بين غزة ولبنان.. لماذا تصمت واشنطن عن استخدام "إسرائيل" الفسفور الأبيض؟

ستبقى "إسرائيل" تستخدم سلاح الفوسفور الأبيض وترتكب الجرائم بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني ما دام لا يردعها ويحاسبها أحد عن الجرائم التي ترتكبها.

  • لماذا تصمت واشنطن عن استخدام
    لماذا تصمت واشنطن عن استخدام "إسرائيل" الفسفور الأبيض؟

لا تتوانى "إسرائيل" عن استخدام مختلف أنواع الأسلحة المدمرة والمحرّمة في غزة وجنوب لبنان كي تلحق أكبر قدر من الخسائر بالمدنيين، وتقضي على الأخضر واليابس، لتعويض فشلها في تحقيق أي إنجاز في حربها التي تشنها على قطاع غزة. وقد أخذت "تل أبيب" تصبّ جام غضبها على المدنيين العزل، حتى وصل عدد الشهداء في غزة إلى أكثر من 18 ألف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين.

وبحسب التقديرات، فإن "إسرائيل" استخدمت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر نحو 40 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين من اللتين أطلقتهما الولايات المتحدة على هيروشيما وناكازاكي خلال الحرب العالمية الثانية.

وبعد فترة هدوء نسبي ووقف لإطلاق النار بين "إسرائيل" وحركة حماس بهدف تبادل الأسرى والرهائن، عاودت القوات الإسرائيلية هجماتها المكثفة على القطاع في الشمال والوسط والجنوب، ما يعني إلقاء آلاف القنابل الجديدة ومزيداً من القتل والتدمير.

شاهد العالم على قنوات التلفاز، وبشكل مباشر، استخدام "إسرائيل" سلاح الفوسفور الأبيض في غزة وجنوب لبنان، ما تسبب بإصابة المدنيين بالحروق والاختناق، فضلاً عن إشعال الحرائق في الغابات وتدمير القطاع الزراعي في جنوب لبنان، ودفع الأخير إلى تقديم شكاوى عديدة إلى مجلس الأمن لإدانة استخدام "إسرائيل" سلاح الفوسفور الأبيض وقيامها عمداً بإحراق الأحراج والغابات.

استخدامات سابقة

استخدم الكيان الصهيوني سلاح الفوسفور الأبيض خلال اعتداءاته المتكررة على غزة وجنوب لبنان. مثلاً، في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها "أمطار النار"، استخدام "إسرائيل" غير القانوني للفوسفور الأبيض في غزة وإلقاء ذخائر الفوسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالسكان.

من ناحية أخرى، اعترفت الحكومة الإسرائيلية، على لسان الوزير السابق المسؤول عن العلاقات بين الحكومة والبرلمان جاكوب أدري، باستخدام الفوسفور الأبيض في أثناء عدوانها على لبنان صيف 2006.

وفي كل مرة تستخدم "إسرائيل" الفوسفور كانت تتذرع بأنها استخدمته لأغراض عسكرية. ومع ذلك في عام 2009، أظهر تقرير "هيومن رايتس ووتش" السابق ذكره أن "تل أبيب" استخدمت الفوسفور الأبيض ضد المدنيين والأهداف المدنية.

وإذا كانت القوات الإسرائيلية تتذرع بأنها تستخدم الفوسفور الأبيض لأغراض عسكرية للتمويه وإنشاء ساتر دخاني، إلا أن لديها بديلاً آخر وغير قاتل هو مقذوفات الدخان عيار 155 ملم التي تحدث أثراً تمويهياً من دون الآثار السامة والحارقة التي يسببها الفوسفور الأبيض، ولكن الكيان المحتل يتعمد استخدام الفوسفور لتشويه وقتل المدنيين وإلحاق الضرر بالبيئة.

الإطار القانوني 

لا يحظر القانون الدولي صراحة استخدام سلاح الفوسفور الأبيض في النزاعات المسلحة، ولكن مع ذلك هناك اتفاقيات معينة يمكن تطبيقها على هذا السلاح من خلال تشابه الآثار التي يحدثها مع تلك الخاصة بالأسلحة المحظورة صراحة، وأيضاً من خلال استعمال أسلوب الاستقراء واتباع القياس المنطقي.

وبما أن سلاح الفوسفور الأبيض هو مادة كيميائية سامة يسبب عندما يلامس الجلد حروقاً كثيفة ومؤلمة، فهو بذلك أقرب إلى الأسلحة الكيميائية والأسلحة الحارقة، وبالتالي يخضع لاتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1993، وبروتوكول الأسلحة الحارقة الملحق باتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980.

بشكل عام، هناك إجماع على أن الغاية من استخدام الفوسفور الأبيض هي التي تحدد مشروعيته، فإذا استخدم لأغراض عسكرية، فلا يكون هناك اعتماد على الخاصية السامة للفوسفور الأبيض، وبالتالي لا يعتبر محظوراً. أما إذا تم الاعتماد على الخاصية السامة للفوسفور الأبيض لقتل المدنيين أو جرحهم، فهنا يعتبر غير قانوني.

وحتى لو استخدمت القوات العسكرية ذخائر الفوسفور الأبيض لأغراض عسكرية، فإنها تبقى ملزمة باحترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، كمبدأ التناسب ومبدأ الهجمات العشوائية ومبدأ اتخاذ الاحتياطات الواجبة لحماية المدنيين.

المحكمة الجنائية الدولية

يعدّ استهداف المدنيين عمداً بذخائر الفوسفور الأبيض جريمة حرب سنداً للمادة 8 من نظام روما الأساسي التي تعتبر استهداف المدنيين والأعيان المدنية عمداً واستخدام الأسلحة السامة وشن هجمات عشوائية وإلحاق ضرر طويل الأجل وشديد وواسع النطاق بالبيئة جريمة حرب.

وإذا أخذنا بعض الحالات التي استخدمت فيها "إسرائيل" سلاح الفوسفور الأبيض خلال العدوان الدائر حالياً على قطاع غزة وهجماتها على جنوب لبنان، فإننا نرى أنها كانت توجه عمداً نحو المدنيين.

في غزة ولبنان أيضاً

في غزة، استخدم الكيان الصهيوني هذا السلاح في أماكن مكتظة بالسكان دون اتخاذ أي إجراءات وتدابير لحماية المدنيين، ما أسفر عن إصابتهم بجروح خطيرة. وكذلك، استهدفت مقاتلات إسرائيلية مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. 

وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استهدفت القوات الإسرائيلية مستشفى الدرة للأطفال شرق القطاع بقنابل الفوسفور الأبيض. وبتاريخ 10 تشرين الثاني/نوفمبر، قصفت "إسرائيل" مستشفى الشفاء الذي كان يؤوي آلاف النازحين بذخائر الفوسفور الأبيض.

وفي لبنان، استخدمت "إسرائيل" الفوسفور الأبيض عمداً ضد المدنيين ولإحراق الغابات والقضاء على الثروة النباتية والحرجية؛ فقد أفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية بأنَّ "إسرائيل" استخدمت الفوسفور بشكل عشوائي في هجوم على بلدة الضهيرة جنوب لبنان في 16 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

واستهدفت بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر الحالي موقع الجدار التابع للجيش اللبناني لجهة رميش، ما أدى إلى إصابة بعض الجنود بالاختناق، علماً أن المواجهات تتم بين القوات الإسرائيلية والمقاومة اللبنانية. 

وتسبب الفوسفور الأبيض بإحراق أكثر من 5 ملايين متر من الأحراج، ما أثر في بساتين الحمضيات والموز وأشجار الزيتون وغابات السنديان.

تتذرع "إسرائيل" بأنها تستخدم الفوسفور الأبيض لأغراض عسكرية، ولكن بالنظر إلى الاستخدام المتكرر لهذا السلاح، وفي أماكن مكتظة بالسكان في غزة، ومن دون اتخاذ الاحتياطات التي يفرضها القانون الدولي لحماية المدنيين، تظهر رغبة "تل أبيب" الحقيقية في قتل وتشويه وإعاقة أكبر عدد من المدنيين وتهجيرهم، فضلاً عن التأثير في الأجيال القادمة، نظراً إلى أن الفوسفور الأبيض يؤثر في الأجنة، بحسب بعض التقارير العلمية.

وفي جنوب لبنان، تعمد "إسرائيل" إلى استخدام الفوسفور الأبيض ضد المواطنين لقتلهم وإحراق الغابات، ليس بهدف كشف حركة المقاومة، بل إلحاق الأذى والضرر والانتقام من المواطنين.

أشارت صحيفة "الواشنطن بوست" في تحقيق أجرته مؤخراً إلى أن "إسرائيل" استخدمت قنابل فوسفورية، أميركية الصنع، في إحدى هجماتها على لبنان خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ما أدى إلى إصابة 9 مدنيين. 

وفي هذا الإطار، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي عن قلق واشنطن إزاء التقارير التي تفيد باستخدام "إسرائيل" سلاح الفوسفور الأبيض في قصفها مناطق جنوب لبنان.

واشنطن التي أعربت عن قلقها من استخدام قنابل فوسفورية ضد المدنيين هي نفسها التي استخدمت هذا السلاح في العراق. وبحسب تقرير وثائقي عرضته قناة "Rai" الإيطالية تحت عنوان" الفلوجة المذبحة الخفية"، استخدمت الولايات المتحدة سلاح الفوسفور الأبيض عند قصفها مدينة الفلوجة، وأورد الشريط صوراً لضحايا المعركة ذابت أجسادهم بالكامل وشهادات لجنود أميركيين أقروا باستخدام السلاح في أثناء القتال.

ستبقى "إسرائيل" تستخدم سلاح الفوسفور الأبيض وترتكب الجرائم بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني ما دام لا يردعها ويحاسبها أحد عن الجرائم التي ترتكبها، وفي ظل الدعم الأميركي الذي يعد بمنزلة الضوء الأخضر لها للتنكيل بالمدنيين، وأكبر دليل على ذلك هو الفيتو الذي استخدمته واشنطن في مجلس الأمن مؤخراً ضد وقف إطلاق النار في غزة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.