طوفان الأقصى في أيامه المجيدة: غزّة أكثر حضوراً على الجبهة السورية

المقاومة في فلسطين والمنطقة، أخذت العالم، بقوّة الحقّ والصمود والبسالة والتضحية، إلى مكانٍ جديد ما كان من السّهل توقّعه.

  •  غزّة أكثر حضوراً على الجبهة السورية.
    غزّة أكثر حضوراً على الجبهة السورية.

أكثر من مئة و5 أيام، غيّرت العالم، لا مبالغة في هذا القول أبداً، لكنّ الأصحّ منه، أنّ المقاومة في فلسطين والمنطقة، أخذت العالم، بقوّة الحقّ والصمود والبسالة والتضحية، إلى مكانٍ جديد ما كان من السّهل توقّعه صبيحة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت. 

وحدهم المقاومون عرفوا حتميّة هذا المسار وتوقّعوه، لأنهم عملوا عليه طويلاً، وقدّموا لأجله أنفَس وأغلى ما يمكن للإنسان، أو للأمم، تقديمه: أرواح الشباب وحيواتهم، أهلهم، فلذات أكبادهم، وجهودهم وأوقاتهم كلّها حتى آخر ثانية.

في اليوم الثاني بعد المئة، يعلن إعلام العدو نقلاً عن مسؤولين وضباط في "جيش" واستخبارات كيان الاحتلال، أنّ خسائر فصائل المقاومة الفلسطينية على مستويات القادة والكوادر والقدرات العسكرية والصاروخية، تكاد لا تُذكر، وأنّ ما مِن إنجاز قد تحقّق على هذا الصعيد، وأنّ العمليات النوعية التي يقوم بها المقاومون ضد "جيش" الاحتلال ومنشآت الكيان ومراكزه الحيوية، في تصاعدٍ مستمرّ، بكلّ ما يحمله هذا الأمر من دلالات وإشارات كارثية بالنسبة لوجود الكيان بحدّ ذاته.

وعلى بُعد ساعات قليلة من هذا الإعلان، كان العميد يحيى سريع، الناطق الرسميّ باسم الجيش والقوات المسلحة اليمنيّة، يُعلن عن استهداف القوات البحرية اليمنية لسفينة حربية أميركية في خليج عدن، نصرةً لشعبنا الفلسطينيّ في غزّة.

وبينما كان ميناء حيفا الفلسطينيّ المحتلّ، يتلقّى صواريخ المقاومة العراقية التي ضربت هدفاً حيويّاً مهمّاً، لم يستطع العدو التكتّم عليه، كان إعلام العدو مرّة جديدة يعلن عن وصول رشقة صواريخ إلى مواقع العدو ومستوطناته في الجولان السوريّ المحتلّ، قادمة من عمق الأراضي السورية، مؤكّداً أنّه ومنذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، تمّ إطلاق أكثر من 40 صاروخاً و7 طائرات مسيّرة من الأراضي السورية على مواقع في الجولان المحتل.

وخلال 24 ساعة فقط، اشتعلت جميع جبهات المقاومة ضد قوى العدوان في فلسطين والمنطقة، فقد دكّت المقاومة الفلسطينية في غزة مستوطنات العدو في غلاف القطاع والداخل الفلسطينيّ، وقصفت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) بعشرات الصواريخ والقذائف مواقع للعدو خلف الحدود، وانطلقت صواريخ جديدة من الأراضي السورية نحو الجولان المحتل، وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا قصف عدد من القواعد الأميركية في البلدين بعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة.

وختمها حرس الثورة الإسلامية في إيران بقصف أحد أهمّ أوكار الموساد الإسرائيليّ في مدينة أربيل شماليّ العراق بـ 11 صاروخاً باليستيّاً دقيقاً، كما وجّه 4 صواريخ من طراز "خيبر"، قطعت أكثر من 1230 كيلومتراً لتدكّ مواقع التنظيمات الإرهابية في إدلب شمال شرق سوريا. وفي الوقت عينه، وردت أنباء عن اقتحام مجموعة من الجنود المصريين الحدود مع فلسطين المحتلة، واشتباكها لساعات مع "جيش" العدو الإسرائيليّ.

تلك بعض تداعيات ومفاعيل عملية "طوفان الأقصى" الملحمية، بعد أكثر من مئة يوم على انطلاقتها. وإذ تُثبت تلك التداعيات أنّ ما قامت به المقاومة الفلسطينيّة في ذلك اليوم، وما اتكأ عليه محور المقاومة في المنطقة بناءً على الحدث أوّلاً، ثم التخطيط والدراسة والعمل والتنسيق والتطوير في الخطط والعمليات والقراءات الاستراتيجية، قد أسّس لمرحلة جديدة على مستوى العالم كلّه، لا على صعيد منطقتنا وقضيتنا المركزية وحسب. 

وبالنظر إلى سير عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة والداخل المحتل، وإلى الإنجازات التي تحقّقها في الأيام الأخيرة، أمام انكسار العدو وفشله وتخبّطه، وبالاستناد إلى ما صرّح به أبو عبيدة، الناطق الرسميّ باسم كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام، عن إبلاغ قادة محور المقاومة لإخوتهم في المقاومة الفلسطينية قرارهم بتوسيع الجبهات ضد العدو الإسرائيليّ، وفي وجه محور الأعداء الداعمين، وهو ما أكدته الأحداث في اليومين الأخيرين، تثبت المقاومة الفلسطينية في الداخل ومعها قوى محور المقاومة في المنطقة، أنّهم الأقدر والأجدر والأكثر ثقةً وثباتاً في هذه المعركة التاريخيّة. 

وأنّ المسار العمليّ والعلميّ الفذّ الذي تسير عليه هذه القوى، وطريقة إدارتها لهذه المعركة، توصل إلى مكان واحد لا ريب فيه، يتلخّص في كلام الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في خطابيه الأخيرين على وجه الخصوص، عن وجوب أنْ تفضي أعمال هذه المقاومة العظيمة إلى تحرير أرضنا المحتلة، وطرد المحتلّ الأميركيّ من سوريا والعراق، وكسره في المنطقة عموماً.

وعلى صعيد الميدان السوريّ، فقد أكّدت بيانات المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا، أنّها، ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى المجيدة، قد استهدفت قواعد الاحتلال الأميركي في سوريا 87 مرّة، وشنّت على قواعد الاحتلال في العراق 65 هجوماً، بينما دكّت مواقع حيويّة للعدو داخل فلسطين المحتلة 10 مرّات. 

وقد صرّح مسؤول عسكريّ أميركيّ لقناة "الميادين" يوم الجمعة الفائت أنّ القواعد الأميركية في سوريا والعراق تعرّضت، منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت، لـ 130 هجوماً، وذلك بواقع 77 هجوماً في سوريا، و53 هجوماً في العراق. وقد بلغ عدد الهجومات حتى إعداد هذه الورقة أكثر من 136 هجوماً.

وفي تفاصيل الأيام الأخيرة، شنّت المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا، الهجوم الأوسع على الإطلاق، مستهدفة عدداً من قواعد الاحتلال الأميركي في سوريا والعراق، إذ وبالتزامن مع استهدافها قاعدتي "عين الأسد" و"حرير" في الداخل العراقيّ، شنّت المقاومة هجوماً بالصواريخ على قاعدة ومطار "خراب الجير" الواقعة إلى الجنوب من مدينة "الرميلان" في أقصى الشرق السوري. 

وبعدها بساعات قليلة فقط، استهدفت صواريخ المقاومة الإسلامية قاعدتين أميركيتين في "حقل العمر" و"القرية الخضراء" في ريف محافظة دير الزور، تلا ذلك مباشرةً استهداف آخر بالصواريخ، للقاعدة الأميركية في معمل الغاز "كونيكو". كما أعادت المقاومة استهداف قاعدة "خراب الجير" يوم الاثنين الفائت بأكثر من عشرة صواريخ. 

ثم عادت وشنّت هجوماً بالصواريخ من جديد، على قاعدة "كونيكو" بثمانية صواريخ، ثمّ هجوماً بالطائرات المسيّرة على قاعدة "حقل العمر" النفطيّ، وذلك بالتزامن مع إطلاق رشقة صاروخية من الجنوب السوريّ باتّجاه الجولان المحتل. 

وفي صبيحة يوم الخميس، وعند الساعة السابعة والنصف، استهدفت المقاومة قاعدة تمركز الاستخبارات الأميركية والبريطانية في حيّ "غويران" في مدينة الحسكة السوريّة. 

وكانت قاعدة "هيمو" غير الشرعية في مدينة القامشلي، والتي تُعدّ مركزاً استخباريّاً هاماً للقوات الأميركية، قد تعرّضت قبل أسبوع من الآن، لأول هجوم منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، ما اضطرّ عملاء استخبارات الاحتلال الأميركيّ لإخلاء القاعدة بشكل كاملٍ بعد الضرر الكبير الذي لحق بها. 

ويُعدّ هجوم "غويران" هو الثاني على مراكز استخبارات الاحتلال، ويُشكّل تصعيداً مؤثّراً جدّاً ويحمل دلالات كبيرة على صعيد تطوّر عمل المقاومة الإسلامية في سوريا والعراق، ودخولها مرحلة توجيه ضربات دقيقة وقوية جدّاً تهدف إلى شلّ حركة العدو الاستخبارية، وهي تشبه إلى حدّ كبير عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، التي استهدفت مراكز المراقبة والتجسس والاستطلاع لدى العدو الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، والتي تهدف إلى إعماء بصر العدو وضرب مراكز معلوماته. 

وهذا يدلّ من جديد، على مدى التخطيط والتنسيق لدى قوى محور المقاومة، وعلى براعتها في إدارة المعركة على جميع الجبهات.

وبالاستناد إلى المعلومات الواردة حول عزم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إرسال قوات جديدة إلى سوريا والعراق، تحت حجّة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابيّ، فإنّ من المتوقّع أنْ تزيد المقاومة من حدّة وعدد ونوعية ضرباتها على قواعد ومراكز الاحتلال في البلدين، وأن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً كبيراً في وجه الاحتلال الأميركيّ في المنطقة، وصولاً إلى اليمن المقاوِم الذي دخل المواجهة من أوسع وأشرف أبوابها. 

وسيكون الشرق السوريّ واحداً من أهمّ هذه الميادين، نظراً لنوعية الاستهدافات التي تطال القواعد ومراكز الاستخبارات الأميركية هناك، الأمر الذي قد يدفع بقوات الاحتلال إلى الإقدام على اعتداءات جديدة على مواقع للجيش العربي السوري وفصائل المقاومة في الشرق، والمؤكّد، استناداً إلى التجربة والواقع والمعطيات، أنْ تدفع قوات الاحتلال بقطعان تنظيم "داعش" الإرهابيّ، إلى تكثيف هجوماتها على مواقع الجيش السوري في منطقة البادية خلال الأيام المقبلة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.