قوى العدوان توسّع نطاق هجماتها و"الميادين" هدفاً مدروساً
لم يكن استهداف طاقم قناة "الميادين" عرضيّاً أبداً، أو عملاً عدوانيّاً اعتياديّاً من تلك الأعمال التي يقوم بها جيش العدو بل كانت "الميادين" هدفاً مُرتّباً ومدروساً بعناية لدى مخططي الحرب والعدوان.
لم يكن مضى على خبر إعلان التوصّل إلى "هدنة إنسانيّة" في غزّة ساعات قليلة فقط، حتى بادرت قوى العدوان الإسرائيلي والأميركيّ إلى توسيع نطاق هجماتها على مختلف جبهات المقاومة المحيطة بفلسطين المحتلة، فيما بدا أنّه رسالة تكشف خطّة العدو المراد تنفيذها خلال مرحلة الهدنة، والتي تتلخّص في محاولة "معاقبة" كلّ القوى والجهات التي ساندت غزّة في مقاومتها، ولبّت نداء فلسطين.
فعند نقطة مثلّث "طير حرفا" في جنوبيّ لبنان، وفي منطقة مكشوفة تماماً، استهدف العدو الإسرائيليّ، عبر غارتين جوّيتين بطائرة مسيّرة، وبصورة مباشرة ومقصودة، طاقم قناة "الميادين" الذي كان في مهمّة لتغطية أخبار جبهة الجنوب، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء مراسلة القناة فرح عمر، والمصوّر ربيع معماري، والشاب المرافق حسين عقيل، شهداء في طريق القدس، وهم يؤدّون أقدس الواجبات التي من الممكن أن توكل إلى صحافيّ أو عاملٍ في الإعلام، في أوقات الحروب.
لم يكن استهداف طاقم قناة "الميادين" عرضيّاً أبداً، أو عملاً عدوانيّاً اعتياديّاً من تلك الأعمال التي يقوم بها جيش العدو في كلّ يوم ضد المدنيين العزّل وضد الصحافيين والإعلاميين، بل كانت "الميادين" هدفاً مُرتّباً ومدروساً بعناية لدى مخططي الحرب والعدوان في قيادة جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية.
وجرى الإعلان الصريح بشأن اختيار هذا الهدف منذ اتّخاذ أجهزة العدو قرار إغلاق مكاتب قناة "الميادين" في فلسطين المحتلّة، بعد مرور أكثر من 40 يوماً على بدء ملحمة "طوفان الأقصى"، لأنّ القناة "تُشكّل خطراً على الأمن الإسرائيليّ"، بحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية. وعندما يُصنّف العدو قناة إعلامية بأنها خطر على أمنه، وبالتالي وجوده، فهو يُصنّفها حقيقةً كقوّة مقاومةٍ يجب عليه مواجهتها بالطريقة ذاتها التي يواجه فيها فصائل المقاومة المسلّحة وقواها في فلسطين والمنطقة.
وهذا ما حدث ويحدث بالفعل، وهذا ما يعنيه أن تكون فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل شهداء مقاومين في طريق تحرير القدس وكلّ فلسطين. وهذا أيضاً، ما كشفته بوضوحٍ، لا لبس فيه، طريقة التلقّي والتعاطي من مجلس إدارة القناة وجميع العاملين فيها من دون استثناء، ومن دون أدنى مواربة، مع خبر استشهاد الزميلين العزيزين ومساعدهما، بحيث زُفّ الشهيدان فرح وربيع في مبنى القناة محمولَين على أكتاف رفاقهما كمقاومَين باسلَيْن عادا بأسمى الحُسنَيَين من ميدان الشرف، ليعلن الزملاء رسالتهم الجليّة، ومفادها أنّ "الصوت في كلّ "الميادين" فلسطين، يعلو ويسمو بالشهادة".
ويُكمل والد الشهيدة فرح ووالدتها هذه الرسائل بأبلغ ما عرفته اللغة من مفردات الفداء والتضحية والإباء، وأنبل ما نضحت به القلوب والعقول من مشاعر وأحاسيس ومواقف حيال الأهداف العظيمة التي ترتبط بمصير الأمم لا الأفراد فحسب. لقد صنّف العدو قناة "الميادين" عدوّاً خطِراً، وطوّبت شهادة فرح وربيع، بكل تفاصيلها، إدارة "الميادين" وكوادرها ونهجها، كقوّة مقاومة فريدة ومتفرّدة في الفضاء العربيّ، وكفصيل مقاومة عاملٍ بكل ما أوتي من قوة وإمكانات وإرادة، في طريق تحرير فلسطين. وما كان لأيّ أمرٍ نبيل وشريف أن يصبح أكثر وضوحاً مما هو عليه حال "الميادين" وموقفها وتموضعها في هذه اللحظة الفاصلة من عمر القضية الفلسطينية العادلة.
بعد ساعات قليلة فقط من ارتقاء مقاومَي قناة "الميادين"، استهدف العدو الإسرائيليّ قوة مقاومة من كوادر المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد خمسة من المجاهدين، بينهم عباس محمد رعد (سراج)، نجل رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" في البرلمان اللبنانيّ، النائب محمد رعد، الذي أكّد، بدوره، من خلال طريقة تلقّيه وتعاطيه مع خبر استشهاد نجله، فرادة هذه المقاومة، التي يحثّ قادتها أبناءهم وفلذات أكبادهم على أنْ يكونوا في خطوط القتال الأماميّة، وفي طليعة المقاومين والمقاتلين من أجل تحرير الأمّة وصون كرامتها وتحقيق نهضتها، ضاربين أروع الأمثلة وأنبلها على تميّز هذه المقاومة عبر التاريخ كلّه، كاشفين عن المرجعيّة الحقيقية للمبادئ والمواقف لقادة هذه المقاومة وكوادرها، والتي تؤكّد لكلّ مراقب أو متابع رصين حتميّة انتصار مقاومة كهذه، تشرح للعالم أجمع الأصل والحقيقة لمبدأ الفداء وغايته ومنتهاه.
وكما في إثر استشهاد ابني المقاومة في "الميادين"، فرح وربيع، بادرت المقاومة الإسلامية في لبنان إلى الردّ مباشرةً بقصف مواقع العدو ونقاطه في الشمال الفلسطيني المحتل، بأكثر من 22 هجوماً خلال نهارٍ واحد فقط، منها هجوم على تجمّعٍ لقوات العدو في مستوطنة "المنارة" قرب الحدود اللبنانية - الفلسطينية، موقعة في صفوفها عدداً من القتلى والجرحى.
هجمات "إسرائيل"
بالتزامن مع هذه الأحداث، شنّ العدو الإسرائيليّ هجوماً بالصواريخ على نقطة في منطقة "السيدة زينب" في ريف دمشق، وعلى محيط مطار دمشق الدوليّ القريب، الأمر الذي أدّى إلى ارتقاء شهيدين من القوات الرديفة للجيش العربيّ السوريّ.
كما كثّف تنظيم "داعش" الإرهابي هجماته على مواقع الجيش السوري في البادية المتصلة بمنطقة "التنف"، حيث القاعدة الأميركية الأكبر. ورصدت قوات الجيش السوريّ والحلفاء الروس وقوى المقاومة العاملة في الشرق السويّ، من خلال تصديهم وملاحقتهم لعصابات التنظيم في البادية، استخدام هؤلاء أسلحة أميركية جديدة من نوعها، ليصوّب رئيس "مركز المصالحة الروسي" في سوريا، فاديم كوليت، في اتّجاه القاعدة الأميركية في "التنف"، كاشفاً من جديد الدور الذي تقوم به من أجل تسعير الصراع باستخدام التنظيمات الإرهابية المتطرفّة، تسليحاً وتمويلاً وتخطيطاً، وعن معلومات بشأن خطط أميركية جديدة لاستهداف قوات الجيش العربي السوري المتمركزة في الطرق الرئيسة، واستهداف منشآت الطاقة والوقود في الجنوب السوري والبادية، وذلك عن طريق هجمات يقوم بها مقاتلون من تنظيم "داعش" انطلاقاً من التنف.
وكانت قوات الاحتلال الأميركي استهدفت، في ضربتين جويّتين، يوم الثلاثاء الفائت وصبيحة الأربعاء، لأول مرة منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، موقعاً لكتاب "حزب الله" العراقي المقاوم، في منطقة "جرف النصر" في محافظة بابل العراقية، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء القيادي فاضل المكصوصيّ في الضربة الأولى، التي تمّت عبر طائرة مسيّرة، واستشهاد ثمانية مقاومين في القصف الصاروخيّ الذي جرى في اليوم التالي. وأعلنت قيادة "القوات المركزية الأميركية" "ضربات منفصلة ودقيقة ضد منشأتين في العراق"، وادّعت في بيانها أن هذه الضربات تأتي "ردّاً على الهجمات التي شنّتها إيران والجماعات المدعومة منها ضد القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق وسوريا".
وفي إثر هذه الاعتداءات، شنّت المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا عدداً كبيراً من الهجمات بالصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة، على كل القواعد الأميركية في العراق وسوريا، حيث تعرّضت، وما زالت بوتيرة يوميّة، قواعد "حقل العمر" و"القرية الخضراء، و"حقل كونوكو"، وقاعدة "الشدّادي"، وقاعدة "خراب الجير"، وقاعدة "قسرك"، ومساكن "حقول الجبسة" المحتلة، لعشرات الضربات منذ ثلاثة أيام حتى الآن.
وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من قاعدة "حقل العمر" في إثر هجوم بالطائرات المسيّرة والقذائف الصاروخية يوم الخميس الفائت، بينما استقدمت القوات الأميركية تعزيزات كبيرة تضمّ أسلحة وذخيرة ومعدات لوجستية ومواد بناء، إلى قاعدتها العسكرية في "حقل كونوكو" في ريف دير الزور الشرقيّ، في قافلة عسكرية قدمت من كردستان العراق، عبر معبر "الوليد" غير الشرعيّ مع محافظة الحسكة. كما أمطرت المقاومة الإسلامية في العراق جميع القواعد الأميركية هناك بالصواريخ والقذائف، وشنّت قوات المقاومة هجوماً عسكريّاً كبيراً ومباشراً على قاعدة "عين الأسد" المحتلة، بالتزامن مع هجومات على قواعد في الأنبار وأربيل ومحيط بغداد.
تنشيط المسار السياسيّ في الجبهة السوريّة
وعلى خطّ مواز، تحاول الإدارة الأميركية تنشيط المسار السياسيّ في الجبهة السوريّة، والقول إنّها تريد احتواء الأوضاع في المنطقة ومنع التصعيد المرتبط بمعركة "طوفان الأقصى" في غزّة.
ودفعت من أجل هذا الهدف المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، من أجل لقاء عدد من المسؤولين الغربيين والدوليين، بينهم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية، نائب وزير الخارجية، إيثان غولدريتش، والمبعوث الهولندي إلى سوريا جيجس غيرلاغ، الذي عبّر عن الموقف بصورة أوضح من الجميع، حين صرّح بهدف "محاولة احتواء التوترات الإقليمية، ووقف تصعيد العنف في المنطقة"، في حين بدا بيدرسون متشائماً حيال إمكان "تحريك الملف السياسيّ السوريّ".
يدرك السوريون أنّ "لعب" واشنطن على مسار تحريك الملف السياسيّ ليس أكثر من ذرّ للرماد في العيون، فالواقع أمامهم على الأرض يقول غير ذلك تماماً، بحيث عادت قوات الاحتلال الأميركية والإسرائيلية إلى تنفيذ هجماتها واعتداءاتها وتحريكها للفصائل الإرهابية المسلحة في الشرق السوري والبادية، كما في الشمال السوريّ الملتهب، كما عزّزت وتعزّز بصورة شبه يوميّة ترسانتها ومعداتها العسكرية واللوجستية في الشرق.
كما يدركون أنّ لا شيء يُحرّك واشنطن، في كل المسارات، وأهمها مسار وجودها الاحتلالي في الأرض السورية، سوى ضربات المقاومة التي تستعر وتتصاعد على مدار الساعة منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، وأن سوريا وقوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، تخوض الآن حرب تحرير في عموم الأرض العربية المحتلة، تُعبّر عنها هذه النقلة الكبيرة في نوعية الهجمات وكثافتها على جميع مواقع قوى الاحتلال في المنطقة، كما يعبّر عنها الشعب العربيّ بوضوح.
ولعلّ في كلمات ومواقف وصلابة أهالي الشهداء، فرح عمر، وربيع معماري، وعباس رعد، وفاضل المكصوصيّ، وشهيدي القوات الرديفة السورية، علي حسين معركش، ومحمد غيث الأفغاني، والتي تتدفّق من النبع ذاته، المنهمر عزّة وكرامة وإصراراً من أهالي شهداء غزّة، ما يشرح حال أمّة المقاومة وموقفها في خضمّ معركة التحرير التي يخوضها، ببسالة منقطعة النظير، أبطال المقاومة في كل الجبهات والميادين.