تركيا تقايض العراق مقابل حزب العمال الكردستاني.. أين طهران؟
يحاول الرئيس التركي تحويل امتنان الحلف لتوسّع "الناتو" إلى دين من أجل القضاء على حزب العمال الكردستاني، يتجلّى التحوّل في موقف الحكومة العراقية في اعتبار حزب العمال الكردستاني منظّمة محظورة.
إنشاء منطقة آمنة بعمق 30-40 كيلومتراً على طول الحدود من سوريا إلى العراق هو أحد الموضوعات الحاسمة في الاتصالات التي جرت بين وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس جهاز المخابرات التركية إبراهيم كالين في واشنطن.
يؤكد فيدان أن إقامة منطقة عازلة على الحدود الجنوبية سيؤدي إلى بناء المستقبل في أربيل والسليمانية وبغداد وكركوك والموصل. تريد أنقرة التأكّد من مواقف ونوايا الولايات المتحدة الأميركية في سياساتها السورية والعراقية الجديدة التي يدور الحديث عنها في هذه الآونة. وهي تخشى من المقايضات الأميركية الإيرانية في المناطق الحدودية الأمر الذي يمكن أن يرتد على مصالحها.
وعليه تمّ في 14 آذار/مارس استكمال القمة التي عقدت في أنقرة في 19 كانون الأول/ ديسمبر في بغداد وشارك فيها كلّ من وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن، ووزير الدفاع الوطني يشار جولر ونائب وزير الداخلية منير كارال أوغلو. وإلى الجانب العراقي نظراؤهم ووفد الحشد الشعبي برئاسة فالح الفياض ووزير داخلية كردستان.
وتقرّر على إثرها إنشاء لجان دائمة مشتركة بين البلدين تعمل بشكل منسّق لتصل إلى النتائج في مجالات مكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل. ومن المتوقّع أن تكون اللجان على المستوى الوزاري.
الطرفان أكّدا أنّ حزب العمال الكردستاني يشكّل خطراً أمنياً على تركيا والعراق، وأشارا إلى أن وجود التنظيم على الأراضي العراقية ينتهك الدستور العراقي. رحّبت تركيا بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن القومي العراقي باعتباره حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة في العراق، وسيقوم الطرفان بإعداد مذكّرة تفاهم تحدّد الخطوط العريضة للشراكة الاستراتيجية حتى زيارة إردوغان المقرّرة إلى بغداد.
حصول إردوغان على نص مشترك، سيمكّنه من استخدامه لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب العمال ويمكنه إسكات الجميع بهذه الوثيقة، تدقّ أنقرة كلّ الأبواب لإشراك سوريا والعراق في استراتيجية "محاربة الإرهاب".
ويحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحويل امتنان الحلف لتوسّع "الناتو" إلى دين من أجل القضاء على حزب العمال الكردستاني، يتجلّى التحوّل في موقف الحكومة العراقية في اعتبار حزب العمال الكردستاني منظّمة محظورة.
ما هو المطلوب من العراق وما هو المقابل الدي تقترحه أنقرة؟ تريد أنقرة من حليفها الحزب الديمقراطي الكردستاني نشر قوات البيشمركة بطريقة من شأنها تضييق منطقة مناورة حزب العمال الكردستاني، واتخاذ إجراءات فعّالة لإغلاق المعابر مع سوريا، وتوفير المزيد من الدعم الاستخباراتي ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، فيما يتعرّض حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لضغوط من العقوبات والتهديدات، وهو مطالب بقطع العلاقات مع حزب العمال الكردستاني واتخاذ إجراءات مضادة والتعاون مع المخابرات التركية.
إضافة إلى ذلك، إنهاء العلاقة القائمة بين وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، ترى تركيا أن سياسة ضرب الاتحاد الوطني الكردستاني دفعت هذا الحزب أكثر إلى العلاقة مع إيران، وكانت أنقرة قد أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات التي تقلع وتهبط في السليمانية. تريد أنقرة من السليمانية التعامل مع جهاز المخابرات التركي، والابتعاد عن إيران إذا تمّ حلّ المشاكل بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني.
من المتوقّع أن يغيّر الحشد الشعبي، الذي زاد نفوذه في كركوك والموصل وشنكال منذ الحرب مع "داعش"، موقفه تجاه تركيا وأن يتعاون مع الطلب من الحكومة المركزية اتخاذ الاحتياطات اللازمة في كركوك وتصفية وحدات مقاومة سنجار المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في شنكال. ومن المتوقّع انتشار أوسع لقوات حرس الحدود العراقية، كما أن خطوات إغلاق الحدود بين إيران وكردستان في إطار الاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران تشكّل أيضاً مثالاً للشمال.
تربط تركيا الملفات ببعضها وتضعها في حزمة واحدة تحت مسمّى ملف مكافحة الإرهاب والملفات التجارية والاقتصادية. بعد إغلاق خط أنابيب النفط كركوك-يومورتاليك تشترط تركيا لإعادة التشغيل على كردستان الشراكة في العمليات العسكرية ضدّ حزب العمال الكردستاني، والحقيقة أن إغلاق الخط يعتبر خسارة كبيرة لكردستان العراق.
القضية الأكثر أهمية هي المياه حيث تخلق مياه نهري دجلة والفرات أزمات خلال مواسم الجفاف، تقاسم المياه، وتحسين قنوات المياه، وتقنيات الري الجديدة، أي الإدارة المشتركة للمياه، أما مشروع الطريق التنموي فهو يعتمد على إزالة حزب العمال الكردستاني، ويعتبر ركناً أساسياً من أجل تحقيق هذا الممر، الذي يشمل أيضاً الطريق السريع والسكك الحديدية وهو يربط برّاً بين ميناء الفاو العراقي في البصرة وبين الموانئ التركية على البحر المتوسّط. ولا سيما أنّ بعض أجزاء الطريق تمرّ بمناطق يتمركز فيها حزب العمال الكردستاني.
يهدف مشروع التنمية، أي طريق الحرير العراقي، إلى تسهيل الأنشطة التجارية بين جنوب شرق آسيا وأوروبا من خلال إنشاء بديل لقناة السويس المصرية، ومن شأن نجاحه أن يجعل ميناء الفاو أكبر ميناء في الشرق الأوسط، قد تتحوّل المعادلة إلى وضع "الربح والخسارة" للكرد. إذ يشعرون في كردستان بالقلق لأنّ المشروع سيقلّل من أهمية مدينة هابور، وهي أهم مصدر للدخل في كردستان.
يمكن إنشاء الممر من هابور من خلال توسيع البنية التحتية القائمة، لكن الأتراك يصرّون على أوفاكوي، لأنّ لدى أنقرة نيّة تحويله إلى ممر أمني، وقطع الممرات بين سوريا والعراق، أما بالنسبة لبغداد فإنّ العامل الذي يشجّع على التقارب مع تركيا هو تشكيل نموذج تعاون من شأنه أن يزيد من نفوذ المركز في إقليم كردستان الذي لم يخضع لسيطرة المركز منذ عام 1990.
موقف طهران من المشروع
يبقى السؤال عن حقيقة الموقف الإيراني الذي لم يكن يحبّذ كثيراً التقارب التركي العراقي. كما أنّ طهران مارست ضغوطاً على الحكومات العراقية لتبنّي موقف متشدّد إزاء العمليات العسكرية التركية داخل العراق. كما تعتبر حاضناً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يحتضن قواعد العمال الكردستاني في مناطق نفوذه.
إلى ذلك تواجه العمليّة صعوباتٍ ميدانية. ذلك أنّ مقاتلي الحزب يتمركزون في مناطق يصعب الوصول إليها وتقع ضمن المثلّث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان. هل تشعر طهران بعدم الارتياح لأن الممر يمكن أن يشكّل بديلاً لخطة الممر الجنوبي الشمالي الإيراني؟ أم تغيّر موقفها من التنظيم وتتخلّى عن دعمها له داخل العراق لتحقيق مصلحة أهم لها مع تركيا، وربما الحصول على مكاسب في ملفات خلافية أخرى؟
مباركة إيران للعملية التركية العراقية المشتركة لتأمين إنشاء طريق تجاري عالمي يمرّ بالعراق ويربط بين آسيا وأوروبا، ربما سيجعلها تؤسس لمكسب جيوسياسي، هل من الممكن لإنشاء هذا الممر التجاري الدولي القريب من حدودها، ضرب أهمية الممر بين الكيان الإسرائيلي والهند؟
لا شك أن عقد قمة تركية إيرانية قريبة لبحث ما يجري أمر ضروري، تتوجّس تركيا من إبقاء الحدود التركية العراقية بيد إيران كورقة أمنية وسياسية، وهي تخشى أن يكون بديل حزب العمال الكردستاني على حدودها المجموعات الموالية لطهران.
كما تهدف تركيا في حوارها مع بغداد إلى حسم موضوع السليمانية التي تناور بين الأميركي والإيراني لمواجهة النفوذ التركي، ولإضعاف شريكها الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل سياسياً وحزبياً.
أما الولايات المتحدة فهي ستحاول الاستفادة من اشتعال جبهات قديمة بعد انفجار الوضع في غزة، وبعد تزايد الضغوط عليها للانسحاب من العراق، حيث يمكنها استغلال التصعيد التركي ـــــ الإيراني، أو الإيراني ـــــ العربي المحتمل في سوريا والعراق. سيما وأنه يجري الحديث مع واشنطن عن إمكانية أن تكون تركيا هي القوة التي تقف بين إيران والعراق في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها القتالية، حيث من المتوقّع أن تقوم تركيا، حليفة الناتو، بحماية المصالح الأميركية. كما أن بعض القوى في بغداد تريد تحقيق التوازن مع إيران.
يبدو أن إردوغان سيطلق عملية كبيرة في الصيف المقبل، كما تشير زيارات قادة القوات التركية على الحدود، لكن بعد إغلاق عملية قفل المخلب.