مآلات دعوات المستوطنين إلى ذبح القرابين في الأقصى

تؤكد التطورات في فلسطين، بصرف النظر عن مآلات طقوس ذبح القرابين خلال الفصح اليهودي، أن قضية القدس ترسخت كعنوان وطني وقومي وإسلامي جامع.

  • مآلات دعوات المستوطنين إلى ذبح القرابين في الأقصى
    مآلات دعوات المستوطنين إلى ذبح القرابين في الأقصى

تستعدّ ما تسمى جماعات "الهيكل" المزعوم اليهودية لذبح "القرابين" في باحات المسجد الأقصى في عيد الفصح اليهودي الذي يبدأ يوم الأربعاء الموافق 14 رمضان ويستمر 8 أيام، ويتخلله تنظيم قطعان المستوطنين اقتحامات جماعية للأقصى، بحراسة جنود الاحتلال الإسرائيلي وعناصر الشرطة.

ويستعد المرابطون المعتكفون في الأقصى للتصدّي للاقتحامات وإجهاض طقوس ذبح القرابين. وقد حذرت قوى المقاومة الفلسطينية من إقدام قوات العدو ومستوطنيه على انتهاك حرمات المسجد الأقصى ومخاطر تأجيج المشاعر الدينية عبر تدنيس قبلة المسلمين الأولى.

 أقدمت جماعات الهيكل على إجراء طقوس تجريبية أمس الأحد في الحائط الجنوبي خلف المسجد الأقصى، تمهيداً للذبح النهائي الأربعاء المقبل داخل باحات المسجد المبارك.

وأعلنت عصابات "الهيكل المزعوم" وحركة "نعود للجبل" رصد مبالغ مالية كمكافآت للمستوطنين الذين يحاولون ذبح "قربان" في المسجد الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي.

ودعا قادة قطعان المستوطنين إلى تنفيذ أكبر اقتحام للمسجد الأقصى خلال عيد الفصح العبري، وبعث 15 حاخاماً رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير طالبوا فيها بالسماح للمستوطنين بذبح قرابين عيد الفصح هذا العام.

ماذا يعني "ذبح القرابين" في المسجد الأقصى؟ وما أهمية مثل هذه الخطوة بالنسبة إلى تلك الجماعات؟ وما مآلات نجاح طقوس الذبح؟

منذ عام 2014، تعمل "جماعات الهيكل" المتطرفة على إحياء طقوس "القربان" داخل المسجد الأقصى عملياً، وتجري تدريبات عملية لتحقيق ذلك. ووفق معتقداتهم الزائفة، يجب أن يُذبح القربان عشية عيد الفصح الذي يوافق مساء يوم الأربعاء في الرابع عشر من شهر رمضان، وأن ينثر دمه عند قبة السلسلة التي يزعم المتطرفون الصهاينة أنها بنيت لإخفاء آثار المذبح التوراتي.

يشكّل إحياء طقس القربان إحياءً معنوياً للهيكل، ليتحول الأقصى، في نظر الصهاينة، إلى هيكل، وإن كانت معالمه غير يهودية. يعتقد قادة غلاة المستوطنين أنّ الوقت حان لتقديم القربان بعد الإحياء العملي لطقوس القربان في عدة أماكن حول الأقصى منذ 2014، وفي ضوء وجود حكومة يمينية فاشية تشكل غطاء لطقوسهم المزعومة.

يأتي ذلك رغم إعلان بن غفير الغامض والرافض أداء طقوس الذبح، الذي قد يكون إعلاناً مخادعاً شبيهاً بإعلانه إبان توليه الوزارة عدم نيته اقتحام الأقصى، إلا أنه اقتحمه صبيحة اليوم التالي، كما يعتقد حاخامات يهود أن وقت أداء "قربان الفصح" في المسجد الأقصى حان ولم يعد يحول دونه شيء.

إن إدخال "القربان" يعني الانتقال من المرحلة النظرية إلى العملية في بناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك. تاريخياً، أقام غلاة المستوطنين طقوس تقديم القربان في أماكن مختلفة من المدينة المقدسة، وأجروا محاكاة للطقوس منذ عام 2014 وحتى تاريخه، آخرها أمس الأحد في الحائط الجنوبي للأقصى، كما أقيمت الطقوس في العامين الأخيرين قرب حائط البراق ومنطقة القصور الأموية الملاصقة للأقصى.

يسعى الشّعب الفلسطيني لمواجهة الطقوس المزعومة والاقتحامات من خلال الرباط في باحات المسجد الأقصى وتفعيل أدوات ضغط شعبية وعسكرية على العدو، الذي يخشى تداعيات ذلك خلال فترة عيد الفصح المقبل، وهو ما دفعه إلى نشر عشرات الآلاف من قواته في مدينة القدس المحتلة.

ويخشى الاحتلال أيضاً تطور الموقف إلى اندلاع مواجهة عسكرية على مختلف الجبهات، في ضوء تأكيد المقاومة مسار الربط بين الساحات منذ معركة "سيف القدس"، كما يخشى أن يتطور حدث ما إلى مواجهات واسعة على نحو يفقده السيطرة على الموقف الميداني، الذي كاد يتفجر بعد إعدام طبيب فلسطيني من النقب المحتل بعدما دافع عن امرأة مقدسية اعتدى عليها جندي صهيوني أمام إحدى بوابات الأقصى قبل يومين، على نحو قد يؤدي إلى إشعال حرب دينية وإلى استهداف مصالح العدو في شتى أماكن وجوده، في حال نفَّذت جماعات الهيكل طقوسها داخل باحات الأقصى أو أقدم المستوطنون على تنظيم اقتحامات واسعة للمسجد يقودها المستوطن الإرهابي (الوزير) بن غفير.

يدرك الشعب الفلسطيني أنَّ رأس الحربة في إجهاض مخططات العدو ومستوطنيه في المسجد الأقصى هم المقدسيون والمرابطون المعتكفون داخل الحرم القدسي، في حال شهد المسجد كثافة في عدد المرابطين. لذا، يسعى العدو لإفراغ المسجد من المصلين أولاً بأول، إلا أنَّ نجاح طقوس ذبح القرابين ينذر بتفجر الموقف الميداني.

ورغم استبعاد إتاحة العدو للمستوطنين ذبح القرابين، يرجّح اقتحام أعداد كبيرة من المستوطنين باحات الأقصى خلال عيد الفصح، ونقدر أنّ بن غفير سيقتحم الأقصى خلال العيد على غير رغبة نتنياهو والمستوى الأمني للعدو، الأمر الذي يرفع مستوى اندلاع المواجهات الشعبية والعسكرية في ضوء قواعد الاشتباك منذ معركة "سيف القدس".

هذه المعركة عكست إستراتيجيات عمل واضحة للمقاومة تجاه الصراع مع العدو والربط بين الساحات وتثبيت القضايا الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها القدس والمسجد الأقصى، من خلال تفعيل كل أدوات المواجهة الشعبية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية بشكل متواز ومدروس.

إنَّ نجاح تفعيل كل أدوات المقاومة بشقيها الناعم والخشن في مواجهة مخططات العدو ومستوطنيه في الأقصى خلال فترة عيد الفصح اليهودي وبعده مرهون بتوسيع المقاومة الفلسطينية على الجبهات كافة، وباستنزاف قوات العدو المنتشرة في القدس والضفة والداخل المحتل وعلى تخوم قطاع غزة، الأمر الذي نرجح أنه سيرفع مستوى الجاهزية العسكرية للخلايا العسكرية في الضفة الغربية، والغرفة المشتركة للمقاومة في قطاع غزة، ومحور المقاومة في المنطقة، تحسباً لاندلاع مواجهة متعددة الجبهات.

تؤكد التطورات في فلسطين، بصرف النظر عن مآلات طقوس ذبح القرابين ومسار اقتحامات الأقصى خلال الفصح اليهودي، أنَّ قضية القدس ترسخت كعنوان وطني وقومي وإسلامي جامع، وأن أيّ خطوة استفزازية للعدو في القدس والمسجد الأقصى قد تتحول إلى صاعق تفجير يهدد المنطقة برمتها ويستحضر مخاطر إشعال حرب على أسس دينية، الأمر الذي يزيد عزلة حكومة العدو الفاشية، وتعرية "إسرائيل" دولياً، وتوسيع الانقسامات الداخلية للعدو، وذلك عندما ستحمّل "المعارضة" نتنياهو الارتهان لأحزاب اليمين الفاشي، بداعي سلوكها المنفلت الذي أدى إلى رفع مستوى التهديدات الخارجية للعدو.

نجحت المقاومة الفلسطينية في تحويل أنظار العالم المنشغل بأزمات دولية نحو فلسطين والقدس، وتحول شهر رمضان المبارك إلى كابوس يؤرق العدو وحلفاءه، على نحو أدى إلى انعقاد قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين، وربما تعقد قمة ثالثة خلال أيام.

وقد استطاعت المقاومة أن تحوّل أي سلوك استفزازي في القدس إلى مهدد أمني يستدعي استنفار مختلف أدوات العدو الأمنية والاستخبارية والاقتصادية والدبلوماسية على نحو دفع حكومة نتنياهو إلى اتخاذ خطوات في مسعى منها لتبريد الجبهة الفلسطينية، لعلها تنجح في خفض التصعيد خلال شهر رمضان وعيد الفصح والتفرغ للأولويات الأكثر أهمية على أجندة نتنياهو، وهي تمرير التعديلات القضائية، والتغلب على التهديدات الداخلية، وتوفير الاستقرار داخل حكومته وحزبه. وخارجياً، متابعة الملف الإيراني وتعزيز مسار التطبيع.

تتصاعد التظاهرات في "إسرائيل" ضد حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً بشأن مسألة التعديلات القضائية، فيما تتسع دائرة الاحتجاج ويتنامى القلق لدى الإسرائيليين من وصول الأمور إلى حرب أهلية أو تداعيات أمنية مختلفة.