّ السيناريو الصهيوني يتكرّر حالياً في الشرق الأوسط.