الإسلام يدعو أتباعه إلى التأسّي بالنور المحمّدي في مواجهة دعوات السخرية والاستهزاء
منذ أن خلق الله تعالى البشر، كان يرسل لكل قومٍ نبياً أو رسولاً يدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وكان كل نبيّ أو رسولٍ يلقى من قومه ما يلقى من السخرية والاستهزاء والعنت والمشقة يصل إلى حد القتل أيضاً.
يستذكر المسلمون في العالم هذه الأيام السيرة العطرة لخير البشرية وصاحب السيرة الزكية، والطلعة البهية، والرسالة النبوية، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام والتحية، سيرة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً، وكيف عانى عليه الصلاة والسلام وكابد وجاهد من أجل نشر دعوته ورسالته.
ورغم أن الله تعالى ذكر في كتابه العزيز أنّ مهمته تقتصر على التبليغ "وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين" إلاّ أنه صلى الله عليه وسلّم كان يتألم شديد الألم حينما يرى مِن أمته من لا يستجيب لدعوته فيضيق صدره ويحزن ولا يبالي بما يتلقاه من عنتٍ ومشقةٍ واستهزاءٍ وسخريةٍ من الآخرين وصل إلى حدّ التربص به عليه الصلاة والسلام لقتله وتخليص الناس منه كما كان يفعل كفار قريش حينما صدع بدعوته وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، ولكن الله تعالى حماه منهم كما جاء في قوله تعالى: "إنا كفيناك المستهزئين".
ومنذ أن خلق الله تعالى البشر، كان يرسل لكل قومٍ نبياً أو رسولاً يدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وكان كل نبيّ أو رسولٍ يلقى من قومه ما يلقى من السخرية والاستهزاء والعنت والمشقة يصل إلى حد القتل أيضاً "ويقتلون النبيين بغير حق".
وفي كل مرة، كانت العناية الربّانية تتدخل لإنقاذ من أُرسل إليهم تعبيراً عن القدرة المطلقة لله تعالى وتحقيقاً لقوله سبحانه: "وأن القوة لله جميعا" حينما يستدعي الأمر ذلك ولا يعرف البشر أن الله تعالى لديه من الجنود ما يكفي لتأديب كل من تورّط في سبّ رسولٍ أو شتم نبيٍّ من الأنبياء والمرسلين. والتاريخ مليءٌ وشاهدٌ على هذه العِبر والدروس القوية، ولكن دائماً هناك من يأتي ليزعمَ أنه لا يصدق مثل هذه الأقاويل فيقع في المطبّ نفسه، فالنبي أو الرسول ليس ككل البشر، بل إنسان تتجلى في نفسه الرحمات الإلهية والدعامات الربانية بحيث لا يستطيع إنسان عادي أن يستوعبها إلا من خلال الإتباع والاقتداء والتسليم بأنه مرسل من الله العظيم.
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس بِدعاً من الرسل الذين أُرسلوا من قبل، رغم أن الله تعالى كرّمه بأن جعله سيّد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين وسيّد الكونين والثّقلين، إلاّ أن ذلك كلّه لم يجعل طريقه إلى الدعوة سهلاً، بل عانى ما عانى من كفار قريش ومن أقرب الناس إليه، فقد آذاه الكفار والمشركون في عهده باللّسان واليد، وسبّوه وشتموه وأخرجوه من أحبّ مكان لديه عاش فيه وترعرع وتربّى، ولم يكتفوا بذلك، بل تآمروا على قتله يوم أمَرَ الله تعالى الرسول بالهجرة إلى المدينة المنورة، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ضرب أروع الأمثلة على الصّبر والتحمل ومواصلة الجهد والمثابرة من أجل تحقيق الهدف الذي أُرسل من أجله، ولم تُثنه تلك العراقيل التي صادفته ولا الصعوبات التي واجهته ولا التدابير التي اتخذها المشركون محاولة منهم لتثبيط عزائمه وكسر إرادته ولا المخططات التي تآمرت قريش على إعدادها للنيل منه ومن دعوته، كل ذلك لم يُثنه عن مواصلة أداء مهمته باقتدار وشجاعة، دون خوف ولا تردّد لأنه يعلم يقيناً أن الله تعالى معه ومن كان الله معه فلن يُخذل.
والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحاول أن تصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يجاهد ويكابد من أجل تبليغ الرسالة إلى أكبر عدد من الناس، إذ حاول مراراً وتكرارا استمالة كبراء قريش وزعمائها الذين استمرأوا الكفر والعصيان وأبَوا أن يدخلوا الإسلام، لأنهم رأوا أنه يُنقص من شأنهم كزعماء ويساوي بين السيّد والعبد والغنيّ والفقير والأبيض والأسود من حيث الحقوق والواجبات، فلا فرق بينهم إلا بالتقوى، فرفضوا هذه الفلسفة الإسلامية الجديدة ووقعوا في صدام حقيقي مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وعندما رأوا المدد الرباني وخشوع قلوب الفقراء والمساكين والعبيد الذين صاروا مع النبي الكريم أسيادا، اشتعلت في قلوبهم الغيرة ونما في عروقهم الحسد وتغلغل في عقولهم الحقد والكراهية لهذا النبي وأتباعه، فراحوا ينصبون له الكمائن، وكان الإسلام في كل مرة يفضح شيطنتهم وكبرياءهم وجهلهم بهذا الدين الحنيف وتعاليمه.
وعندما يقول الله تعالى: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين".
إنما وصف الداء والدواء، وصف حالة الضيق الشديد الذي شعر به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والحزن الشديد الذي طغى على قلبه والألم الذي كسَر قلبه وهو يرى الصدّ من كفار قريش ومشركيها وخاصة من زعمائها، بل قوبل بالسبّ والشتم والأذى والرمي بالحجارة كما حدث له في الطائف حتى سال الدم من جسده الشريف صلى الله عليه وسلم.
ورغم ذلك، لم تكن ردة فعله انتقاماً وثأراً حينما جاءه جبريل عليه السلام وقال له: "قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين"، بل كان ردّ الرسول لطيفاً إذ دعا لهم بأن يَخرج من أصلابهم من يعبد الله تعالى لا شريك له، وزاده الله تعالى تسلية وسروراً حينما أخبره أن نفراً من الجن كانوا بجانبه وسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو آيات الله فآمنوا واتقوا، وبهذا إنما يُعلّمنا نحن المسلمين كيف نردّ على أعدائنا إذا أوذينا في ديننا وفي أموالنا وفي أجسادنا.
وجاء الدواء الناجع الذي وصفه الله تعالى له في هذه الآية للوصول إلى مرحلة اليقين، ولكن للوصول إلى هذه المرحلة، تحتّم تجاوز المراحل الثلاث الأولى بعزمٍ وثباتٍ وصبرٍ وتحمّلٍ، وهي التسبيح والحمد، والسجود والعبادة، وعند الوصول إلى مرحلة اليقين، يأتي النصر الإلهي والمدد الرباني، فهو الذي بيده الأمر كله، وله القوة جميعاً.
كما قال في كتابه العزيز "إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّه" وقال " أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا" وقال "لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا" وحينئذٍ، لا نخاف ولا نخشى من أي حالة مريضة تحدث في عالمنا وتحاول النيل من شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبر رسوم كاريكاتورية مسيئة تستهزئ وتسخر من النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لقد أساء الكثير من قبلهم وكلهم خسروا وخسئوا وبقيت سيرة النبيّ الأكرم زكيةً عطرة رغم أنف المتكبّرين والمتجبّرين والكارهين والحاسدين.
لأنه نبيّ الأمّة ورسولها ورمزُها وقائدُها، أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين فبلّغ الرسالة ونصح الأمّة وكشف الله به الغمّة، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو النبيّ الأكرم والرسول الأعظم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه دائماً وأبدا، وسيظلّ ذكره في الأرض والسماء عالياً إلى الأزل ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره الماكرون، وستبقى سيرته عطرةً شذيّة زكيّة يعبق عطرها في الأرض والسماء، وسيبقى اسمه يردّده الحاضرون والباقون إلى يوم الميعاد، تلهج الخلائق بذكره طاعةً لله كما جاء في قوله تعالى: "إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم جاء رحمة للعالمين ولم يأتِ ليعذبَها أو يرهبَها، وهو هديّةٌ مهداة من ربّ العالمين للناس أجمعين، ولم يُرسَل لفئة دون فئة، أو قوم دون قوم، ولم يدْعُ يوماً للإرهاب ولا للعنف ولا للتطرف ولا للاعتداء وإنما كان يغضب صلى الله عليه وسلم أشدّ الغضب حينما يرى أحداً من أتباعه يعامل الآخر بعنفٍ وقسوةٍ حتى لو كان كافراً أو مشركاً، فيردعهم عن هذا الفعل الشنيع بل يأمرهم بأن يعاملوا الناس بالحسنى كما أمر الله تعالى نبيّه في قوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" وقوله تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
فالذي يغمض عينيه عن هذه الجواهر النبوية الشريفة ولا يرى الإسلام إلا بعينه العوراء التي لا ترى إلا ظلمةً كالحةً شديدة السواد، يقع في هذه اللوثات التي تعادي الفطرة والتعقل قبل إصدار أي حكم أو إساءة، ولنعلم أن الله تعالى وعد نبيّه الكريم أنه سيحميه وسيُنجيه وقد فعل.
وتوعّد المستهزئين بعذاب أليم في الدنيا والآخرة سواء كان الاستهزاء في حياته أو بعد مماته صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه وتعالى، " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)" فلنتدبر هذه الآيات لنوقِن بأن الله تعالى إنما يعلّمنا من سيرة نبيّه كيف نمتصّ غضب الآخر وكيف نردّ الإساءة.