هل ينجح التطبيع بين سوريا وتركيا وكيف؟
تريد تركيا الانتقال بسرعة إلى الاجتماعات رفيعة المستوى، ويريد الرئيس الأسد في المقابل الحصول على ضمانات معيّنة قبل أيّ لقاء مع إردوغان، فمن الممكن أن يرغب كلا الجانبين في الانتظار ورؤية ما سيحدث في الانتخابات الأميركية قبل اتخاذ أي خطوات جريئة.
من المتوقّع أن تحصل محادثات تركية سورية في وقت قريب، لكن ما هي مرجعية اللقاء؟ هل ستكون إلغاء أو إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثّل بدعم الإرهاب وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية؟ بحسب ما أعلن عنه الرئيس بشار الأسد ويصرّ على اعتباره جوهر المشكلة.
هناك ما يشير إلى وجود عقبات جدية تحول دون توصّل أنقرة ودمشق إلى مرحلة التطبيع الكامل على المدى القريب، قد يجد الطرفان أنّ مشكلات ذات مستوى أدنى للتعاون من شأنها أن تسهّل بناء الثقة وتعميق التعاون بينهما، من الممكن أيضاً أن تكون خلافاتهما عميقة جداً بحيث تنتهي المحادثات في نهاية المطاف إلى عرقلة أيّ تقدّم ذي معنى.
ترعى موسكو مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، وانضمّت إليها إيران في وقت لاحق، لذلك تتجه الأنظار الآن إلى العراق كلاعب رابع، بعدما أبدى المسؤولون في بغداد استعدادهم لـلوساطة.
تريد تركيا الانتقال بسرعة إلى الاجتماعات رفيعة المستوى، ويريد الرئيس الأسد في المقابل الحصول على ضمانات معيّنة قبل أيّ لقاء مع إردوغان، فمن الممكن أن يرغب كلا الجانبين في الانتظار ورؤية ما سيحدث في الانتخابات الأميركية قبل اتخاذ أي خطوات جريئة.
يشعر الأسد بالقلق من أنّ الأتراك قد يشرعون في محاولة تطبيع العلاقات من دون سحب قواتهم على الإطلاق، يريد التأكّد من أنّ العملية سوف تتحرّك نحو هذا الهدف.
تركيا كانت واضحة "في بحث آلية الانسحاب بمجرد الوصول إلى تطبيع يضمن لها تحقيق الأهداف المحدّدة من جانبها والتوصّل إلى تفاهمات لإعادة تصميم العلاقات مع سوريا، ولا سيما فيما يخصّ الجانب الأمني. وما زالت تهدف إلى إنهاء "خطر وحدات الحماية الكردية" والتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق تعيد تشكيل الجانب الأمني في العلاقة التركية السورية.
وقد يكون ذلك عبر إعادة إحياء اتفاقية أضنة مع إحداث تعديلات توسّع نطاق التدخّل التركي العسكري في المستقبل فيما لو عاد خطر حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية، ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع الأسد في العداء لـ "قسد" المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، إلا أن طريقة التعاطي تختلف عند كل طرف عن الآخر.
تنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكرية مرتبطة بحزب "العمال الكردستاني" المصنّف على قوائم الإرهاب، وتدّعي أنّ هدف وجودها في سوريا، هو القضاء على الهجمات الإرهابية والتهديدات ضدّ أراضيها ولمنع إنشاء ممر إرهابي قرب حدودها، في إشارة إلى المقاتلين الكرد الذين يقودون قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية.
قد يحصل لقاء الأسد وإردوغان رغم التباينات، تتفق أنقرة ودمشق على رفض الحكم الذاتي للكرد. تحمل دمشق عليهم "نزعتهم الانفصالية" وتلقّيهم الدعم من واشنطن، بعدما شكّلوا رأس حربة في دحر تنظيم "داعش".
إلا أنّ ما يحفّز إردوغان على لقاء الأسد هو وجود اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكّلون عبئاً كبيراً عليه، وهو يرى أنّ استثمار أنقرة في المعارضة السياسية، من وجهة نظر عسكرية، باء تماماً بالفشل، لكن من غير المتصوّر أن تتخلّى تركيا عن وجودها العسكري في المستقبل المنظور، حتى تحقّق أهدافاً مرتبطة بسياساتها الحالية في سوريا ومعالجة هواجسها الأمنية تجاه "الوحدات الكردية"، وإعادة اللاجئين وإيجاد حلّ سياسي للصراع السوري.
كانت سوريا ملتزمة بما تمّ الاتفاق عليه ضدّ الإرهاب على جانبي الحدود، وهي تشترط منذ العام 2022 أن تسحب تركيا قواتها التي سيطرت بفضل عملياتها العسكرية على شريط حدودي واسع في شمال البلاد وتحظى بنفوذ في شمال غربها.
مؤشرات التقارب ومخاوف الكرد والمسلحين الموالين لتركيا
تثير مؤشّرات التقارب بين دمشق وأنقرة مخاوف الإدارة الكردية، التي يقول محللون إنها قد تدفع الثمن الأكبر، مع رغبتها بالحفاظ على مكتسبات حقّقتها خلال سنوات الحرب.
من المقرّر أن يعقد اجتماع قريب على المستوى الأمني بين المسؤولين الأتراك والسوريين، كما أعلن الأسد مؤخّراً وكشفت عنه بغداد، فيما أكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول أفريقيا ميخائيل بوغدانوف أنّ "انسحاب القوات التركية من سوريا وضمان أمن الحدود يجب أن يكون على أجندة المفاوضات.
تريد أنقرة أن يصبح التنظيم الكردي في حالة ضعف شديد، بالنسبة الى سوريا تفعيل اتفاقية أضنة الموقّعة بين تركيا وسوريا هي "الأداة الوحيدة المتاحة" كونها تخوّل تركيا شنّ عمليات في سوريا على عمق خمسة كيلومترات من الحدود" إذا تعرّض أمنها القومي للخطر، ومن بعدها يمكن أن يبدأ التطبيع الحقيقي في شمال غرب سوريا، مع التزام تركيا سحب قواتها تدريجياً.
يثير هذا السيناريو مخاوف السوريّين المقيمين في منطقة إدلب ومحيطها والمسلحين، فأكثر من نصفهم نازحون، ولا يستبعد أن يعترف إردوغان بسلطة الرئيس الأسد في شمال غرب سوريا، لكن مع أن يبقى الأمن "في يد أنقرة"، على أن يكون الهدف النهائي إعادة اللاجئين السوريين من تركيا.
فما هو مصير العلاقة بين إردوغان والمسلحين ومن يسميهم معارضة سورية في ظلّ هذا التقارب المحتمل؟ وما هو مصير المناطق السورية في الشمال، الواقعة تحت سيطرة الأتراك؟
تقول أنقرة إن أساس التقارب مع سوريا أمني، وهو مطلب تركي رسمي وشعبي وهو أبعد من حدود حكومة إردوغان. وهو أمر يتعلّق "بخطر حزب العمّال الكردستاني".
أما مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، فهو يشكّل هاجساً مشتركاً بين أنقرة ودمشق، ولا سيما بعد إعلان الوحدات الكردية عن إجراء انتخابات للمجالس المحلية.
هناك مصلحة إقليمية مشتركة خلف التقارب التركي السوري، أما الروس فالموضوع بالنسبة إليهم أمني، كما أنّ هناك المصلحة التي تجمع الإيرانيين والروس والأتراك أساسها إبعاد الأميركيين عن سوريا، فخروج الأميركيين مصلحة مشتركة.
عودة ترامب المحتملة ستصحب معها تغييراً في السياسات الأميركية في المنطقة، وبالتالي قد يؤدي ذاك إلى انسحاب أميركي من سوريا. المشترك بين إيران وروسيا وتركيا هو ملء أي فراغ يتركه الانسحاب الأميركي.
الأولوية على أجندة هذا التقارب هي تفكيك إدارة "قسد". يجري البحث في الإطار الذي يمكن أن تُدمج فيه مناطق شرق سوريا مع الحكومة المركزية في دمشق من دون حرب، وفي الوقت ذاته برضا تركي.
سيتقدّم الأتراك خطوة باتجاه سوريا، التي لديها أولوية في هذه المناطق بسبب الحاجة إلى موارد هناك، مثل النفط والقطن وغيرها التي ستنعشها اقتصادياً عند استعادتها.
لا شكّ أن مسألة اللاجئين وأحداث العنف الأخيرة في قيصري، تشكّل ضغطاً متزايداً على السياسات التركية في سوريا. مما يشير إلى وجود تحوّل في النظرة التركية إلى الملفّ السوري. فلم يعد هذا الملف يحظى بالأهمية ذاتها لدى السياسات الدولية، فضلاً عن تهميشه نتيجة نشوب صراعات إقليمية أخرى في المنطقة.
التقارب السوري التركي
لا يمكن لتركيا الانسحاب فجأة من المناطق وتسليمها للدولة السورية، المخرج الوحيد هو أن يقوم الأتراك بالخطوة الأولى لتفكيك كامل البنية التي تأسست هناك منذ سنوات، "ما تتضمّنه من فصائل وإدارة ومنهج تعليمي واقتصاد"، وإن لم يفعلوا سيبقى الوضع على ما هو عليه لفترة. إلا أن لدى الأتراك هيبة قوية في الشمال، وسيتمكّنون إن أرادوا من فعل ما يشاؤون، من هنا سيكون مسار التقارب التركي السوري قائماً على مبدأ "الخطوة بخطوة" من الجانبين.
يُقلق المعارضون دخول تركيا في التسوية السياسية، وفق نظرة روسيا وإيران هدا يعني هزيمتهم، لكنّ التسوية ستفرض على تركيا إعادة تصميم هذه العلاقة ودورها، وهي لم تعد تقدّم نفسها حليفاً للمعارضة، بينما تقدّم نفسها وسيطاً بين المعارضة والدولة في سوريا.
تركيا تريد إيجاد طرق للتعاون ضدّ حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، وإعداد الترتيبات لسيناريو افتراضي لليوم التالي حيث تنسحب الولايات المتحدة بسرعة ويتعيّن عليها ملء الفراغ، وهي تبحث عن طرق لاستئناف التجارة وتأمين الشركات التركية من أجل تأدية دور في أيّ مشاريع إعادة إعمار مستقبليّة، وتسهيل عودة اللاجئين "بسبب المشاعر المعادية التي تتصاعد ضدّهم، مما يُلحق الضرر بحكومة إردوغان.